معراب_عاطف البعلبكي
اللقاء مع رئيس القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع في مقره معراب ، كل مرة يحمل ما هو جديد ، يصوغه هذا الرجل بهدوء وسلاسة ولكن هذا لا يعني بأنه متساهل مع الخصم بل عنيد صلب في اتخاذ المواقف ، يعتبر أنه قدم الكثير من التنازلات في سبيل تجاوز الأزمة الحالية وتشكيل حكومة العهد الجديد الذي جاء الى الحكم بإتفاق معراب الذي سهل وصول رئيس الجمهورية ميشال عون الى قصر بعبدا مقابل تفاهم على توزيع المقاعد الوزارية حين تأليف الحكومة .
ويشير الدكتور جعجع الى أن الأساس اليوم هو تأليف الحكومة بأسرع وقت ممكن، موضحا أنه من دونها لا عمل في البلد، مؤكدا أن لا أحد يستطيع تحجيم القوات بعد الإنتخابات النيابية، “وقد عدنا الى المربع الأول في ملف تشكيل الحكومة والمفاوضات حولها، ونحن اليوم نريد ثلث تمثيل المسيحيين فيها كما حصلنا على الثلث في الإنتخابات النيابية، و من حقنا الحصول على 5 وزراء من أصل 15 في حكومة ثلاثينية “.
حصة القوات في الحكومة العتيدة من حقنا
ويوضح رئيس القوات اللبنانيّة خلال لقائه رابطة خريجي الإعلام أنه يؤيد أي معيار يتمّ وضعه بملف التأليف الحكومي شرط الإلتزام به وتطبيقه على الجميع ، مشيرا الى أن العديد من اللوائح التي خاضت الإنتخابات ، خاضتها تحت عنوان “لوائح العهد”، وأفرزت هذه الإنتخابات نتائج واضحة ، وقد نال التيار الوطني الحر 19 نائبا بأفضل الحسابات، والباقي للعهد ما يصل مجموعه الى 28 نائبا، وإذا أخذنا معيار 4 وزراء لكل فريق تحصل القوات اللبنانيّة على 4 وزارات مقابل 5 وزراء للتيار الوطني الحر ووزيرين لرئيس الجمهورية ، أي ما مجموعه 7 وزراء للتيار والعهد ، لأنه لا يمكن احتساب عدد النواب مرّتين، ونحن مع إعطاء 8 وزراء للتيار والعهد و4 للقوات، يبقى 3 وزراء ، 1 للمردة وآخر للكتائب والثالث من حصّة القوات التي تمثل وفق الاحصاءات لوحدها ثلث المسيحيين ، مقابل 51 بالمئة للفريق الآخر.
يضيف جعجع “لا نريد بخشيشا بالحكومة كما لا نريد أن يأخذ أحد منا وزراءنا”.
قدمنا تنازلات من حصتنا
وذكر جعجع خلال الحوار مرحلة التفاوض على الحكومة قبل تقديم رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري صيغته الحكوميّة الاولى الى الرئيس ميشال عون ، مشيرا الى ان “الشيخ سعد ما في إلاّ على خالتو” (القوات)، وتابع أنه حين تباحثنا في الملف الحكومي قال لنا أن “الوضع لا يحمُل ويجب تقديم التنازلات “ونحن قدّمنا العديد منها بعد أن كنا نطالب بـ5 وزارات، واعتبرنا أن من غير المنطق أن 51 بالمئة من المسيحيين يأخذون المواقع الأساسيّة الثلاثة، نائب رئيس الحكومة ووزارتين سياديتين، الا أنه مع ضغوطات الرئيس الحريري المتكرّرة وافقنا على 4 حقائب ، واحدة سياديّة و3 وازنة. وقد بذل رئيس الحكومة المكلّف جهدا لنحصل على وزارة الدفاع ولم يعترض أحد على عكس بعض الإدعاءات.
وتحدّث جعجع عن جولة المفاوضات الثانية وقال “عرض علينا الرئيس الحريري 4 وزارات خدماتية وازنة بلا سياديّة، وقد قدمنا تنازلا جديدا وعلى اثر ذلك قدم صيغته الحكوميّة الى الرئيس عون، الا أنه تم رفضها أيضا، وبعد كل هذه المعطيات نسأل عن المُعطّل الرئيسي لتشكيل الحكومة”؟. لافتا الى أن العقبة الرئيسية للتشكيل هي التمثيل المسيحي، واذا حُلَّت من السهل بعدها حل العقدة الدرزية التي تأتي في المرتبة الثانية، وأضاف قائلا ” شعارنا اليوم ثابت ولن نقبل أن يعيدونا الى ما قبل الإنتخابات، او أن يؤخَذَ منا ما حصلنا عليه فيها”.
