أصدرت مجموعة من الشخصيات المارونية بياناً يدعون فيه الرئيس ميشال عون إلى الاستقالة، باعتبار أنه “لا يليق بالموارنة في لبنان، قبل غيرهم، أن يسكتوا عما آلت اليه رئاسة البلاد في عهد الجنرال ميشال عون”.
وهنا نص البيان الحرفي، ولائحة الموقعين عليه حتى الآن:
ينبع بياننا اليوم من قناعاتنا كموارنة من جبل لبنان وسهوله وسواحله بما للمارونية من تعلّق تاريخي بالأرض وبالبحر، ومن إيماننا كلبنانيين ولبنانيات بموقع لبنان الحضاري الفريد في تعدد لغاته الشرقية والغربية، ومن تراثنا كجزء من العالم العربي بما لعروبتنا المنفتحة ريادةٌ في الحرية وفي إغناء الثقافة في الفضاء العالمي، ومن تاريخنا كنساء ورجال واثقين أنّ ما يميّزنا كموارنة ولبنانيين وعرب قبل أي انتماء أخر هو إنسانيَّتنا.
لهذا بياننا مرحلي لأن مارونيتنا جزء لا يتجزأ من لبنانيتنا وعروبتنا وإنسانيتنا.
والبيان دعوة لأهلنا في المارونية واللبنانية والعروبة والإنسانية إلى الإشتراك معنا على مساحة لبنان والشرق الأوسط والعالم – وفي خضمّ الوباء المستشري على الأرض – في الحضارة الإنسانية الأرفع من رفض للعنف السياسي والإستئثار بالسلطة والتحكم الإستبدادي بالبلاد والعباد ، والعمل على استبدال شريعة القوي بالقانون السوي واللاعنف، وتقويض الاستئثار والاستبداد بالكلمة الحرّة والتمثيل الديمقراطي.
وبعودة الى مارونيتنا المنفتحة، هذا البيان ضروري وملحّ ، لما يمثل المقام الماروني في لبنان من تألّق منذ التاريخ الغابر وحتى بطريركنا الراحل نصرالله صفير وأساقفته ورعيّته. لا يليق بالموارنة في لبنان، قبل غيرهم، أن يسكتوا عما آلت اليه رئاسة البلاد في عهد الجنرال ميشال عون.
ترفَعُنا إلى هذا الموقف ثورة عارمة، سبقتها في تاريخنا المعاصر ثورتان، الأولى بيضاء سلمية ضد الرئيس بشارة الخوري عام 1952، لأنه استأثر بالسلطة في سلالة عائلية ولو كان على خلاف حكّامنا الحاليّين رجلَ علمٍ واستقلال، والثانية انتفاضة الاستقلال عام 2005 حيث وقف العديد منا في ساحات لبنان في رفض العنف سبيلاً للسياسة وتصدياً للهيمنة السورية المتهمة هي وحلفاءَها باغتيال رئيس وزرائنا رفيق الحريري. الثورة الشعبية العارمة التي عمَّت بلادنا من شماله الى جنوبه منذ تشرين الأول الماضي ومن شرقه الى غربه بسلسلة بشرية لا سابق لها، لم تكن إذاً الأولى في طابعها السلمي العارم، بل الثالثة.
وإن لم تنجح الثورة البيضاء أو ثورة الأرز في التوصل الى ارتفاع أداء السلطة الى ما كانت تحملانه من اندفاع نحو الدولة المدنية في مجتمعنا المرهق بالبعد السلبي لطائفيته ، إلا أن ثورتنا الحالية تتميّز بعددٍ من الخصائص النفيسة التي بني عليها هذا البيان:
أولّها ريادة اللبنانيات فيها،
وثانيها صدارة الشبان والشابات في عنفوانها،
وثالثها تكريس السلميّة المطلقة فيها – ونذكّر أن الضحايا فقط من أهل الثورة على يد مأموري السلطة. هذا المعنى العميق للثورة اللاعنفية هو رفض الثوار استعمال العنف الجسدي ضد أدوات السلطة قناعةً منّا أن العسكري ورجل الأمن منّا وفينا في قلب الثورة ، وأنّه لا بدّ أن يلتحقوا بها قريباً لإزاحة المستبد الذي يعطي الأمر باستعمال العنف ضد الناس الغاضبين المسالمين وإقامة الجدران والحواجز أمامهم ،
ورابعها نجاح الثورة العظيم في طريقها إلى تجديد الجمهورية بإسقاط حكومة صهر العهد.
