يشكّل انفجار أجهزة البيجر واللاسلكي في لبنان قصّة تجسّس مرعبة للغاية وغير محتملة بحيث لا يجرؤ أيّ فيلم على عرضها على الشاشة، غير أنّ الصور…
“لم تتلاعب الحكومة الإسرائيلية بأجهزة الحزب التي انفجرت. بل صنعتها كجزء من خدعة متقنة كانت بمنزلة “حصان طروادة” العصر الحديث، كما وصفتها صحيفة “نيويورك تايمز”.
على الرغم من عدم تأكيد أو نفي إسرائيل أيّ دور لها في العملية، إلا أنّ 12 مسؤولاً دفاعياً واستخبارياً حالياً وسابقاً اطّلعوا على الهجوم قالوا لصحيفة “نيويورك تايمز” إنّ “الإسرائيليين كانوا وراءها، ووصفوا العملية بأنّها معقّدة، وقد خُطّط لها منذ وقت طويل”.
تشير الصحيفة إلى أنّ الحزب كان يدفع منذ سنوات باتجاه الاستثمار في أجهزة البيجر التي على الرغم من قدراتها المحدودة يمكنها استقبال البيانات دون الكشف عن موقع المستخدم أو أيّ معلومات أخرى قد تعرّضه للخطر، وفقاً لتقديرات الاستخبارات الأميركية، وأنّ هذا التوجّه حفّزه تعرّض كبار قادة الحزب للهجمات الإسرائيلية من خلال التكنولوجيا الفائقة، وهو ما دفع زعيمه حسن نصر الله لتحذير أنصاره في خطاب متلفز عامّ في شباط الماضي من استخدام الهاتف المحمول، وقال: “تسألون أين العميل؟ أقول لكم إنّ العميل هو الهاتف الذي في أيديكم وبحوزة زوجاتكم وأطفالكم. ودعا المقاتلين إلى دفن هواتفهم ووضعها في صندوق حديدي وإغلاقه بقفل”.
إسرائيل سبقت الحزب بالتّفكير
وفقاً لمسؤولي الدفاع والاستخبارات الذين تحدّث إليهم مراسلا الصحيفة شيرا فرنكل المتخصّصة بتغطية أخبار التقدّم التكنولوجي، وروجيه برغمان مدير مكتب الصحيفة في تل أبيب، رأى مسؤولو الاستخبارات الإسرائيلية في ذلك فرصة، ووضعت إسرائيل خطة لإنشاء شركة وهمية تتظاهر بأنّها منتج دولي لهذه الأجهزة حتى قبل أن يقرّر نصر الله استخدام أجهزة البيجر.
وفقاً لثلاثة ضبّاط استخبارات مطّلعين على العملية: “في الواقع كانت Consulting B.A.Cالتي مقرّها في المجر وتمّ التعاقد معها لإنتاج أجهزة البيجر نيابة عن شركة تايوانية تسمّى Gold Apollo، جزءاً من جبهة إسرائيلية. كما تمّ إنشاء شركتين وهميّتين أخريين على الأقلّ لإخفاء الهويّات الحقيقية للأشخاص المسؤولين عن إنشاء أجهزة البيجر، أي ضبّاط المخابرات الإسرائيلية”.
زادت شحنات أجهزة البيجر إلى لبنان، حيث وصل الآلاف منها إلى البلاد وتمّ توزيعها بين ضبّاط الحزب وحلفائهم، وفقاً لمسؤولين استخباريين أميركيين
أضافوا: “لقد تعاملت شركة B.A.C. مع زبائن عاديّين، وأنتجت لهم مجموعة من أجهزة البيجر العاديّة. لكنّ الزبون الوحيد الذي كان مهمّاً حقّاً هو الحزب، وكانت أجهزة البيجر الخاصة به بعيدة كلّ البعد عن العاديّة”. وبحسب ضباط الاستخبارات الثلاثة، فإنّ هذه الأجهزة، التي تمّ إنتاجها بشكل منفصل، تحتوي على بطّاريات مملوءة بمادّة PETN المتفجّرة. بدأ شحن أجهزة البيجر إلى لبنان في صيف عام 2022 بأعداد صغيرة، لكنّ الإنتاج تسارع بسرعة بعدما حذّر نصر الله من الهواتف المحمولة بسبب تقارير من الحلفاء تفيد بأنّ إسرائيل اكتسبت وسائل جديدة لاختراق الهواتف، وتفعيل الميكروفونات والكاميرات عن بعد للتجسّس على أصحابها.
البيجر مجرّد “أزرار”
يوضح المسؤولون الاستخباريون للصحيفة أنّ الحزب كان يدرك أنّ إسرائيل استثمرت الملايين في تطوير التكنولوجيا، وانتشر بين الحزب وحلفائه بأنّ أيّ اتصال عبر الهاتف المحمول وحتى تطبيقات المراسلة المشفّرة لم يعد آمناً. ولم يحظر نصر الله الهواتف المحمولة في اجتماعات قادة الحزب فحسب، بل أمر بعدم نقل تفاصيل تحرّكات الحزب وخططه عبر الهواتف المحمولة أبداً، وأمر ضبّاط الحزب بحمل أجهزة البيجر في جميع الأوقات، وباستخدامها في حالة الحرب لإخبار المقاتلين إلى أين يذهبون. وخلال الصيف، زادت شحنات أجهزة البيجر إلى لبنان، حيث وصل الآلاف منها إلى البلاد وتمّ توزيعها بين ضبّاط الحزب وحلفائهم، وفقاً لمسؤولين استخباريين أميركيين.
بالنسبة للحزب، كانت هذه الأجهزة إجراء دفاعياً، لكن في إسرائيل تحدّث ضبّاط المخابرات عن أجهزة البيجر على أنّها “أزرار” يمكن الضغط عليها عندما يبدو الوقت مناسباً. ويبدو أنّ تلك اللحظة جاءت في يوم الثلاثاء، حين صدر الأمر بتفعيل الأجهزة. ولإحداث الانفجارات، وبحسب ثلاثة مسؤولين في الاستخبارات والدفاع، قامت إسرائيل بتشغيل أجهزة البيجر وإرسال رسالة باللغة العربية بدا وكأنّها جاءت من كبار قادة الحزب. بعد ثوانٍ، كان لبنان في حالة من الفوضى. وبات اللبنانيون يعيشون الآن في عالم حيث يمكن تحويل أكثر أجهزة الاتّصال شيوعاً إلى أدوات موت.
المصدر : أساس ميديا