“الجمعيات والاتحادات في لبنان: بين الشعارات والتنمية المعطّلة”

في الوقت الذي يعيش فيه لبنان أزمات اقتصادية واجتماعية متراكمة، تبدو الحاجة إلى مؤسسات مجتمع مدني فاعلة أكثر من أي وقت مضى. إلا أن الواقع يكشف عن مشهد مغاير، حيث تنتشر الجمعيات والاتحادات بمختلف أنواعها والنقابات ومجالس الأعمال سواء في المدن أو في القرى وترفع شعارات براقة كدعم الاقتصاد والمجتمع، لكنها في العمق غالبًا ما تتحول إلى كيانات فارغة أو أدوات لحماية مصالح ضيقة. في هذا المقال، نسلّط الضوء على الضرر الذي تسببه هذه الكيانات غير الفعالة، ونرصد تأثير غياب إنتاجيتها على المجتمع اللبناني، مع اقتراح حلول ممكنة لإصلاح هذا الخلل البنيوي.
تنتشر الجمعيات والاتحادات والنقابات ومجالس الأعمال، جميعها ترفع شعارات التنمية، دعم الاقتصاد الوطني، وتمكين المجتمع. ولكن الواقع يثبت أن معظم هذه الكيانات ليست سوى واجهات فارغة تُستخدم لتحقيق مكاسب شخصية أو سياسية، دون أي تأثير حقيقي في عملية التطوير والإصلاح.
أبرز الأضرار التي تسببها هذه الكيانات للمجتمع:
إضاعة الفرص وتعطيل التنمية
هذه الجمعيات والاتحادات غالبًا ما تحتل مواقع يمكن أن تكون فعّالة في النهوض بالمجتمع، لكنها بدلًا من ذلك تستهلك الموارد دون تقديم أي قيمة مضافة. فلو كانت هذه الجهات تقوم بعملها بجدية، لساهمت في خلق فرص عمل، دعم المشاريع الناشئة، وتقديم حلول اقتصادية واجتماعية عملية.
تحالفات مغلقة لحماية المصالح الشخصية والعائلية
إن أغلب هذه الجمعيات والتجمّعات لم تُنشأ بشكل عشوائي، بل بتنسيق فيما بينها للحفاظ على بعضها البعض، ومنع دخول أي شخص فعّال يريد العمل بجد وإحداث تغيير حقيقي. فهذه الكيانات تُدار وكأنها شبكات مغلقة، تمنع أي فرد من كشف فشلها وعدم إنتاجيتها، مما يعزز حالة الجمود والركود.
تعزيز الفساد والمحسوبيات
تُستخدم هذه الاتحادات والجمعيات كأدوات لتعزيز النفوذ السياسي أو المصالح الشخصية، حيث يحصل أعضاؤها على امتيازات ومناصب دون أي استحقاق حقيقي، مما يعزز مناخ الفساد والمحسوبيات ويُضعف ثقة المواطنين بالمؤسسات.
قتل الأمل في التغيير والإصلاح
مع مرور الوقت، فقد اللبنانيون الأمل في أن تكون هذه المؤسسات جزءًا من الحل، لأنهم لم يروا منها سوى الاجتماعات البروتوكولية، والتصريحات الإعلامية الفارغة، دون أي نتائج ملموسة. هذا الشعور بالإحباط يؤدي إلى تراجع المبادرات الفردية، وتزايد الهجرة بحثًا عن بيئات أكثر إنتاجية.
إهدار الموارد المالية والدعم الدولي
تتلقى بعض هذه الجمعيات دعمًا ماليًا سواء من الدولة أو من جهات دولية، ولكن هذه الأموال غالبًا لا تُستثمر في مشاريع مفيدة، بل تُهدر في مصاريف إدارية أو تُستخدم لمصالح خاصة. وهذا يقلل من فرص حصول المجتمع اللبناني على دعم حقيقي يمكن أن يحسن أوضاعه.
خلق بيئة طاردة للمبدعين وأصحاب المبادرات
عندما يجد رواد الأعمال والمبادرون أن هذه الجمعيات لا تقدم لهم أي دعم حقيقي، بل تعيق عملهم أحيانًا عبر البيروقراطية أو المصالح الضيقة، فإنهم يتجهون إما للعمل خارج هذه الأطر أو الهجرة، مما يضعف فرص بناء اقتصاد وطني قوي ومستدام.
يمكن إصلاح الوضع عبر الخطوات التالية:
• إعادة هيكلة هذه الكيانات بحيث تُربط فعاليتها بمعايير واضحة وقابلة للقياس.
• فرض رقابة حقيقية على أنشطتها وتمويلها لضمان عدم تحولها إلى واجهات فساد.
• تشجيع المبادرات المستقلة التي تحقق نتائج ملموسة، بدلًا من دعم كيانات غير منتجة.
• إلزام الجمعيات والاتحادات بتقديم تقارير دورية شفافة حول إنجازاتها وأوجه صرف مواردها.
• فتح المجال أمام الكفاءات الحقيقية وعدم السماح بتحويل هذه الكيانات إلى أندية مغلقة تحمي الفاشلين وتمنع الإصلاحيين.
إن استمرار هذه الجمعيات والاتحادات بشكلها الحالي هو أحد العوامل التي تعرقل التنمية في لبنان. فهي لا تؤدي دورها الحقيقي، بل أصبحت رمزًا للجمود والمحسوبيات، وشبكات مغلقة تحمي نفسها من التغيير. ولإعادة الأمل في أي عملية إصلاح، لا بد من كسر هذه المنظومة وفتح المجال أمام الأشخاص الفاعلين والكفاءات الحقيقية ليأخذوا دورهم في بناء مستقبل أفضل
بقلم نزيه حمد ،رئيس مجموعة نزيه اللبنانية الخليجيةفي لبنان

لمشاركة الرابط: