كتبت رلى موفق في “اللواء”
يستعين الرئيس فؤاد السنيورة على الدوام بما تيسّر له من آيات قرآنية وسيرة الانبياء وأبيات شعرية وقصائد وحكم وأمثال شعبية بغية إيصال ما يختلج في صدره من مواقف وملاحظات سياسية على كثير من القضايا المطروحة. ولعل استشهاده في ختام دردشة صحافية، بقول أمرىء القيس في طريقه لاسترجاع ملك أبيه “نحاول ملكا أو نموت فنعذرا” يعكس حقيقة أن لا بديل عن المحاولة لإسترجاع الدولة المخطوفة. يرى أن لا خيار عند اللبنانيين إلا ان يتبصروا الدرب واتخاذ الموقف الصحيح وتبيان من هم مع سيادة لبنان ودولته من أجل رص الصفوف في معركة سياسة معلنة لاستعادة الدولة من حزب الله .
يرى السنيورة أن هناك عملاً متعمداً لتخريب النظام البرلماني الديموقراطي في لبنان ودور رئيس الجمهورية الذي نص عليه الدستور، ذلك أن الركائز الأربع التي يقوم عليها هذا النظام والمتمثلة بـ “أكثرية تحكم، أقلية غير مهمشة تعارض، قضاء مستقل، وادارة حكومية غير مستتبعة ” قد تمَّ تخريبها وضربها. توقف عند محاولات تكريس حكومات وحدة وطنية، بحيث أضحى مجلس الوزراء برلماناً مصغراً انتقلت إليه السجالات، بينما هو المكان لأخذ القرارات، واستحوذت الأحزاب بالإدارة والوزراء، واستمر العمل المتقصّد لإستتباع القضاء واستخدامه كمخلب للإقتصاص من الخصوم. فهوت ركائز هي التي كان من شأنها أن تؤمّن المساءلة والمحاسبة، فضلاً عن أن رئيس الجمهورية الذي هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن فقد مع ممارسة شعار “الرئيس القوي” بالعضلات لا بالتعقل والحكمة، قدرته على جمع اللبنانيين في الوقت الذي يفترض به أن يكون الشخص الذي “يضب” البلد في الأزمات.
يروي أنه صباح الخامس من آب في اليوم التالي لإنفجار مرفأ بيروت، اتصل بالأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط متوجهاً إليه بالقول:” ليس لدي معطيات إنما أشعر أن هناك أمراً جللاً. ” وسأله عن إمكانية المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق عربية كحل وسط إذا تعذر الذهاب إلى لجنة تحقيق دولية، فرد عليه أبو الغيط: اتكل على الله.
وكان أن طالب رؤساء الحكومة السابقون في ذلك اليوم بتشكيل لجنة تحقيق عربية أو دولية لكشف جريمة المرفأ انطلاقاً من الاقتناع بأنها الوسيلة الحقيقية من أجل منع حصول فتنة في البلاد، وهي التي نراها اليوم.
يقول: “ليس العتب على المحقق العدلي أنه اجتهد بل أنه ميّز بين الناس ما أدى إلى غرق الملف ووصلنا إلى مرحلة لم نعد معها نرى جريمة المرفأ بل صراعات بين القضاة.” برأيه أن هناك عملية تخريب للقضاء، ولا بد من العودة إلى الأصول الدستورية حيث استقلالية القضاء هي الضمانة. ويحذر مما يجري في الأقبية من محاولة “مقايضة ما”، مؤكداً أنه ليس مع إزاحة القاضي طارق البيطار إنما على القاضي العودة إلى الدستور والالتزام به، فهو لا يمكنه أن يميز بين هذا وذلك من الناس بل أن يطبق نفس المعيار على الجميع.
يكرر مطالبته برفع الحصانة عن الجميع ويؤكد أن لا طريق سوى طريق العودة إلى الكتاب.
وفيما البلد يعيش تداعيات التحقيق العدلي، أطلت الأزمة الثانية. جاء كلام وزير الإعلام ليكون القشة التي قصمت ظهر البعير بفعل تراكم الاحداث في سياق الاختلالات التي تصيب السياسة الخارجية. يتجنب السنيورة استخدام تعبير “المقاطعة الخليجية”. يعتبر “أن على الوزير المعني الاستقالة كمدخل لمعالجة الأزمة”، لكنه لا يرى “مصلحة لنا الآن في استقالة الحكومة، غير أن هذا لا يعني أن الاستقالة قد لا تحصل، فالأمر منوط برئيس الحكومة”.
يتوقف عند المعلومات المتداولة عن وقف تأشيرات اللبنانيين إلى الكويت، فيربطها بالخلية التي أُعلن مؤخراً عن اكتشافها، وبالرأي العام الذي بات مؤثراً أينما كان.
في رأيه أنه عندما انحرفت السياسة الخارجية للدولة اللبنانية عام 2011، أظهرت المؤشرات الاقتصادية والمالية والنقدية أن البلاد ذاهبة إلى المهوار. ما يقلقه راهناً ان هناك من يصور أن هناك مشكلة في النظام، ويريد أن يأخذك إلى هناك، إلى حيث مد اليد على الدستور، فيما المشكلة أن الدولة مخطوفة ولم يعد قرارها حراً. لديه اقتناع بأن حزب الله هو المشكلة وبأننا وصلنا إلى الوقت الذي لم يعد في الإمكان تجهيل الفاعل، ولا بد تالياً من القول من هم مع الدولة ومن هم ضد الدولة.
والسبيل إلى استعادة الدولة المخطوفة يتطلب قيام منصة وطنية – جبهة تكون عابرة للطوائف والمذاهب. هو لا يزال متمسكاً بهذه الفكرة التي يعمل عليها منذ سنوات، ويراهن على خلق “وعي جمعي” يشكل الرافعة لذلك. فغياب مثل هذا المشروع الوطني يؤدي إلى استمرار الضياع الذي يعيشه اللبنانيون حيث جرى إغراق كل منهم بهمومه اليومية وإشغاله عن القضية الأساسية التي تبدأ من غياب الدولة.
واقعنا اليوم أشبه ما يكون بمريض عليه أن يقتنع أن عنده كمٌّ من الأمراض التي تراكمت عليه وأدت إلى “اشتراكات”، وعليه أن يقتنع أن وضعه يتطلب دخوله المستشفى والإستماع لما يقوله الأطباء، وأن عليه العمل على أخذ الدواء ومن ثم المثابرة على هذا الدواء من أجل الشفاء. نحن في لبنان لا نزال عند الاقتناع الأول، يقول السنيورة.
المصدر : اللواء