مفاجأة السنيورة:لعدم سداد الديون بشرط وجود خطة والإستعانة بصندوق النقد

على دياب أن يطلب اليوم قبل الغد من الصندوق العربي حلا دائماً لمشكلة الكهرباء… ورفع التعرفة على الميسورين لإعطاء رسالة إيجابية للأسواق
وكأن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، وزير المالية الدائم في حكومات الرئيس رفيق الحريري منذ العام 1992، يُريد أن يُخرج حكومة حسان دياب من أي تردّد حول السؤال المحوري شاغل الناس أجمعين: هل يدفع لبنان أو لا يدفع استحقاق „سندات اليوروبوند” في الثامن من آذار المقبل؟
ففي دردشة مع عدد محدود من وسائل الإعلام، أتاه السؤال: لو كنت اليوم وزيراً للمال، بماذا تنصح رئيس الحكومة الحالي؟ فكان الجواب من دون تردّد، وبكل وضوح: „لو كنتُ وزيراً للمال لقررتُ السير بعدم الدفع (سندات اليوروبوندز) ولكن في إطار خطة واضحة ليصار على أساسها التفاهم مع الدائنين على الجدولة. غير أنه نكون نرتكب جريمة إذا لم تكن هناك خطة زمنية واضحة المعالم ومحددة النقاط حول إجراءاتٍ إصلاحية صارمة، نلتزم بها لندلل على أننا نسير في الطريق الصحيح، وقادرون على الإيفاء مستقبلاً.
برأي السنيورة أن هناك ما يمكن القيام به اليوم. فـ”لو كان مكان دياب لوضع يده على ملف الكهرباء الآن. واتصل فوراً برئيس مجلس الإدارة والمدير العام للصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي عبد اللطيف الحمد طلباً للمساعدة في حل دائم لمشكلة الكهرباء”. لماذا الحمد تحديداً؟ لأنه كان عرض أن تقوم الكويت بهذا الأمر عام 2010، ويومها تعامل الوزير جبران باسيل بكثير من التعالي رافضاً العرض، مُجيباً الحمد: „في جيبي 1.2 مليار دولار”.ولا يتوقف هنا. بل يُتابع: „يجب إعادة النظر بتعرفة الكهرباء، ورفع الدعم عمَّن هم من غير ذوي الدخل المحدود (لمن يستهلك فوق 500 كيلوواط) فهذا يعطي رسالة إيجابية للأسواق.
فعلى رغم الصورة القاتمة مالياً- نقدياً واقتصادياً، فإن السنيورة يُبدي اقتناعاً بأن „ما من شيء إلا وله حل”، لكن المشكلة ستكون في كلفة هذا الحل ونتائجه وتداعياته. يقول: „هناك مثل بيروتي يقول „اللي من إيدك بيكيدك”. فما كنت أطرحه سابقاً كوزير للمال من إصلاحات يُشبه الطروحات الإصلاحية اليوم. ومَن كان يرفضهاآنذاك يريدها اليوم، فهم الذين أوصلوا البلد إلى ما وصل اليه، وجدران المجلس النيابي لو تكلمت لأفصحت عن الكثير”.
كان الوضع أشبه بسيارة „فولز فاغن” تريد أن تقطر شاحنة. وهي معادلة لا تستقيم. كنا نحمِّل الخزينة أعباءً لا يمكن أن تتحمّلها،ونُؤخِّر المشكلة الى أن انفجرت. وما جرى أنه بسبب مسارعدم القيام بالإصلاحات والشراهةبالإنفاق بدون أية ضوابط والمعالجات الخاطئة، وصلنا إلى المحظور. ونسمع من يُحمّلون المسؤولية للسياسات الحريرية المالية لثلاثين سنة خلت، يتغاضون عن أن 12 سنة منها كانوا هُم مسؤولين عنها.
المهم اليوم أن يتم „النظر بدقة إلى الوضع الحالي وتكوين رؤية صحيحة حول المشكلات الكبيرة وما يجب أن يُصار للقيام به، والذهاب إلى درس كل خيار وتداعياته من خلال عمل الحكومة مع مصرف لبنان وخبراء ماليين وقانونيين والتعاون مع صندوق النقد، الذي تعامل مع مشكلات مماثلة ولديه خزين من التجارب الدولية، وقدَّم أفضل التطبيقات حسب طبيعة كل بلد. والأهم ألاَّ تتمّ شيطنة صندوق النقد، فهو يقدم اقتراحات وتتخذالدولة القرار المناسب. لكن أهمية „الصندوق” تعود إلى أنه لا يُقرض فقط، بل يمنح ختم الصدقية، ولا سيما في بلد انحسرت فيه الصدقية، ولا توجد فيه مرجعية حقيقية.