باسيل يسعى لحجز الثلث المعطل في الحكومة
وردا على سؤال حول سبب عدم التواصل المباشر بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانيّة لحل المعضلة الحكومية، قال “وزير الخارجيّة في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل لا يريد التواصل المباشر”، موضحا أنه حين زار الرئيس عون في الأسابيع الماضية تمت مناقشة كل الملفات وقد طلب الرئيس التواصل مع باسيل، وعلى اثر ذلك أوفدت وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال ملحم الرياشي للقائه وقد حصل اللقاء بعد يومين وكان سلبيًّا، ولانستطيع فرض الموضوع بالقوّة”.
واعتبر رئيس حزب القوّات أن “الوجود خارج الحكومة لأي فريق سياسي في الفترة الحالية مكسب بسبب الأوضاع الراهنة في البلد، ولكن لا أرى حاليا حكومة من دوننا رغم عمل البعض على هذا الخيار، الا أنه لا يمكن تحقيقه” متّهمًا باسيل بالسعي للحصول على الثلث المعطل في الحكومة “لكن العهد ليس بحاجة اليه ، ومن الممكن أن يكون سعي رئيس التيار الوطني الحر للموضوع تحسبا لطارئ ما على صعيد ملفّ رئاسة الجمهورية في المستقبل”
وأشار الى أنه لا يرى أي تدخّل خارجي في ملف عرقلة التأليف، ونفى وجود أيد سعودية أو إيرانية في ملف التأليف.
ولفت الى وجود تفاهم مع التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل ينقسم الى قسمين: شق سياسي وآخر يتعلق بالمشاركة في السلطة والمناصفة بين التنظيمين، معتبرا أن باسيل تنصل من الإتفاق بحجة أننا ضد العهد، ومع تشكيل الحكومة تمّ التنصل من اتفاق معراب وقد وضع جانبا اليوم بشكل موقّت.
ملف البواخر وتهمة محاربة العهد
أضاف جعجع “السؤال اليوم أين كنا ضد العهد ؟ مؤكدا أنه في ملف البواخر يجب إخراج الرئاسة منه ، مشددا على أن الرئيس ميشال عون حريص أكثر منا على العلاقة الثنائية، وأضاف أنه في ملف البواخر “طرحنا نقل الموضوع الى دائرة المناقصات منذ البداية ، وقد بحثنا الموضوع مع التيار الوطني قبل حوالي 6 اشهر من عرضه على مجلس الوزراء، لأننا كنا ضد الطريقة التي عرض بها الملف ، وقد اكتشفنا أن معامل البرّ أقل كلفة من البواخر، والحلّ اليوم هو الأخذ بتوصيات رئيس دائرة المناقصات جان العليّة المعروف بتوجهاته السياسية، وقد حارب الرئيس عون من أجل تعيينه، مع الأخذ أيضا بعين الإعتبار أننا لسنا الوحيدين الذين وقفنا ضد البواخر، بل إن حليف التيار “حزب الله” إعترض عليها أيضا، مع الإشارة الى أنه في المواقف الإستراتيجية كانت القوات الداعم الأبرز للعهد منذ البداية عبر التصويت للرئيس عون، وفي ملفات النازحين واستعادة الجنسية وقانون الإنتخابات وبعض المواقف الإستراتيجية”.
واعتبر جعجع أن المشكلة الأبرز اليوم وجود من يريد أن يأخذ حصة أكبر من حجمه ويقزّم حجم الاخرين.
بين عون وفرنجية
ويضيف جعجع أن القوات هي من جاءت بالرئيس عون الى موقع رئاسة الجمهورية، لأنه حين أيّدته كان أبعد ما يكون عنها، “ولو لم نفعل لكان رئيس تيار المردة سليمان فرنجيّة رئيسا خلال أسبوعين أو 3 على الأكثر بعد التسوية الفرنسية – السعودية عليه، وبعد الدعم الذي تلقّاه من رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ، ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ، كما ان الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون إتصل به مهنئا بالرئاسة”.
وشدد على أن الحديث عن معركة الرئاسة المقبلة هي فرضيات لا صحّة لها، لأنه من الأفضل اليوم حلّ ازمة السير وأقساط المدارس والكهرباء وغيرها من الملفّات الشائكة.
وحول ملفّ الجلسة التشريعية، رأى جعجع ان الموضوع بحاجة الى المزيد من الدرس والتشاور مع الحلفاء لا سيما تيار المستقبل ، وأكّد أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري يمثل القوات في هيئة مكتب المجلس.
ويؤكد جعجع أن القوات مستهدفة مثلما كانت أيام الوصاية السورية، غير أنه ليس هناك من وصاية حاليا “ونحن مستهدفون من قبل شخص أو مجموعة أشخاص، وفي المقابل نحن منفتحون على غالبية الفرقاء في لبنان، فعلاقتنا بتيار المستقبل والاشتراكي بأفضل ما يكون ومع الرئيس بري أكثر من مقبولة، كما أنها مقبولة مع تيار المردة وفي تحسن مستقبلاً، ومع الكتائب اقل ما يمكن القول عنها أنها عادية “.
وفي ما خص حزب الله ، يضيف الدكتور جعجع ” هناك تقاطع في بعض الملفّات الداخلية، ومنها ملفّ الفساد الا أن الخلاف مع الحزب إستراتيجي بعيد المدى، ونحن نستطيع التفاهم مع باسيل وحلّ كل الخلافات خلال ساعة لأنه لا خلافات إستراتيجية على القضايا الرئيسيّة، بعكس الحال مع حزب الله فالوضع أصعب من ذلك بكثير ” . واعتبر أن لبنان وطن نهائي للجميع، ويجب ألاّ يكون هناك أجندات أخرى وهذا هو الأساس.
المحكمة الدولية
وفي ملف المحكمة الدولية في لبنان، يشير رئيس القوات أن الرئيس سعد الحريري قام بخطوات كبيرة وكان مرنّا في هذا المجال، كما أن المحكمة ليست ليست مزحة كي نتّهمها بأنها إسرائيلية ، وهناك 120 دولة ساهمت في تشكيلها مع وجود قضاة من 15 دولة. واعتبر أنه من غير المنطقي تسمية شارع بإسم القيادي في حزب الله مصطفى بدر الدين . مطالبًا الحزب بإتخاذ موقف مماثل لموقف الحريري الكبير في هذه القضية.
ويشدد جعجع على أن ملف المحكمة الدولية ليس هامشيا ، لأن هناك 70 بالمئة من اللبنانيين وفق الإحصاءات معها، ويجب اخذ الموضوع بعين الإعتبار لوجود 20 إغتيال ومحاولة إغتيال حصلت في لبنان، والأمور على وضعها الحالي ليست مقبولة ، وعلى الطرف المعني (اي حزب الله) أخذ مبادرة في هذا الإتجاه.
الأسد لن يبقى
وعلى صعيد الملفّ السوري، يعتقد جعجع الرئيس السوري بشار الأسد لن يبقى في سدّة الحكم، وأكبر دليل على ذلك انعقاد قّمتين في الفترة الأخيرة في سوتشي وإيران بغيابه ، مما يعني أنه خارج المعادلة السياسيّة ، كما أنه لم ينتهِ أيّ شيء في سوريا الى الآن، بسبب التواجد التركي على طول الحدود الشمالية والتواجد الأميركي– الكردي شرق الفرات، والموضوع بحاجة الى حلّ سياسي شامل يخرج على أثره الجميع من سوريا.
وردا على سؤال حول العلاقات مع دمشق، يؤكد أن مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم يقوم بما يلزم في الموضوع لحلّ الملفات العالقة بين البلدين، ونحن ضد التواصل المباشر مع الحكومة السورية. وشدد على ضرورة حلّ ملف النازحين بطرق أخرى، لأن نسبة الولادات من السوريين ستغطي فارق عودة السوريين الى بلادهم وقد تصل هذه النسبة الى 3000 طفل مقابل عودة المئات الى سوريا شهريا، ما يعني أن عدد السوريين الى ازدياد وليس الى تراجع. وقال “الأسد لا يريد عودة النازحين بسبب الملف الديمغرافي في سوريا “.
ويختم جعجع بالتأكيد على عدم وجود خوف على الليرة اللبنانية، متحدثا عن خيارات القوات الإستراتيجية في المرحلة المقبلة، والتي تركز على الملف الاقتصادي وعلى رأسها حلّ ازمة الكهرباء خلال ستة اشهر، مما يوفر على الخزينة ملياري دولار أميركي. وعتبر أنه حتى الساعة لا يوجد أيّ علامة استفهام حول ملفّ النفط وهو محصّن، والمهم أن نقوم بما علينا في هذا الموضوع بعيدا عن التهويل بالإسرائيلي الذي يتخبّط في هذا القطاع.