من حصاد الزيارة الأخيرة إلى لبنان … “مجدرة حمرا”!

لن يكون المشاهد أسير قصة و حبكة و نهاية في مسرحية ” مجدرة حمرا” المونودرامية التي تعرض منذ سبع سنوات على مسرح مونو في بيروت، بل أمام لوحات متتالية بديكور متقشف عَوّضَ عنه الحضور الآسر للممثلة القديرة أنجو ريحان والنص الرائع للمخرج يحيى جابر. فالمتفرج يجد نفسه مباشرة في صلب إهتمام ثلاث أخوات ، فطم الأرملة التي تطمح للزواج رغم معارضة أولادها ومريم المطلقة المقيمة ما بين مدينة النبطية وباريس، و ما يعنيه ذلك من إلتباس في الهوية و الإنتماء ، وسعاد الشخصية الرئيسية التي تحاول الإحتفاظ بزوجها رغم المعاناة، و التي تضبط مسار المشاهد لتصب جميعا في تظهير بناء درامي مؤثر. أبدعت الممثلة القديرة أنجو ريحان في تأدية ادوارها ببراعة، إذ استطاعت أن تنسل من شخصية إلى أخرى بسلاسة آسرة، لم تعتمد فيها على مؤثرات خارجية بل أستندت على إنبعاث المشاعر لكل شخصية بإبداع من الداخل إلى الخارج.


من الواضح أن المخرج يحيى جابر قد أصاب نجاحا، قل نظيره ،رغم الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان، فهو الوحيد في العالم العربي الذي عرض مسرحيتين في نفس الوقت. مواضيع مسرحياته التي تنهل من بيئات شعبية منغلقة و منمطة و متماهية مع خطوط تماس الإصطفاف السياسي و الطائفي، تعتبر عصية على الجهر و “الفضفضة” و البوح بمكنونانت كل منها ، و إذ ينقل الكاتب / المخرج المألوف و الإشكاليات الخاصة بالجماعة إلى الحيز العام ، معتمدا على العادات و التراث يهدف لإسقاطها على الحاضر كمحاولة لفهمه، ليدهشنا بأسلوبه السهل الممتنع و بلغته المحكية الجميلة، و ما التفاعل مع الجمهور أحيانا سوى انعكاس لمدى ارتباط ما يقدم بحيواتهم ، و لشجاعته المعتمدة على الصدق و الشفافية دون انحياز لمكون على اخر . فمن ألف استهدف و من كتب إنحاز .


تشكل هذه المسرحية جزءا من مهمة أخذها  الكاتب و الشاعر و الروائي و المخرج يحيى جابر على عاتقه لتشريح المجتمع اللبناني، ناهلا من الواقع و الإرث الشفوي الذي هو صوت الناس. و تندرج أيضا في سلسلة مسرحيات متنوعة تضيء على التنوع في المجتمع اللبناني ،إذ رافقتها أو سبقتها مسرحيات تتعلق بالوسط السني ببيروت …طريق الجديدة، و المسيحي من كفرشيما للمدفون، و المناطقي كهايكالو، و شو منلبس ؟ لجموع اليسار و العلمانيين . و كأنه من المؤمنين بمقولة ” يمكننا تغيير العالم … و لكننا لن نغير شيئا إذا لم نفهمه “، آخذا بعين الإعتبار قول بريخت بأن الفن ليس مرآة للواقع بل مطرقة لتشكيله، بإنتاجه الخصب نوعا و كما، حقق يحيى بالتعاون مع أنجو حيثية ثقافية في عالم المسرح في لبنان و العالم العربي. .
ما هو جديد يحيى؟ أو جديد الثنائية الناجحة ليحيى و أنجو مستقبلا بعد استنفادهم تغطية التنوع اللبناني ؟ من يعش و يحيا ير  !

عون جابر * كاتب لبناني مقيم في ديربورن 

لمشاركة الرابط: