ونحن نودع زميلاً وأستاذاً مثل الدكتور عامر مشموشي ، نستذكر معه لقاءً من عشرات اللقاءات ل “رابطة خريجي الإعلام” التي كنا نقوم بها دورياً للسياسيين المؤثرين في الوضع اللبناني ومن إحداها نذكر أننا كنا في الطريق للقاء الدكتور سمير جعجع ، وأنا كالعادة أقود سيارة الدكتور عامر الجيب على الطريق صعوداً من جونية الى معراب ، وكانت مسافة الرحلة للقاء أحد السياسيين المؤثرين في السياسة اللبنانية ، تستغل كما كل المقابلات التي دأب الدكتور عامر على تحضيرها ، للمناقشة والتحضير لمحاور النقاش والتنسيق في طرح الأسئلة ، وفي هذه المرة كان النقاش مطولاً حول الكتاب الجديد الأخير للدكتور عامر عن المعلم الشهيد كمال جنبلاط الذي صدر له في العام الماضي 2019.
كان الكتاب جاهزاً بمقدمته وفصوله ، يسترجع فيه شريط ذكرياته ، وهو الذي كان مقرباً من المعلم الشهيد كمال جنبلاط كظله ، ولكنه يحتاج الى عنوان لافت ومعبر ، والدكتور عامر “ديمقراطي” يأخذ رأينا نحن في “الرابطة” بصيغ عديدة للعنوان كتبها بخط يده : “رضوان وعماد (رضوان عقيل وعماد مرمل) ما رأيكما ؟ عاطف وخضر(خضر ماجد) عندكما صيغة أخرى للعنوان ؟… يقر الرأي على عنوان لافت :”كمال جنبلاط : أسرارٌ ومواقف” يتصل بمسؤول دار النشر ليؤكد على العنوان والغلاف … يتم الطبع ، ينظم يوماً مميزاً في المكتبة الوطنية في بعقلين لتوقيع الكتاب في مثل هذه الأيام من العام الماضي ( حفل التوقيع في المكتبة الوطنية ببعقلين في الخامس من تشرين الأول 2019 للمفارقة )
قال حينها عن الشهيد كمال جنبلاط : “مهما حاول الإنسان الإبحار في عالم المعلم كمال جنبلاط، يبقى عاجزاً عن سبر أغوار هذا البحر الشاسع، فكلما أبحرت فيه تكشّفت لك فيه أبعاد جديدة عن عظمة هذا المعلم وسعة أفقه ومداركه وفلسفته التي أساسها الإنسان والإنسانية بكل أبعادها ومداركها”.
قال لنا يومها : “سأسرع في تقديم الكتاب لأنقل العديد من المواقف المهمة للمعلم كمال جنبلاط ، من يدري ربما نذهب من هذه الدنيا قبل أن ندون هذه المواقف للتاريخ” ، وكان الدكتور عامر على حق : لقد رحل عن هذه الدنيا سريعاً.
كان صحافياً محترفاً وممارساً وأكاديمياً رصيناً ، دمث الأخلاق يتقن فن طرح الأسئلة والإستنتاج ، وما فتئ يعلمنا من تجربته ، ونحن زملاء وأعضاء في رابطة خريجي الإعلام التي كان له شرف رئاستها منذ تأسيسها .
كان يعرف كيف يخاطب السياسيين ويأخذ منهم الموقف الواضح والصريح ، لم ينل منه المرض وقاوم حتى الرمق الأخير ، في “اللواء” كان يجلس وراء مكتبه المتواضع وكأنه محرر عادي في الجريدة ليكتب ” عموده” الذي يلخص فيه موقفه وقراءته اليومية للوضع .
عرفته خلف هذا المكتب منذ أكثر من ثلاثين عاماً عندما دعاني بعد تخرجي من كلية الى الإعلام – وكان أستاذي – ، الى التدرب ثم العمل في “اللواء” ، قال لي يومها بعد حفل تخرجنا المختصر من الجامعة بسبب الحرب حينها : “مر لعندي عاللواء” …ولم أتأخر وقصدته في الجريدة وضمني الى قسم التحقيقات ، ثم منحني ثقته الكاملة واختارني مندوباً قضائياً في العدلية والمحكمة العسكرية ، حيث خطيت أولى سنوات لي في مهنة البحث عن المتاعب ، قاوم المرض بصلابة نادرة بالرغم من عمره المتقدم ، لم يغب عن الجريدة وعن كتابة زاويته الا في الأشهر الأخيرة حين اشتداد وطأة المرض عليه .
الدكتور عامر مشموشي خسارة كبيرة في الوسط الإعلامي ، كان ولا يزال معلمنا حتى وقت قريب ، سنفتقده قلماً مثقفاً وشاهداً على حقبة سياسية هامة من تاريخ هذا الوطن المعذب ، رحمه الله تعالى وأكرم منزله .
عاطف البعلبكي
رابطة خريجي الإعلام في الجامعة اللبنانية
[email protected]