عند الساعة الخامسة و50 دقيقة من مساء الثلاثاء 4 آب، ورد اتصال الى فوج إطفاء بيروت من غرفة عمليّات شرطة بيروت، بلّغت فيه عن حريق في العنبر رقم 12 في المرفأ، من دون تحديد طبيعته. ولأن مركز الكرنتينا الرئيسي للفوج هو الأقرب إلى مكان الحريق، تدخّلت سيارة إطفاء وفرقة إسعاف من الفوج. كان على متن الرحلة المأسويّة عشرة متطوّعين، لم ينذرهم أحدٌ إلى أي قدر يذهبون ، وهم: نجيب وشربل حتّي، رالف ملّاحي، شربل كرم، جو نون، إيلي خزامي، رامي كعكي، مثال حوّا، جو بو صعب… لا يزالون في عداد المفقودين، وسحر فارس المسعفة التي زفّتها بلدتها القاع إلى مثواها الأخير أمس.
ومع وصول المتطوّعين إلى مكان الحريق في العنبر المشؤوم، أدركوا أن الحريق كبير ، من دون أن يعرفوا طبيعته ولا نوع المواد المشتعلة فيه. طلبوا الدعم، قبل دقائق معدودة من الإنفجار الكبير الذي وقع عند الـ6:08 دقائق. طلبهم للدعم أنقذ رفاقهم في مركز الكرنتينا. إذ غادر هؤلاء مكاتبهم وغرف نومهم، ولدى صعودهم إلى السيارات ، وقع الانفجار الذي أدى الى تضرّر قسم كبير من المركز الذي كانوا قد غادروه للتو.
قبل الانفجار بدقائق، كانت سحر فارس قد التقطت الصورة الأيقونيّة لرفيقيها وعامل ثالث من المرفأ، يحاولون فتح باب العنبر. باب جهنّم التي ذاقت بيروت نارها. هي الصورة التي انتشرت مع سؤال: “من أرسل عناصر الفوج إلى الهلاك ؟”. كما صورت فيديو مدّته 24 ثانية للعنبر المشتعل من داخله والعناصر يهمّون بالإقتراب منه. هذا آخر ما أرسلته إلى مجموعة الواتساب الخاصة برفاقها في الفوج، لإعلامهم بمدى ضخامة الحريق. أحد رفاق الفوج لفت في اتصال مع “الأخبار” إلى أن “الغريب هو عدم وجود أي شخص لدى وصولهم إلى موقع الحريق. كانوا وحدهم يحاولون فتح الباب، كما أظهرت صورة سحر”.
ويضيف : “لم يعلموا ما هي المواد المشتعلة، لم يتمّ التبليغ عن محتويات العنبر، لماذا كانوا وحدهم؟ ثمة ما لم نفهمه!”.
الشهيدة والمفقودون متطوّعون غير مثبتين ورواتبهم تتراوح ما بين مليون و100 ألف ليرة ومليون و700 ألف ليرة لبنانية .
وجدت جثة سحر، أمس مطمورة بالردميات قرب الحفرة التي أحدثها الإنفجار، وعلى حافة ما تبقّى من أهراءات القمح، وشُيّعت في بلدتها القاع (البقاع الشمالي). وفيما يستمرّ البحث عن رفاقها، لم يُعثر على أثر لسيارتي الفوج.
رئيس الفوج العقيد نبيل خنكرلي قال : “الفوج المفجوع يضمّ نحو 650 متطوّعاً، بينهم 350 عنصراَ ثابتاً فقط، يتوزّعون بين مراكز الكرنتينا والباشورة والطريق الجديدة وعرمون وتتراوح رواتبهم بين مليون و100 ألف ليرة ومليون و700 ألف ليرة، فقط لا غير!”.
والمفارقة أن المفقودين التسعة والشهيدة سحر، جميعهم من المتطوّعين غير المثبتين. أولئك، ربما يعلنهم محافظ بيروت مروان عبّود، شهداء الواجب، وربما يعتبرون مثبّتين. هذا آخر ما يمكن أن يقدّمه إليهم بلد القتل المستمرّ. بلد يعيش فيه المتطوّع مغبوناً، ويذهب فيه إلى حتفه من دون إنذار أو تحذير ومن دون معدّات.
المصدر : الأخبار