السنيورة: حذار من عمل غير متبصر يعطي “حزب الله” ذريعة جديدة للإحتفاظ بسلاحه

رد الرئيس فؤاد السنيورة في حوار مع قناة “الحدث – العربية” على تصريح لنائب رئيس المجلس السياسي في “حزب الله” محمود قماطي اشار فيه الى ان “الجيش وحده لا يستطيع أن يواجه العدو”، فقال: “أود بداية أن أوضح قضية أساسية يحب ألا يغفلها أحد، وهي أن ليس كل الشيعة في لبنان هم من أتباع أو مناصري “حزب الله”. الشيعة اللبنانيون هم مكون أساسي من مكونات المجتمع اللبناني وفي الدولة اللبنانية، وهي دولة المواطنة القائمة على احترام التعدد. في هذا الظرف الصعب، هناك حاجة لاحتضان اللبنانيين لبعضهم بعضا، وتأكيد أن للشيعة حقوقهم مثل باقي المكونات اللبنانية وعليهم ذات الواجبات التي على غيرهم”.
اضاف: “أما بالنسبة لما يقوله السيد قماطي، فإنه لا يعكس رأي جميع الشيعة في لبنان. الأمر الآخر، أن هناك مجموعة من الشيعة ليست بالقليلة تنتمي لحزب الله، ووجود حزب الله وتأثيره يتعدى وجوده العسكري، وذلك لأن للحزب مؤسسات تعليمية ومؤسسات اجتماعية ومؤسسات صحية وتجارية كبيرة ومتجذرة في المجتمع اللبناني. وبالتالي، فإن للحزب أنصار يدينون له بالولاء، إما عن إيمان أو لأنهم مرتبطون به مصلحيا، وهو عدد ليس بالقليل. والظن بأن حزب الله قد انتهى أيضا هو ظن خاطئ. ولذلك يجب التعامل مع هذا الواقع بحكمة وبوضوح وحزم أيضا من أجل إنقاذ لبنان”.
وتابع: “إن ما يقوله السيد قماطي لا ينطلق من أي استفتاء قام به. وحزب الله لم يسأل اللبنانيين عن رأيهم، ولم يستشرهم عندما اتخذ قرارا بخوض هذه العملية العسكرية في الثامن من اكتوبر العام 2023، كما أنه لم يستشر الحكومة اللبنانية على الاطلاق بهذا الخصوص. وهو فعل الأمر ذاته بالضبط في الثاني عشر من تموز في العام 2006 عندما بادر الحزب إلى إطلاق النار عبر الخط الأزرق في جنوب لبنان، وخطف جنديين إسرائيليين. حزب الله ومناصروه يمرون الآن بحالة انكار لأنهم لم يستطيعوا أن يستوعبوا حقيقة ما جرى في لبنان منذ أيلول الماضي، كما أنهم لم يدركوا ويستوعبوا ما حصل في سوريا مؤخرا، وكذلك ما يحصل الآن في إيران وكذلك في العالم. وهم لازالوا يتمسكون بهذه السردية بأن الجيش اللبناني غير قادر على حماية لبنان من أجل أن يبرروا احتفاظهم بسلاحهم غير الشرعي. هذا علما أن هذا السلاح الذي يقولون عنه أنه موجود لردع إسرائيل ولحماية لبنان لم يحقق هذين الهدفين المحكي عنهما في هذه المعارك الأخيرة. فلقد تبين أن سلاح المقاومة غير قادر على تحقيق هذين الهدفين اللذين يتحدثون عنهما. فحزب الله لازال مسكونا بهذه العنجهية غير المفيدة. ولقد بينت التجربة الأخيرة على أن حزب الله، وبكل الوجود العسكري الذي لديه، والصواريخ التي لديه لم يستطع ان يصمد امام الاله العسكرية الإسرائيلية. إذ تبين أن إسرائيل بعد أن لم تستطع أن تحقق الانتصار في العام 2006، عمدت من أجل أن تحقق التفوق على الحزب بتعزيز قواها الجوية والنارية والاستخباراتية والتكنولوجية التي باتت موجودة لديها. فبالتالي، فإن مقولة الردع والحماية لم تعد تنطلي على أحد من اللبنانيين”.
واعتبر ان “حالة الإنكار التي لدى الحزب بدأت تتحول إلى حالة من الشعور بالإحباط والغضب حتى لدى أنصار الحزب بسبب الخيبة التي تساورهم من أداء الحزب في هذه المعركة العسكرية الضارية التي استعملت إسرائيل فيها كل عناصر تفوقها، وكذلك أيضا بعد أن توقف القصف على لبنان. كما وتساورهم الخيبة من إيران التي وعدتهم بالمساعدة وألهبت توقعاتهم، وظهرت أنها مهتمة في الحفاظ على نفسها من أجل تفادي ما قد يلحقها من أضرار في حال وجهت إليها إسرائيل ضربة مباشرة”.
وردا على سؤال عما اذا كان حزب الله بات الآن بات يقدم أو يمهد للتراجع عن التعهدات التي تم على اساسها وقف إطلاق النار، قال السنيورة: “على ما يبدو الآن، فإنه يتمنى ذلك، ولكن هذا التفاهم الجديد الذي جرى مع الرئيس بري يضع آلية ومرجعية جديدة ومحددة لتطبيق القرار 1701، وهو التفاهم الذي وافق عليه حزب الله من خلال الرئيس بري، وهو الذي بات يتحمل هذه المسؤولية، وهو قد أصبح الجهة المكلفة من قبل حزب الله والموكل إليها الموافقة على هذا التفاهم. هذا علما أن القرار 1701، وفي الأصل، يحدد وبشكل لا يقبل الإنكار، أن لا وجود ولا يجوز أن يكون هناك سلاح خارج سلطة الدولة اللبنانية وقوات اليونيفيل في المنطقة جنوب الليطاني، وهو ما ينص عليه الاتفاق 1701. ولكن هذا التفاهم الجديد ينص أيضا على أنه: “بدءا من منطقة جنوب الليطاني سيجري تفكيك كافة البنى التحتية والمواقع العسكرية ومصادرة كل الأسلحة غير المرخص بها، والتي تتعارض مع هذه الالتزامات”، أي أن البداية هي من منطقه الجنوب. وهذا يعني بعباره أخرى وصراحة وبكل وضوح ومنعا لأي التباس أن عدم وجود هذا السلاح الخارج عن سلطة الدولة اللبنانية سيمتد إلى المناطق الأخرى في لبنان شمالي خط الليطاني. وهذا الامر هو الذي يحاول ممثلو حزب الله القول أن شمال الليطاني غير وارد في هذا التفاهم، وهذا غير صحيح. هم بالفعل يريدون أن يوهموا انصارهم بأنهم انتصروا، وبالتالي يحاولون القول أن هذا التفاهم يبدأ وينتهي جنوبي خط الليطاني ويقتصر على تلك المنطقة”.
ورأى أن “هذا الموضوع يجب التقدم على مسارات تطبيقه بحكمة وتبصر وبوضوح وبحزم في آن معا ودون التسبب بمشكلات داخلية جديدة. ولذلك، يجب على الدولة اللبنانية ان تتعامل مع حزب الله بالطرق السلمية وبالتعاون من اجل ان يعود الجميع الى الدولة اللبنانية بشروط الدولة، أي أن لا يكون هناك وجود لأي سلاح في لبنان، ولأي كان، غير سلاح الدولة اللبنانية وهو السلاح الشرعي. علي أن أبين هنا أن القرار 1701 ينص على اقفال جميع المعابر البرية والبحرية والجوية، ويحظر إدخال السلاح بأي نوع من أنواعه إلى لبنان لغير الدولة اللبنانية، كما يحظر الإنتاج غير المصرح به للأسلحة والمواد داخل لبنان، وينص على عدم نقل السلاح في داخل لبنان من أي جهة وإقفال كل مصانع السلاح. كل هذه النصوص واردة في القرار وفي هذا التفاهم الجديد”.
وعما اذا كانت الفرصة مناسبة الآن للبنانيين بسياسييهم وكتلهم الحزبية للقول لحزب الله ولمن يدعمه بانه لا بد أن يكون هذا السلاح ضمن المنظومة العسكرية اللبنانية، قال السنيورة: “بدون شك، أن هذه السردية التي يعتمدها مناصرو الحزب بدأت تتضح لدى الأكثرية الساحقة من اللبنانيين الذين لا يوافقون عليها. يجب على الجميع أن يدرك أن حزب الله يمر بأزمة كبيرة بعد أن أصيب بإصابات فادحة وكبيرة جدا في قياداته السياسية وعناصره العسكرية وبأسلحته ومواقعه. كما أصيب اللبنانيون بخسائر فادحة في الأنفس والجرحى والخسائر المادية. حالة الإنكار الحالية لدى الحزب بدأت تنتقل تدريجيا إلى مرحله أخرى، وهي مرحلة الغضب. الغضب الذي يساور الكثيرين من الذين تعرضوا للإصابات والجروح والإعاقات، وتعرضوا للإصابات وتعرضوا للإذلال عبر النزوح وتعرضوا للتدمير الكبير الذي حصل لأملاكهم ولأصولهم المادية، وهم الذين باتوا يشعرون الآن أنهم تركوا من قبل حزب الله، وأنه تخلى عنهم، وكذلك بأن إيران قد تخلت عنهم، وأنها ضخمت توقعاتهم والهبتها بأنها قادرة، وبقوة الردع التي لديها، أن تحميهم، وأنها قادره على ان تصيب إسرائيل بما يردعها عن مهاجمة لبنان، وكل هذه الأمور أثبتت عدم صحتها. لذلك، أعود إلى القول أن الأمر يتطلب الكثير من الحكمة والحزم. هذان الامران يجب ان يطغيان على الحالة التي سنمر بها خلال مرحلة الأسابيع القليلة القادمة لأنه بعد حالة الغضب، ومن الشعور بالخذلان، من قبل حزب الله ومن إيران، ستكون هناك وتسود حالة جديدة هي الإدراك المتدرج لدى جمهور حزب الله، ولدى اللبنانيين لعظم ما حصل، ولمدى أهمية المتغيرات التي بات على الجميع أن يعترفوا بها ويبدأوا بالتصرف على أساس منها من أجل استعادة التضامن الوطني الجامع لإنقاذ لبنان”.
واشار الى ان “الحزب يريد أن يتفلت من هذه التعهدات التي التزم بها الرئيس نبيه بري بالنيابة عن الحزب وبتفويض منه. وبالتالي بات على الرئيس بري أن يتحمل المسؤولية، وهو يعلم تمام العلم بأن عليه أن يقوم بأمرين اثنين، بداية أن يجهد من أجل أن يبادر المجلس النيابي إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وبالتوازي مع ذلك ان يصار الى بذل كل ما يستطيع من اجل اقناع حزب الله بان ينخرط في المساعي التي تؤدي الى عودته الى الدولة وبشروط الدولة، وبحيث يكون اللبنانيون جميعا منتصرون بوحدتهم وتضامنهم وسعيهم الحثيث لإنقاذ لبنان”، وقال: “من الطبيعي بداية يجب ان يصار الى سلوك الطريق التي تعتمد أسلوب الإقناع. لقد أصبح واضحا لجميع اللبنانيين أن ليس هناك من مخرج للبنان من أزماته المتكاثرة وللمعاناة الشديدة التي يعانيها اللبنانيون وخاصه لدى قواعد حزب الله، ولدى مناصريه الأساسيين في مختلف المناطق اللبنانية التي تعرضت للدمار وللضرر في أن ليس هناك من إمكانية للخروج من هذه المآسي إلا عبر الانضواء تحت خيمة الدولة اللبنانية. وهذا ليس فقط لأن ليس هناك من امكانيه للحصول على أي دعم للبنان من أجل إعادة الإعمار من أحد إلا إذا كان ذلك عبر الدولة اللبنانية، وعبر عودة الدولة لتصبح صاحبه السلطة الوحيدة في لبنان، بل ولأن تطبيق القرار 1701 قد بات ملزما للبنان، ولم يعد من الممكن الاستمرار في المراوغة والتذاكي، وبالتالي التقاعس عن تطبيقه. أما القول بأن الجيش اللبناني غير قادر، فهذه حجة لم تعد مقبولة، وان فكرة الاستراتيجية الدفاعية ليست إلا للمراوغة وتضييع الفرص، وهو الأسلوب الذي لا يجوز أن يتكرر بعد اليوم”. ورأى أن “الجيش اللبناني قد أثبت في مناسبات عدة انه قادر على ان يتولى هذه المسؤولية، وحرام ان يصار الى وصم الجيش بأنه لا يستطيع. هو يستطيع أن يقوم بواجبه وعلى الجميع مد يد العون له، وبمختلف الأشكال ليستطيع أن يقوم بواجبه الوطني بكفاءة وفاعلية”.
