لم يتسنَّ لعائلة الصمد أن تلملم جراحها ودموعها حتى تدفن عزيزاً آخر. أسبوعان وهي تبكي أحباءها واحداً تلو الآخر، 4 وفيات حتى الساعة وحالتان حرجتان تُصارعان في العناية الفائقة. هذه العائلة التي شكّلت حالة استثنائية في لبنان دفعت بالكثيرين إلى السؤال عن سبب وفاتهم والمصير المتشابه لأفرادها مع الكورونا. أهو التأخير في طلب الرعاية الصحية؟ أهو جينات العائلة التي كانت مسبباً في تفاقم الحالة؟ أم إهمال رسمي في متابعة الحالات وتوجيه المصاب؟ تحاول عائلة الصمد استيعاب ما يجري، يصعب عليها تصديق أن 4 من أحبائها غادروا بهذه السرعة، دموعها لم تجف بعد، “الموت ما زال يُخيّم فوق منزلهم”، وصرخة وجع واإذار عسى أن يسمع أحد!
28 إصابة بكورونا في العائلة. حتى الساعة ما زال مصدر العدوى مجهولاً، إلا أن فرضيات كثيرة قد تكشف السبب ومنها أن يكون أحد المرضى الذي يعمل في طرابلس قد التقط العدوى ونقلها إلى العائلة دون معرفته. وكما يشدد صديق العائلة وجارها فادي الصمد في حديثه لـ”النهار”، أن “المشكلة ليست في كيفية الإصابة بالفيروس بل في كيفية التعاطي مع هذه الحالات والإهمال الفاضح في متابعتها وتوجيهها، الأمر الذي أدى إلى تفاقم حالتهم الصحية ووفاة 4 أشخاص تراوح أعمارهم بين 81 و47، في حين يُصارع اثنان منهما في العناية الفائقة وحالتهما حرجة.
برأي الصمد، أن “خسارة هذه الأرواح الأربعة كانت نتيجة الإهمال. كثيرون أصيبوا بالكورونا ولكن لم يختبر أحد ما اختبرته هذه العائلة في الأسبوعين الأخيرين. لم يهتم بهم أحد، وتم إرسالهم إلى المستشفى بعد أن ساءت حالتهم كثيراً. القصة بدأت عندما ظهرت بعض الأعراض على أحدهم لتأتي النتجية إيجابية. وبعد إجراء الفحوص للمخالطين تبين أنه من أصل 34 شخصاً جاءت نتيجة 25 إيجابية ومن ثم ظهرت 3 حالات جديدة ضمن العائلة الكبيرة”.
مضيفاً: “طُلب منهم الحجر المنزلي، “احجروا حالكم ببيوتكم”، وبعد 10 أيام انتكست حالتهم فتوفي الأب الكبير (82عاماً) في المنزل، في حين أدخلت الأم الكبيرة والإبن الى المستشفى بعد تدهور حالتهما الصحية. المشكلة أن العائلة بقيت تخالط بعضها باعتبار أنهم جميعاً مصابون بالفيروس، وربما أدى ذلك إلى زيادةالفيروس وشراسته. لم يكن هناك احد يتابع معهم، سواء البلدية او اللجنة الصحية وغيرها من المعنيين، واكتفوا بالطلب منهم بالحجر فقط”.
ويؤكد أن المريض فادي الصمد “ساءت حالته كثيراً، وحالة كبده يُرثى لها حيث تضرر بنسبة 70%. ما حدث هو نتيجة إهمال وقلّة وعي، هذه كارثة كبيرة لم تشهد مثلها أي قرية لبنانية أخرى برغم الإصابات المسجلة فيها. ما جرى في بخعون لم يحدث في أي مكان، وما عاشته هذه العائلة لم تختبره أي عائلة لبنانية أخرى نتيجة خساراتها المتتالية نتيجة الفيروس. حتى أن المريض فادي (47 عاماً) توفي منذ أيام ولم يرَ ابنه المولود حديثاً، لم يتسنَ له أن يرى ابنه. وبالأمس دفنّا فيصل الذي توفي بعد مضاعفات الفيروس”.
كما يشير إلى أن المريض شادي المتواجد في العناية “لا يعاني من مشاكل صحية ولا يتناول حبة دواء. شكاوى كثيرة نسمعها سواء من أهالي المرضى أو المرضى وسوء المعاملة من بعض المستشفيات الحكومية، لكن ما يهمنا اليوم الدعوة إلى انشاء خلية ازمة من أطباء ومعنيين يتابعون الحالات الإيجابية وعزلها في احد الفنادق المغلقة في البلدة تفادياً لأي اهمال او عدم ادراك لكيفية تعامل المريض مع الفيروس”.
وكان فادي الصمد الذي تحدثنا معه نشر تغريدة “كورونا امتحان كبير، الكل مسؤول من موقعه، الدكتور والممرض والبلدية والنائب والاستاذ والمهندس. أين هم أصحاب الأموال؟ أين كل هؤلاء؟ للأسف وصلنا إلى زمن كل واحد نفسو، كل يوم نسمع خبر جديد. كورونا دخلت بيوتنا، وكل يوم نودع حبيب وغالي. عندما تكون النتيجه ايجابية يقال للمريض احجر نفسك اسبوعين في منزلك ..أهذا هو الحل !!! اين المراقبة اليومية؟ أين الدواء والعلاج والتوعية لكل فرد مصاب. نتأسف على كل شيء… الله يرحم الاموات ويشفي المرضى ويرحم ضمير كل واحد معني وقصّر في حق ضيعته وأهله”.
البروفسور المُساعِد والاختصاصي في الأمراض الصدرية والإنعاش الدكتور طه بازارباشي يقول لـ”النهار” إنه “تم استدعائي للحضور إلى المستشفى الحكومي والكشف على المريض الذي كانت حالته حرجة جداً، ولكنه توفي قبل أن أصل إلى المستشفى. لم أرَ المريض، ولكنه طُلب مني بعد اتصالات كثيفة من أكثر من مرجع لفحصه وإعطاء رأيي الطبي، إلا أنه صودف وصولي بعد دقائق على وفاته، حيث تم التعدي عليّ بالضرب والصراخ والإساءة” مشيراً إلى أن “الطبيب يقوم بواجبه الإنساني والطبي لإنقاذ المريض، ولا يحق لأحد أن يتعدى عليه بالضرب والتهجم عليه. فكيف اذا لم يكن له علاقة وقد طُلب مني الحضور كإستشارة ومساعدة، وأدفع ثمن ذلك”.
وحول إمكانية وجود سبب جيني مسؤول عن حدوث 4 حالات وفاة في العائلة الواحدة، يؤكد بازارباشي أنه “قد يكون هناك سبب جيني، وقد اخذت وزارة الصحة عينة من العائلة لدراستها وفحصها لمعرفة ما اذا كان الفيروس في أجسامهم يتفاعل بهذه الطريقة أم أن العائلة لديها جينات مسؤولة عن تدهور الحالة. وحدها الوزارة ستملك الجواب على هذا السؤال بعد إجراء الفحوصات اللازمة وصدور النتيجة ودراسة تسلسل الفيروس عند العائلة، وقد تُرسل الفحوصات إلى الخارج”.
المصدر _النهار
حكايةُ قبر أُمّي..
كانت والدتي رحمها الله تقولُ لنا في سهراتنا الطويلة : ” إدفنوني بين أهلي لأنني آنَسُ بهم .. فَلَكَمْ أبصرتُ مقبرةَ قريتنا في شبعا بعدَ ذوبان ثلج حرمون تنقلبُ حديقةً غنّاءَ ، تَنْبُتُ في ثناياها أشجارُ الجوز والحور والبيلسان .. وزهر الياسمين . أوصتني أمي وأنا بعد صغيرة فقالت :” لا تدفنوني بعيداً عن أهلي
Read More