بياننا المرحلي هذا مبني على تاريخنا القريب والأبعد، يواصل إنجازات خروج الناس في ثورة نريدها جامعةً لتاريخنا بمستقبل يشبه محيّاهم المشرق ويلبّي طموحاتهم المحقّة، هدفه التذكير بأن الرئيس الماروني الحالي لا يستحقّه الموارنة ممثلاً لهم ، كما لا يستحقّه اللبنانيون ، فهو أحد المسؤولين الأساسيين في الجمهورية عن الإنهيار الذي يعيشه لبنان والذي لا مجال للخروج منه إلا بعد تنحيته من الحكم.
الجنرال ميشال عون هو المسؤول الأول عن انهيار لبنان – وإن لم يكن المسؤول الوحيد عنه. هو العثرة الأولى أمام فتح المستقبل على المجتمع وطموح الثورة العظيمة التي نعيشها.
الجنرال عون ليس المسؤول الوحيد بل هناك عوامل أخرى أيضاً لا سيما: الصراعات في الشرق الأوسط، والعنصرية الإسرائيلية اللاغية للآخر، والترفع الغربي عن مواقف حكيمة واضحة في مبادئها، وطموحات رجال الدين الإيرانيين من العصر الجديد واستبداد جلّ الحكّام العرب، والطبقة السياسية اللبنانية المهترئة، والسياسات المالية المتعاقبة، كما تلكؤنا نحن كلبنانيين. لكن رئيس الجمهورية هو دستورياً رئیس الدولة ورمز وحدة الوطن، ویسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضیه . وهو أخلّ بذلك مراراً وتكراراً، فوحدة الوطن متزعزعة أكثر من أي يوم مضى، والإستقلال غير ناجز بوجود سلطة حزب مسلّح غير قانوني ولاؤه المعلن لمرشد الجمهورية الإسلامية في إيران، يقضم سلطة الدولة ويقرر عنها الحرب والسلم، وسلامة الأراضي اللبنانية مهددة أكثر من أي يوم مضى. رئيس الجمهورية هو المسؤول الأول في الجمهورية وبالتالي يحاسب قبل غيره، ويستقيل قبل غيره بمجرد تقصيره في إداء واجبه، حتى ولو لم يكن فاسداً. وفي التاريخ الأقرب، وبمجرد أنه أمر بالإعتداء على الناس العزّل إلا من كلمتهم، من صحافيين وثوار نساءً ورجالاً، فهذه مسؤولية مضاعفة تجعل أي إصلاح يبدأ بتنحيته قبل أي شيء لإعادة الأمل الى لبنان.
والجنرال عون ، للأسف، هو المسؤول صدارةً بتاريخه المرير من العمل السياسي استئثاراً للسلطة وبحثاً عن تربّعه عليها معطلاً وفاسداً. هو تاريخ سياسي قاتم بدأ بحكومة عسكرية وحروب فاشلة غطاءً لرفضه ترك السلطة، وعدم تأمينه لجلسة إنعقاد مجلس النواب لا
انتخاب رئيس جمهورية -كما هو مطلوب في دستورنا، وحتّى الأمر الذي ألقاه كرئيس للجمهورية لقمع الثورة والثوار في الأشهر الماضية، والقمعُ مستمر. وأما الفساد، والفشل، فيكفي ما جناه على البلاد من تسلّط صهره وصبيانياته ووقاحته المتمادية، والذي بات حتى المقرّب منه في عائلته متململاً علناً عنه،
ورئيس الجمهورية هو المسؤول الأول عن التحالفات المنافية لطبيعة لبنان التاريخية والثقافية المنفتحة على العرب والعالم الحر على السواء، وعن جعلنا معزولين عربياً ودولياً بما لم نعرف له سابقة في تاريخنا، و بالأخصّ عن ذاك التحالف مع حزب الله ، وهو تحالف قاتل لا يفسّره سوى استئثاره بالسلطة وحجب كل منافس له بحجة “هو أو لا أحد” وتعطيل الجمهورية مرّة بعد مرّة بعد مرّة . الجمهورية اللبنانية مفطورة على التعطّل حتى ابتعاده وصهره نهائياً عن السلطة.
الأزمة مستشرية وعميقة، والعزلة على ازدياد، وأي مساعدة دولية باتت مرهونة بنهاية العهد. لا نقبل بتعطيل دستورنا ، وبانتهاك أفضل ما جاء في الطائف ، ولا نقبل بالقطيعة المفروضة علينا بعمقنا العربي وانفتاحنا على الغرب، كما لا نقبل بانتهاكه قرارات القانون الدولي التي تحمي سيادتنا.
هذا البيان بدايةٌ لمقاطعته شعبياً وسياساً ودولياً، وضعناه من صميم قناعاتنا رغم خطر القمع الملازم للعهد. يليه توسيع حلقة الادانة ، مارونياً ومسيحياً ولبنانياً وعربياً ودولياً ، الهادفة لتنحيته. فان تنحى جراءه صحّ الصحيح، وان لم يتنحّ نستمرّ في المقاومة اللاعنفية المميّزة للثورة البهيّة التي نعيشها.
البيان الثاني بيان قريب ، يأتي من اللبنانيين جميعاً، ويمثل مرحلة من تحرّك سلميّ نشارك اللبنانيين و نوافيهم بتطوراته ومساره في حينه.
الجوع حالّ في لبنان، كما جليّ انهيار المؤسسات الرسمية والخاصة، وبأس الناس وبؤسهم لا يحتمل الانتظار لحظة ، فكيف بالانتظار عامين ونصف، والرجل لا يزال يهدّد الكيان الجمهوري بسلالته العائلية خلفاً له.
وماذا بعد؟ بعودة إلى مارونيتنا إنّ بياننا هذا مرحلي. نحن مسؤولون أمام الله وأمام أنفسنا وأمام المجتمع أمانة للوطن. إن التاريخ لا يرحم الفاشلين والمتسلطين والجهلة الذين يتسلمون أمانات الأوطان، كما لا يرحم من سكت وتقاعس وقصّر في تصدّيه جهاراً لأمر الواقع المتردّي المرير.الجنرال ميشال عون هو المسؤول الأول عن انهيار الرئاسة مارونياً ووطنياً. عليه أن يرحل.
وهنا لائحة الموقّعات والموقّعين على البيان (بصفة شخصية، أية إشارة الى مؤسسة لا تُلزم المؤسسة):
شكري صادر، رجل قانون، رئيس مجلس الشورى سابقاً
فارس سعيد، طبيب، سياسي
ندى صالح عنيد، كاتبة
شبلي ملّاط، محامٍ وأستاذ حقوق
خليل حتّي، أستاذ متقاعد، ستراسبورغ
طنوس معوض، عميد متقاعد، مدير شركة دراسات الشرق الأوسط
ريتا شدياق، طبيبة
سيرجيو جليل، رجل أعمال، مدير معهد الدراسات اللبنانية، بوينس ايرس
ساشا أبو خليل، فنان تشكيلي
بولس دويهي، مهندس معماري
مارينا أرياجي، أخصائية علاقات عامة
عبير ضعيف، سيدة أعمال
شوقي عازوري، طبيب نفسي
مالك أبي نادر، رجل أعمال
جويل أبي راشد، طبيبة وباحثة ، باريس
أسعد رفائيل، رجل أعمال
ريشار شمعون، محامٍ
نايلا عساف، إعلامية
عبدو جميل غصّوب، محامٍ وأستاذ حقوق
سيمون نصار، صحافي، غرونوبل
جان بيار فرنجية، ناشط
جورج نصار، مهندس معماري
إيلي الحاج، كاتب، صحفي
ندى غصن ، مترجمة، باريس
سميرة حلو حلو، أخصائية تغذية، بوغوتا
فيليب جبر، رجل أعمال.
المدن