وعما اذا كان تصريح قماطي عن ان الجيش غير قادر، قال: “ان هذه الادعاءات التي يتولاها مناصرو حزب الله لم تعد مقبولة، بل هي مضرة للحزب وللبنان. اللبنانيون الآن ينظرون إلى هذه الأقاويل والأعذار والتبريرات بأنها تعكس عدم الجدية، لأن هناك التزاما التزم به لبنان ودعني أقول لك مره ثانية أن هذا القرار- أي القرار 1701- كان يفترض بحزب الله ان ينفذه منذ أن صدر في العام 2006. صحيح أن إسرائيل عليها أن تنفذه، وهي لم تنفذه ولم تلتزم به. وأيضا حزب الله لم ينفذه. ولكن كان ينبغي على الجانب اللبناني، أي حزب الله، أن ينفذه ويحرج إسرائيل، وان يبين للمجتمع الدولي بأنها لا تطبقه. وبالتالي، فإن الحزب الآن لا يستطيع أن يعطي أسبابا حقيقية تكون مقبولة لعدم تنفيذ القرار 1701. هذا القرار كان بالإمكان تنفيذه في الماضي بأريحية لبنانية ودون شروط جديدة تملى على لبنان. للأسف، هذا العناد وهذه الممانعة التي مارسها حزب الله على مدى السنوات منذ العام 2006 حتى الآن أدت إلى أن يصبح لبنان في وضع صعب، وبالتالي أن يضطر لبنان إلى الموافقة على هذا التفاهم الذي حصل، والذي وقع عليه الرئيس بري بصفته ممثلا لحزب الله، وهو التفاهم الذي يملي على لبنان ان يقبل بما لم يقبل به بالماضي. لقد أصبحنا في لبنان الآن وكأن سيفا مصلتا فوق رقبة لبنان واللبنانيين وكذلك فوق رقبة حزب الله وعلينا جميعا أن نقبل بالتنفيذ”.
ورأى السنيورة ان كلام “رجالات حزب الله وإيران الان، هو خطاب موجه الى القواعد الحزبية لحزب الله، وأيضا للأذرع الإيرانية في المنطقة، أكان ذلك في العراق او في سوريا او في اليمن. وبالتالي، علينا ان نتعامل مع هذه الأمور، من خلال الوضوح والحكمة والحزم في آن معا. وبالتالي، يجب على الذين وقعوا على هذا التفاهم ان يقوموا بدورهم في ما التزموا به بالنيابة عن لبنان. أريد أن يكون واضحا للجميع أن معظم الجماعات التي كانت تؤيد حزب الله اكانوا من المسيحيين أم من المسلمين هذه المجموعات كلها تقريبا قد تراجعت عن تأييدها له، وبالتالي لم يعد لدى حزب الله القاعدة الداعمة التي كانت تؤيده في الماضي. أصبح الداعمون له الآن يقتصر على من يؤيدونه من الذين هم من مناصريه والمستفيدون منه، أكان ذلك في الجانب العسكري ام في جانب المؤسسات العديدة الأخرى لحزب الله. ولكن التأييد العام للحزب في لبنان قد انحسر بشكل كبير. ومع ذلك يجب المحاذرة من القيام بأي عمل غير متبصر يكون بنتيجته إعطاء الحزب أي ذريعة جديدة للاحتفاظ بسلاحه”.

المصدر : وطنية

لمشاركة الرابط: