عقد المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى جلسة في دار الفتوى، برئاسة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، وفي حضور الرئيس المكلف سعد الحريري، وتدارس المجلس الشؤون الإسلامية والوطنية وآخر المستجدات على الساحة اللبنانية. استهلت الجلسة بكلمة لمفتي الجمهورية الذي تناول فيها الأوضاع الإسلامية والوطنية، ثم استمع المجلس من عضو المجلس الطبيعي الرئيس المكلف سعد الحريري الذي اطلع الأعضاء على اخر التطورات السياسية والعقبات التي تعترض تشكيل الحكومة والخطوات التي قام بها لتجاوزها من أجل مصلحة الوطن.
وأصدر المجلس بيانا تلاه عضو المجلس الشيخ فايز سيف قال فيه:
“توقف المجلس الشرعي أمام ظاهرتين خطيرتين يؤدي تلازمهما الى دفع الأزمة الخانقة التي يواجهها لبنان الى هاوية لا قرار لها. تتمثل الظاهرة الأولى في استمرار التدهور السريع وبوتيرة شبه يومية تشمل مجالات الحياة الاجتماعية والمالية والاقتصادية والسياسية كافة. وتتمثل الظاهرة الثانية في اللامبالاة وعدم الاكتراث والتخبط العشوائي الذي يتسم به سلوك وتصرفات المتحكمين برقاب المواطنين من أولي الأمر. إن لبنان يبدو مثل سفينة متهالكة تواجه عاصفة هوجاء في بحر هائج، ينشغل ربانها وبحارتها عن مصيرها، وينصرفون الى الجدال العقيم حول “جنس الوزراء” وتبعياتهم. وفي الوقت الذي توشك فيه السفينة على الغرق، فان بعضا من هؤلاء المسؤولين (أو الذين يفترض أن يكونوا مسؤولين)، لا يرف له جفن، ولا يتحرك لديه ضمير أو حس وطني أو إنساني. إن هذا البعض غارق في “الأنا” وفي نرجسياتهم الوهمية، وكأن الأخطار التي تحدق بسفينة الوطن لا تعنيهم من قريب أو بعيد. إنهم يرفضون حتى أن يمدوا أيديهم الى الأيدي الممدودة من وراء الحدود لإنقاذهم من أنفسهم، ومن الغرق في دوامة الفوضى والانهيار”.
واكد المجلس الشرعي أنه “لا يمكن السماح بالمس بصلاحيات رئيس الحكومة المكلف وأي سعي الى إعراف جديدة في ما يتعلق بالدستور أو باتفاق الطائف أمر لا يمكن القبول به تحت أي حجة من الحجج، ويؤكد دعم الرئيس المكلف وصلاحياته ضمن اطار الدستور المنبثق من وثيقة الوفاق الوطني، ويحمل المجلس مسؤولية التأخير في التأليف الى من يحاول ان يبتدع طرقا ووسائل وأساليب تلغي مضمون وثيقة الوفاق الوطني، التي هي مكان إجماع القيادات اللبنانية الحريصة على استقلال لبنان ووحدته وسيادته وعروبته”.
وشدد على “أهمية ضرورة استمرار مفاعيل المبادرات التي قدمت من قبل فرنسا ودولة رئيس مجلس النواب نبيه بري”، آملا ان “تثمر حلا قريبا للخروج من النفق المظلم الذي وضع فيه لبنان”، داعيا المجلس القيادات السياسية الى “العمل مع الرئيس المكلف للخروج بحكومة تنقذ لبنان مما هو فيه وتعيده الى الطريق القويم”.
ورأى المجلس أن “حقوق اللبنانيين بالتساوي في مؤسسات الدولة يتعاطى معها بعض المسؤولين بمزاجية تهضم حقوق البعض على حساب البعض الآخر، وهذا امر تجلى في كثير من المرافق الرسمية عند تحول بعض الموظفين على التقاعد”، مشيرا الى أن “اللافت في الأمر تعدد مثل هذه التجاوزات التي لا يمكن السكوت عنها، لأنها تثير حفيظة المغبونين وتهيئ الأجواء لإثارة النعرات الطائفية والمذهبية، مما يعرض الأمن الاجتماعي الى الاهتزاز كي لا ندخل في آتون الفوضى التي لا يمكن الرجوع عنها إلا بوجود دولة عادلة حازمة تراعي حقوق كل الطوائف ولا تقدم اتباعها والمحسوبين عليها على حقوق الآخرين”، لافتا الى أن “لبنان وطن العيش المشترك، وطن الغد الأفضل، يتحول بفضل هذه العقلية الإنغلاقية المدمرة الى عصر الجاهلية حيث الشعار “لنا الصدر دون العالمين أو القبر. ولأن المسؤولين على السلطة ليسوا من أهل الصدر، ولا يستحقونه كما تثبت التجارب والوقائع المأساوية، فانهم يحفرون قبورا جماعية بأيديهم تضيق بالعجز والفشل والتقهقر الذي ولد على أيديهم”.
أضاف: “لقد حولوا لبنان المزدهر الى دولة فاشلة، وحولوا الاعتزاز اللبناني الى استعطاء، وحولوا الشعور بالكرامة الوطنية الى إذلال أمام محطات الوقود والصيدليات والأفران. اعدموا الفقراء وفقروا الميسورين، وهجروا المقتدرين، وهم يعتقدون انهم يحسنون صنعا”.
وختم: “إن المجلس الشرعي وقد هاله هذا التدهور الخطير والمتمادي، يقف مذهولا أمام تجاهل المسؤولين وإنكارهم لهذا الواقع المأساوي، وكأنهم ومصالحهم الذاتية في واد، ولبنان الوطن وشعبه المترنح من شدة الألم والعذاب والقهر في واد آخر.
لا بد من كلمة حق في وجه سلطان جائر. وليس أكثر جورا من الاعتداء على حقوق الناس وأكل أموالهم بالباطل، ومن سوء الأمانة في إدارة شؤون الدولة. والمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، الذي يعبر عن مشاعر الناس بالألم الشديد لما آلت اليه الأمور في لبنان من تدهور كارثي، لا يستطيع إلا أن يرفع الصوت عاليا منبها ومحذرا. فلبنان الوطن والعيش المشترك هو وطننا النهائي، وهو أمانة في أعناقنا جميعا. انه باق والفاسدون الى زوال”.
المصدر : وطنية