في العام الماضي، أرسل السنيورة رسالة إلى رئيس الجمهورية أرفقها بمشاريع إصلاحية سبق له أن قدَّمها بغية أن يستأنس بها الرئيس، وهو استهل رسالته بعبارة بخط عريض مفادها أن „الإصلاح أمرٌ تقوم به الأمم عندما تكون مقتنعة به وقادرة عليه وليس مُجبرة عليه. فحين تُجبر عليه، تصبح الكلفة مرتفعة جداً والحلول أكثر وجعاً وإيلاماً”. هذا هو حال لبنان الآن، كمريض يعاني اشتراكاتٍ ويحتاج إلى مجموعة أدوية مالية ونقدية وإدارية وقطاعية وكلها غير كافية، إذ لا بد من أن تترافق مع الدواء الأهم وهو الدواء السياسي، لأن هناك „انحساراً كاملاً في الثقة بين المواطنين والدولة، وبين لبنان والمجتمعيْن العربي والدولي، وهو ما يحتاج إلى علاج يُسمّى „إعادة تصويب البوصلة” في علاقة لبنان مع الدول العربية والمجتمع الدولي. ويجب إعادة الاعتبار للمبادئ الأساسية، للدستورالذي تحوَّل الى خرقة، وإلى الطائف، وإلى الدولة وسلطتها، في مواجهة تسلّط الدويلات على الدولة والاستمرار بسياسة المحاصصة، ما جعل الدولة جثة على الطاولة يتقاسمها الجميع في الإدارات والوزارات.
يستعين بآية من سورة يُوسف „الآن حصحص الحق” (استحق الحق)، لكنه يرى أن ثمة استمراراً بالتجهيل. فبالأمس كان أمين عام „حزب الله” السيد حسن نصرالله يدعو لأن نفصل السياسة عن الاقتصاد. كيف…وكل ما بين أيدينا قد „فَرَط”؟النظام المصرفي الذي بقينا 70 سنة نبني فيه والذي يقوم على الثقة تمّ ضربه. ويذهب إلى القول: „إن أول خطوات العلاج هي الاعتراف بالمرض، والإقرار بوجوب الذهاب إلى الطبيب، والالتزام بالدواء والإيمان به لحل المشكلة. يمكننا ألا نعترف بالمرض وألا نذهب إلى الطبيب وألاَ نأخذ الدواء، ولكن هذا معناه أننا ذاهبون إلى الهلاك. وإذا أردنا العلاج، فالأدوية معروفة في الحقول الأربعة وفوقها في الحقل السياسي كي نسترجع الثقة. يُقدّم مثالاً على سياسة عدم الانخراط في مسار الإصلاح ورمي الكرة إلى الأمام والمكايدة والشعبوية، أنه يوم تَسلّم وزارة المالية في العام 1992، كان الدين العام 3 مليارات دولار، واليوم أضحت فوائده43 ملياراً من مجمل الدين العام، فيما تمويل عجز الكهرباء يوازي أيضاً 45 مليار دولار.
وتسأله ما إذا كان مقتنعاً بأن حكومة دياب قادرة على الإتيان بمساعدات، ولاسيما أنه قال إنه يريد القيام بجولة عربية يبدأها من المملكة العربية السعودية. يجيب السنيورة بوضوح: „لا، لست مقتنعاً”. ووفق قراءته فإن الأمور غير سالكة بعد مع المملكة. هو يريد أن تنجح الحكومة، لكن تركيبتها لم تُعبّر عن ثقة، ذلك أنها وُلدت بملابسات وشُكلت بملابسات وجاءت بمكونات ملتبسة ومقنعة.
ولعل المسألة المضيئة لديه أننا الآن أمام مرحلة جديدة قوامها انتهاء التسوية الرئاسية التي كان معارضاً لها، وزادت سوءًا بعدما استُخدمت من قبل „التيار الوطني الحر” لانتزاع مزيد من التنازلات. وهو يعتبر أن حكومات „الوحدة الوطنية” التي سار عليها لبنان قد فشلت، إذ إنها أطاحت بالخط الفاصل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وأصبحت الموالاة والمعارضة جسماً واحداً. أما اليوم ومع وجود معارضة قوية، فإن عمل الحكومة يستقيم أكثر وتستقيم معه العملية الديموقراطية.
يُعبر عن قناعته بأنه لا بدّ من عودة أركان قوى „14 آذار” سابقاً إلى تشكيل جبهة سياسية معارضة، ومن أن تُطوِّر كل هذه المجموعات – التي هي مع المبادئ الدستورية – رؤية أشمل وأوسع من سلوك طريق التكتيكات السياسية أو الخوص في الزواريب والأزقة في مقابل المجموعات التي سخّرت البلد لخدمة أجندات إقليمية، والتي تلبس رداء القضية الفلسطينية.
أما إلى أين، خصوصاً مع الدعوات إلى إسقاط رئيس الجمهورية؟ يختم السنيورة: „الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات. ما هو مُتيقّن منه، أنَّ مَن سيحل مشاكل اللبنانيين سيبقى… ومن لا يحلّها لن يبقى!”.

المصدر- اللواء

لمشاركة الرابط: