في معرض الحديث عن الزواج المدني لا بد أن نحذر من إدخال نظام الأحوال الشخصية وشؤون بناء الأسرة في إطار المزايدات الجارية في فضائنا السياسي بين مؤيد ومعارض.
1-الأسرة والزواج والحياة العائلية تتضمن وعياً وعمقاً أهم من عقد الجدل حول قانون الانتخاب، فالأول يمس البناء الوطني والإجتماعي والثقافي، اما الثاني فهو يهم تقاسم السلطة السياسية في ظل تعددية مدعاة، وإنا لنعجب من شعارات التعددية التي تسوغ طرح مشروع قانون انتخاب طائفي ثم هو يبدد تحت ستار العلمانية أسس بناء الأسرة في كل طائفة.
2-إن هذا يدل على أننا إستوردنا الفردية والعولمة والعلمانية مصطلحات لغير تجربة من عمق المجتمع لكن أنباء تفكك الأسرة وضياع الطفولة في المجتمعات المتقدمة إقتصادياً تصلنا يوميا عبر الأعلام وهذا ما يحملنا على التبصر في تراثنا الأسري وروابطه الروحية والاجتماعية والتي هي الضمان لنشأة أسرية متماسكة.
3- إن قوانين الأحوال الشخصية ترتبط بالنظام العام لأنها تمس تكوين الأسرة ، وهي قوانين آمرة في سائر الدول وليست اختيارية لأن عقد الزواج يمس مؤسسة لا تقتصر على الزوجين بل تتعداهما الى النسب وروابط القربى والإرث ، والتنازع بين قانونين اختياريين في نظام قضائي واحد وفي ظل سيادة دولة واحدة هو بدعة من بدع الفوضى الجارية اليوم في تحديد معنى الإنتماء الوطني ثقافياً وتربوياً.
4- إن الخيار في شؤون الزواج قد يرضي عاطفة لكنه لا يستطيع أن يصنع ثقافة لأن الثقافة تبنى على مرجعية القيم الأساسية لوحدة المجتمع ، والزواج والأسرة يأتيان في المقدمة ، والخروج عن هذه المبادئ في خيار يستقل عن سيادة الدولة المنظمة للحياة الإجتماعية هو إستقالة الدولة وهذا يتطلب الإجابة عن أي صيغة وطن يُراد للبنان في ظل متغييرات السياسة الدولية في المنطقة؟
5- إن الذين يطرحون الزواج المدني وسيلة للإنصهار الوطني يخدعون أنفسهم، فالانصهار الوطني هو بقوة فاعلية الإنتماء للأرض وبنية الحياة الاجتماعية. فالمجتمع اللبناني المستقر على نمطية الحياة العائلية وحمايتها لأفرادها والتحمل المشترك فيما بينها قد بني على نمطية الإلهام الديني في عمق المواطن الممارس وغير الممارس.
فالدستور اللبناني وإتفاق الطائف قد أكدا وحدة الثقافة ذات الجذور التاريخية التي شملت جميع الطوائف.
6- لذلك نرى ان مشروع الزواج المدني بمفهومه الذي طرح في زمن سابق يفتقد مفهوماً إستراتيجياً مشتركاً في بنية المجتمع اللبناني الذي نما بإيقاع مشترك، فإذا بدأنا نُشَرِّع في هذا الجانب الهام من حياتنا الوطنية دون سقف ثقافة إجتماعية جامعة فإن كل الإحتمالات تصبح منطقية حتى تشريع العلاقات الجنسية بين المتماثلين الذي أصبح في ظل عولمة أوروبا مطلباً ، لكن المفكرين في أوروبا وأميركا بدأ كل منهم يراجع حساباته أمام انهيار اجتماعي وبيئي راهن.
*نائب رئيس المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى
المصدر : اللواء