خاص _ المركزية
إستغربت مصادر مصرفية واسعة الإطلاع ما جاء على لسان رئيس الحكومة حسان دياب من اتهامات لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة في شأن ما وصفه دياب ب “تصرف مريب لحاكم مصرف لبنان في ما يتعلق بتدهور سعر صرف الليرة اللبنانية”، متسائلة: هل يجوز أن يصدر عن رئيس حكومة مثل هذا الكلام الذي يدل إما الى عدم متابعة للوقائع اليومية لما يشهده لبنان، أو عن تعمّد في تحوير الوقائع والحقائق لأغراض سياسية؟ وهل المعالجات الإقتصادية والإنقاذ المالي يكون بالتعاطي مع وقائع أو مع أمور مختلقة لا تمس الى ما يجري بصلة؟
وذكّرت المصادر بأن حاكم مصرف لبنان بدأ باتخاذ إجراءاته المعلنة للوقوف في وجه محاولات التلاعب بسعر صرف الدولار في لبنان منذ الصيف الماضي، عندما تحرك بحزم بعدما اكتشف أن الفاتورة النفطية بلغت أكثر من ملياري دولار في الأشهر الستة الأولى من العام الماضي، في حين أنها في العام 2018 كله لم تتجاوز الملياري دولار، ليتبيّن أن السبب في ذلك يعود الى أن قسماً من المستوردات النفطية يذهب الى سوريا حيث يدفع ثمنه التجار السوريون بالدولار الذي يجمعونه من الأسواق اللبنانية بسبب العقوبات المفروضة على سوريا.
يومها، تشير المصادر المصرفية الى أن القيامة قامت على حاكم مصرف لبنان لأنه وضع ضوابط لتجار المحروقات تحمي سعر الصرف بدل تهنئته ومساعدته على ضبط الأمور. فهل حاكم مصرف لبنان هو من يراقب كميات المحروقات المستوردة؟ وهل هو من يسمح بعبور صهاريج المحروقات الى سوريا؟ وهل يملك أجهزة أمنية وعسكرية لملاحقة الصرافين الذين يجمعون الدولار من الأسواق اللبنانية ويبيعونه للتجار السوريين مما يستنزف الإقتصاد اللبناني واحتياطات مصرف لبنان؟ وأين كانت الحكومة وأجهزتها الرقابية الأمنية والعسكرية والاقتصادية من هذه القضية وماذا فعلت؟
ومع إقفال المصارف على أثر ثورة 17 تشرين 2019، وشح السيولة بالدولار في الأسواق اللبنانية نتيجة للسحوبات التي يفترض بالحكومة اللبنانية من خلال أجهزتها أن تعرف الجهات التي تولت القيام بها بمئات ملايين الدولارات معظمها من الصرافات الآلية لفروع المصارف المنتشرة في مناطق معينة من لبنان، بدأ الصرافون يتداولون بالدولار صعودا الى أن تجاوز عتبتة ال 2000 ليرة… يومها ألم يستدعِ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة نقابة الصيارفة ويبلغهم بضرورة ألا يتم التداول بالدولار بأكثر من 2000 ليرة كحد أقصى، في وقت بقي يؤمن الدولار للمصارف بالسعر الرسمي؟ فما الذي فعلته الحكومة على أرض الواقع لضبط الصرافين؟ وما الذي فعلته سياسياً لتخفيف الاحتقان في الشارع وتعطيل الحياة والدورة الاقتصادية وهو ما ينعكس بطبيعة الحال على الاستقرار الأمني الذي ينعكس بدوره على سعر صرف الدولار؟
وكرر حاكم مصرف لبنان في ظل الشلل الحكومي مطالبة السلطات السياسية باتخاذ الإجراءات المطلوبة منها وفقا لمسؤولياتها وصلاحياتها من أجل إيجاد حل سياسي، من دون نتيجة، فعاود التأكيد على نقابة الصيارفة وجوب الالتزام بسعر ال 2000 ليرة كحد أقصى في وقت أبقى على السعر الرسمي في التداول بين المصارف ولتأمين استيراد المواد الحيوية، على أمل أن يضمن السياسيون حلاً سياسياً يسمح له بالتدخل في الأسواق لإعادة السعر الموازي تدريجيا لملاقاة السعر الرسمي.
وعلى الرغم من تشكيل الحكومة ونيلها الثقة فإنها لم تتخذ أي إجراء عملي من شأنه إراحة الأجواء السياسية، لا بل أن وزير المال غازي وزني أدلى بتصريح في 22 كانون الثاني قال فيه إنه من المستحيل أن يعود سعر الدولار الى ما كان عليه، فقفز الدولار نتيجة لهذا التصريح الى 2500 ليرة.
وجاء بعد ذلك قرار الحكومة بالامتناع عن تسديد ديونها، من دون أي تفاهم او اتفاق مع الدائنين، ومن دون أي خطة لمعالجة ذلك… فما الذي تتوقعه الحكومة من انعكاسات لمثل هذا القرار على سعر صرف الدولار؟ وهل يمكن لمصرف مركزي في العالم تعلن حكومته عجزها عن تسديد ديونها أن يضبط سعر صرف العملة الوطنية؟
وزادت الأزمة تأزماً مع انتشار وباء “كورونا”، وتخبط الحكومة في مشاريعها. تارة “كابيتال كونترول” وتارة لا… تارة “هيركات” وتارة لا!!! فماذا يمكن لأي مصرف مركزي في العالم أن يفعل إزاء مثل هذا التخبط السياسي للحكومة؟
ومع ذلك، حاول المصرف المركزي ضبط سعر صرف الدولار عند حدود 2600 ليرة من خلال التعميم الذي أصدره في شأن صغار المودعين… لكن الحكومة ردت بالإعلان عن خطتها الإنقاذية التي تتضمن تحرير سعر صرف الدولار، وتخفيض الفوائد، مع توقع أن يصل الدولار الى حدود 3000 ليرة بحلول العام 2021 و 4000 ليرة بحلول العام 2022!
فكيف لحاكم مصرف مركزي في العالم أن يوقف القفزات في سعر صرف الدولار مقابل عملته عندما تعلن حكومته أنها في صدد تدابير تجعل من سعره 4000 ليرة خلال سنتين؟ وما الذي يمكن توقعه من ردة فعل الأسواق حيال مثل هذه الخطة؟ هل تنتظر الأسواق سنتين لبلوغ ال 4000 ليرة؟
وعلى الرغم من كل ذلك، فشلت الحكومة في إجراء التعيينات المالية في مصرف لبنان والهيئات الرقابية، واختلفت مكوناتها السياسية والحزبية في شأن حصصها فيها، في وقت تستدعي بداية الحلول الحد الأدنى من الثقة بالمؤسسات… فازداد التشكيك بقدرة لبنان وتعرضت الثقة بالقطاع المصرفي لمزيد من التهشيم. فهل رياض سلامة يتحمل مسؤولية ذلك؟ وما الذي يمكن لأي حاكم مصرف مركزي أن يفعله في العالم لضبط سعر صرف عملته في ظل هكذا حكومة وهكذا إداء؟
خلال كل هذه المراحل، لم تستطع الحكومة إيجاد الرأس المدبر للمضاربات التي تشهدها الأسواق!!! علماً أن القائمين بهذه المضاربات يملكون بنية تحتية الكترونية متقدمة يستخدمونها لإدارة شبكاتهم على الأراضي اللبنانية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وعبر شبكات الإنترنت! فهل سمع أحد بقرار حكومي باستدعاء أحد من هؤلاء أمام مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية مثلاً؟ في وقت كان وزراء الحكومة والسياسيون الذين يقفون وراءهم ينشطون في طلب استدعاء أي مواطن يعارضهم أو ينتقدهم عبر هذه الوسائل!!!
في المقابل، وعندما تبيّن لحاكم مصرف لبنان، عدم قدرة الحكومة أو عدم رغبتها، في وضع حد لأعمال المضاربة غير المشروعة، عمد من ضمن صلاحياته “بتأمين تسيير المرفق العام” الى إصدار تعاميم من شأنها منع الصرافين من الحصول على الدولار لوقف المضاربات… فعمّم على شركات تحويل الاموال ضرورة دفع الاموال المحولة بالعملات الأجنبية الى اصحابها بسعر صرف السوق يوم التسليم… وكذلك فعل بالنسبة الى أصحاب الودائع بالعملات الأجنبية في المصارف، بما يضمن للمواطن الحصول على حقه بدون خسائر تذكر، ولمصرف لبنان تعزيز احتياطه بالعملات الأجنبية، وبما يقطع الطريق على حصول الصيارفة على الدولارات المحولة الى لبنان او المسحوبة من المصارف لاستخدامها في المضاربة… فماذا كان رد الحكومة؟
بكل أسف، تقول المصادر المصرفية، جاء رد الحكومة حملة على حاكم مصرف لبنان، بدل أن تقوم بحملة على المضاربين! وكانت حملة لإقالته بدل قيامها بحملة لاعتقال المضاربين! وكانت دعوات لمحاسبته على سياساته بدل أن تحاسب الحكومة نفسها على غياب سياساتها! وكانت مطالبة لحاكم مصرف لبنان بأن يخبر الناس بالحقيقة في شأن سعر صرف الدولار، بدل أن تكون للحكومة جرأة قول الحقيقة الفعلية بنفسها وهي حقيقة تدينها وتدين من يقف وراءها ولا تدين مصرف لبنان والقطاع المصرفي!
وتختم المصادر المصرفية: هل يكفي ما سبقت الإشارة إليه لمعرفة ما قام به حاكم مصرف لبنان لضبط سعر صرف الدولار؟ أم أن الحكومة تريد المزيد؟ اما بالنسبة الى باقي الاتهامات…فللبحث تتمة”.
حكايةُ قبر أُمّي..
كانت والدتي رحمها الله تقولُ لنا في سهراتنا الطويلة : ” إدفنوني بين أهلي لأنني آنَسُ بهم .. فَلَكَمْ أبصرتُ مقبرةَ قريتنا في شبعا بعدَ ذوبان ثلج حرمون تنقلبُ حديقةً غنّاءَ ، تَنْبُتُ في ثناياها أشجارُ الجوز والحور والبيلسان .. وزهر الياسمين . أوصتني أمي وأنا بعد صغيرة فقالت :” لا تدفنوني بعيداً عن أهلي
Read More