تحت وطأة أشعة شمس حارقة تجاوزت 40 مئوية أكب حاصد القمح على سنابله الذهبية بجد ونشاط ليجني الموسم الذي حان موعده ونضجت سنابله .
سنابل القمح عبر التاريخ كانت عنوان الخير والعطاء واستمرارية الحياة ، فقد وثقها الإنسان القديم على بنيانه وبيته ومعبده ومدفنه ، ولا زالت خزان الأمان والغذاء في أوقات الشدة والعوز .
من بعيد حييته في “سهلات” راشيا الوادي – عين عطا في حضن جبل الشيخ الأشم ، فأوقف آلة الحصاد البدائية التي كان يقودها وسلم بنشاط ، ومسح العرق عن جبينه الأسمر الذي لوحته شمس تموز ، ليأخذ استراحة بسيطة ويشرب قليلاً من الماء البارد يروي به ظمأه في هذا القيظ اللاهب .
“الرزق لا ينتظر” قال الفلاح الأربعيني بقبعته الشبيهة بقبعة رعاة البقر الأميركيين “علينا إكمال الحصاد قبل الليل ، وكما قال أجدادنا “لا راحة للقلب والرزق واقف!”
كانت سنابل القمح تتلوى داخل الآلة المعدنية وتجتمع أغماراً أغمارا في الحقل ، لتجمع لاحقاً ويفصل الحب منها عن التبن ، وبذلك تكون قد اكتملت دائرة حياتها الأزلية منذ خلق الله الخلق .
ودعته على أمل اللقاء به ثانية وأنا أردد بصوت عال في محاولة مني للتخلص من صوت آلة الحصاد ، ما قاله الأديب والشاعر الياس أبو شبكة ، وما تعلمناه صغاراً في المدرسة عن الحصادين والحصاد :
زارِعَ الحَقلِ في البُكور
عَيشُكَ الدَهرُ أَخضَرُ
أَنتَ في هَيكَلِ الزُهور
فَيلَسوفٌ مُفَكِّرُ
ماؤُكَ الطاهِرُ الزَلال
مِن سَواقيكَ يَقطُرُ
كُلُّ ما تَقتَني حَلال
بِاِسمِكَ الخَيرُ يُذكَرُ
سَيِّدَ المنجَلِ الحَقير
أَنتَ لِلنّاسِ سَيِّدُ
مِن ذِراعَيكَ لِلفَقير
حَبَّةُ القَمحِ تولَدُ
عاطف البعلبكي
[email protected]