معركة السلطان يعقوب في مثل هذا اليوم من عام 82 ذكرى فخر ووجع … بقلم عاطف البعلبكي

38عاماً مرت على معركة “السلطان يعقوب” في مثل هذا اليوم ، ولكن آثارها وإن درست على أرض مثلث السلطان يعقوب – المنارة – عيتا الفخار ، إلا أن ذكراها باقية في الوجدان كمعركة بطولية واجه فيها جنود مقاومون أبطال بلحمهم الحي وبأسلحتهم التي تخطاها الزمن ، أعتى أنواع الأسلحة الفتاكة التي كان يستخدمها جنود يفترض أنهم محترفون ، أقل ما يقال فيهم أنهم كانوا في هذه المعركة خائفين مذعورين بإعتراف جيش العدو الصهيوني الذي نقلت قطعاته اللوجستية الى القيادة رسائل لاسلكية لجنود محاصرين بين فكي كماشة من المقاتلين ، يصرخون بأصوات عالية ويدعون القيادة لإنقاذهم من الفخ الذي وقعوا فيه ذات ليلة سوداء كسرت كبرياءهم وحطمت أسطورة الجيش الذي لا يقهر ، ودمرت فيها دباباتهم المتطورة ووقع بعضها في أيدي المقاومين ، وسقط منهم في أرض المعركة أكثر من 30 قتيلاً ، وفقد طاقم دبابة مكون من 3 عناصر ، إذ تم اصطياد عناصر العدو وأسر دباباته بقرار شجاع من قائد كتيبة الدبابات السورية الذي لم ينتظر أمر القيادة العليا للجيش السوري التي كانت تحاول بدورها ، قدر الإمكان ، إبعاد الإشتباك المباشر مع جيش العدو الإسرائيلي الذي فرض عليها المعركة بدخوله في موقع كتيبة الدبابات السورية عند محور بيادر العدس – السلطان يعقوب في البقاع الغربي .
كانت القوات السورية في البقاع تحت أمرة العميد الركن علي حبيب قائد اللواء 58 بحسب ما ذكره الوزير فاروق الشرع في كتابه “الرواية المفقودة ” . وعين حبيب في عام 2009 وزيراً للدفاع ثم أقيل من منصبه في عام 2011 ، وراجت أخبار بأنه إنشق عن النظام ، وتوفي في العام الجاري 2020 وهو من مدينة صافيتا في محافظة طرطوس (ويكيبيديا)
ومنذ بداية المواجهة على أرض لبنان ، لم يكن ميزان القوى في صالح الجيش السوري والمقاومة الوطنية والفلسطينية ، فكانت السيطرة شبه كاملة للطيران الإسرائيلي على الأجواء ، منذ بدء عملية الإجتياح الإسرائيلي للبنان في الخامس من حزيران في ذلك العام 1982 ، وقبل أسبوع من معركة السلطان يعقوب ، كان الإجتياح الإسرائيلي للبنان قد بدأ بقصف المدينة الرياضية في بيروت بالطيران وتدمير شوارع بكاملها على رؤوس قاطينها وبخاصة في المخيمات الفلسطينية جنوب العاصمة اللبنانية ، بعد محاولة قتل السفير الإسرائيلي في لندن واتهام منظمة التحرير الفلسطينية بالحادث ، لتشتعل الحرب بشكل واسع على الأراضي اللبنانية ويشتبك طيران العدو الإسرائيلي في سماء البقاع خاصة مع سلاح الطيران السوري ، الذي خسر أكثر من 80 طائرة مقاتلة روسية من طراز ميغ وسوخوي أغلبها سقطت فوق سهل البقاع ، ومعظمها كانت قد شاركت في حروب سابقة مع العدو الصهيوني في حربي 1967 و1973 وكان لا مجال لمقارنتها من حيث القوة والتسليح مع طائرات فانتوم 15 و16 الأميركية التي كانت تسبق الطائرات الروسية بسنوات ضوئية من التقنية والدقة والرصد الإلكتروني للأهداف والتعامل معها .

فصول تتوالى
وبعد حوالي عقود أربعة لا زالت أصداء المعركة تتفاعل ، وبخاصة عندما تتوالى فصولها لدى قيام الرئيس الروسي بوتين بتسليم إحدى هذه الدبابات الى العدو الصهيوني منذ عامين بعد زيارة لنتنياهو الى موسكو ، وكانت أعطبت ودمرت في معركة السلطان يعقوب الشهيرة أكثر من 30 دبابة ، بضعة دبابات منها بقيت صالحة للقتال لتغنمها القوات السورية والوطنية اللبنانية والفلسطينية وتقودها مباشرة الى دمشق ، ليقوم النظام السوري بإهداء إحداها التي غنمها المقاومون من العدو الصهيوني في معركة ذلك اليوم الى روسيا ، التي أعادتها بدورها الى العدو الصهيوني في زيارة شهيرة ل نتنياهو لإستلامها بشكل إستعراضي مقيت ومؤذ لأرواح الشهداء الذين سقطوا في الدفاع عن الأرض في معركة الشرف !
ويبقى طاقم دبابة إسرائيلية في عداد المفقودين ومجهولي المصير الى أن يتم مؤخراً وفي العام الماضي تسريب خبر تسليم جثة أحد الجنود الإسرائيليين الثلاثة المفقودين زخاريا باومل من طاقم الدبابات المهاجمة في معركة السلطان يعقوب ، الذين قتلوا في مسرح العملية ، للعدو الصهيوني بوساطة روسية في عملية مخابراتية سرية بعد نبشها من مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين قرب دمشق ، وزد عليها ثالثة الأثافي عندما يسلم النظام السوري للعدو الصهيوني جثة الجاسوس الصهيوني الشهير إيلي كوهين الذي أعدم في دمشق في عام 1965 بتهمة التجسس بعد أن كاد يصير وزيراً في الحكومة السورية ، وبعد زرعه في دمشق وتلفيق الموساد لملف له يفيد بأنه أرجنتيني المولد من أب سوري . ليعود الى سوريا في أيام حكم الرئيس أمين الحافظ ويصل الى مراكز مرموقة في الدولة ، وتكشف هويته التجسسية بعد إرساله رسائل مشفرة من منزله ، ويعدم شنقاً في دمشق .
وقائع المعركة في الصحافة الإسرائيلية
وبالعودة الى تلك المعركة الفاصلة فقد كتب الزميل حلمي موسى ، المتخصص في الشؤون الإسرائيلية والذي يتقن اللغة العبرية في جريدة السفير ، التي أقفلت منذ أعوام مع بعض زميلاتها لسوء الحظ ، بتاريخ 10 كانون الثاني يناير 2001 أي بعد 19عاماً على حصول المعركة ، تحليلاً إخبارياً حمل عنوان” معركة السلطان يعقوب تلاحق باراك ” نقلاً عن تقارير سربت من التحقيقات العسكرية عن تلك المعركة الرهيبة وقال في التحليل : “فشل باراك في معركة السلطان يعقوب التي أبيدت فيها كتيبة مدرعات إسرائيلية ليلة العاشر – الحادي عشر من حزيران 1982 ، وأظهرت تحقيقات الجيش الإسرائيلي أن جنود كتيبة المدرعات 362 التي فقدت الكثير من دباباتها وجنودها وأدت الى وقوع عدد منهم في الأسر ، وما زال ثلاثة منهم في عداد المفقودين حتى اليوم (صاروا مفقودين إثنين بعد تسليم جثة زخاريا باومل للعدو الصهيوني بوساطة روسيا مؤخراً) ، لم يكونوا هم المسؤولين عن الفشل بل القيادة العليا في الجيش ( الإسرائيلي) وهي التي تتحمل المسؤولية .
ويضيف موسى في مقالته : ” وبالرغم من أن الجيش الإسرائيلي لم يكشف النقاب أبداً عن نتائج تحقيقاته الا أن الإفادات التي نشرتها الصحف الإسرائيلية تحدثت عن أن قائد الجبهة الشمالية الإسرائيلية آنذاك (عام 1982) الجنرال أفيغدور بن غال ، أمر القوة الإسرائيلية بإحتلال التلال المطلة على مثلث طرق هناك ( بيادر العدس – عيتا الفخار المؤدية الى الداخل السوري عبر منافذ قريبة كانت تصل منها التعزيزات العسكرية ولكنها غير معبدة ) ولكن نائبه الجنرال إيهودا باراك (صار رئيساً للحكومة في عام 2001) أعد قوة من كتيبة مدرعات وأمرها بإحتلال مفترق الطرق ذاته وليس التلال المطلة عليه “.
وحسب الخبراء العسكريين الإسرائيليين – يضيف موسى – فإن هذه المهمة كانت تحتاج الى لواء مدرع وليس الى كتيبة مدرعة .
وهكذا من أجل استغلال الوقت القصير المتبقي لإعلان وقف اطلاق النار (الذي حصل ظهر يوم الجمعة في 11 حزيران ، وبغية الإقتراب أكثر من طريق بيروت دمشق ببضعة كيلومترات تضعها تحت نيران المدفعية الإسرائيلية) تقدمت هذه الكتيبة فوقعت في نطاق انتشار المدرعات السورية التي سحقت القوة الإسرائيلية بعد أن قامت بتطويقها .
وبعد الحرب أعلن باراك أنه حدد للقوات المهاجمة خطاً شمالياً لا ينبغي لها تجاوزه وأن قائد الكتيبة هو الذي فهم أن عليه التقدم حتى مفترق الطرق (شمال بيادر العدس في سهل المنارة ) وأوضحت التحقيقات أن تخطيط هذه المعركة كان يطفح بمواقع الخلل ، بل إن المعلومات الإستخباراتية التي استندت إليها القوة الإسرائيلية كانت مغلوطة ، واستندت الى فرضية أن المدرعات السورية كانت قد انسحبت من تلك المنطقة
وتشير إفادات العسكريين الى أن صورة المعركة لم تتضح ل أيهودا باراك إلا في صبيحة اليوم التالي ( الجمعة 11 حزيران 82) حيت تم سحب القوات الإسرائيلية تحت غطاء مدفعي وغارات جوية كثيفة قبيل ساعات من إعلان وقف إطلاق النار .
هذه وجهة النظر الإسرائيلية الرسمية بإختصار كلي كما أوردها الزميل موسى نقلاً عن الصحف العبرية بعد أعوام عديدة على حصولها .

شهود عيان من أرض المعركة
تقدمت فرقة المدرعات الإسرائيلية في العاشر من حزيران 82 بمدرعات م 48 الأميركية والمعدلة منها إسرائيلياً تحت تسمية ميركافا في هجوم شرس لإجتياز المسافة ما بين محور كفرمشكي بالقرب من بلدة راشيا ، وبلدة عزة محور الفالوج – كامد اللوز ، لتصل الى الساتر الترابي العملاق الذي كانت رفعته قبل أسابيع جرافات ضخمة تابعة للجيش السوري ، ليشكل خط الدفاع عن طريق بيروت دمشق ، وإخترقته في نقطة ما لتقع ليلاً في وسط كتيبة الدبابات السورية المتمركزة عند بيادر العدس صعوداً بإتجاه طريق بلدة السلطان يعقوب لتقع داخل مصيدة كتيبة المدرعات السورية ، التي أمطرت الدبابات الإسرائيلية المهاجمة بالقذائف المدفعية وصواريخ ميلان الفرنسية ، ثم بقذائف ال بي 7 من قرب ثلاثة أو أربعة أمتار ، فقتلت أكثر من 30 جندياً إسرائيلياً ، فإستنجدت الكتيبة المطوقة بسلاح الطيران التي تدخل بغارات متتالية ولكن بعد انتهاء المعركة لمحاولة إنقاذ من تبقى لإستحالة قصف المكان بعد التداخل القوي للدبابات المهاجمة والمدافعة في ساحة المعركة خلال الليل لتخوض أعنف اشتباك شرس كان الرصاص لغزارته فيها يلتقي وجهاً لوجه ثم يطير بشكل عامودي في عنان السماء ، وترتج بلدات المنارة والسلطان يعقوب وعزة على وقع الإنفجارات الهائلة للقذائف المدفعية والصواريخ التي تسببت بعزل المنطقة وقطع خطوط التوتر العالي التي كانت في وسط ساحة المعركة ، ليقطع التيار الكهربائي عن القرى قبل أن يعود الى أسلاكها بعد شهور عدة من المعاناة في ذلك الصيف اللاهب .
ولاحق الطيران الإسرائيلي طائرات الهليكوبتر السورية التي شاركت في المعركة وقصفها فجراً ، وأسقط إحداها شمالي بلدة المنارة وقام أهل البلدة بدفن جثث طاقمها ال 3 في مكان سقوطها لتعود مجموعة سورية لأخذ الجثث لاحقاً .
ومن الملاحظ بأن جميع الدراسات اللاحقة للمعركة لم تلحظ دوراً فعالاً للطيران السوري الحربي النفاث الذي مني بنكسة كبيرة حينها ، مردها الى التخلف التقني بالمقارنة مع سلاح طيران العدو الإسرائيلي ، فأسقطت معظم طائرات الميغ 23 فوق البقاع ، ولكن بطولة كتيبة الدبابات السورية كانت مشهودة فقد نفذت حرب دبابات قوية بمواصفات الحرب العالمية في سماء مسيطر عليها تماماً من الخصم ، وانتقاماً من هذا النصر ، قامت طائرات العدو بملاحقة بعض الدبابات السورية التي أبلت بلاء حسناً في المعركة ، من غربي المنارة حتى الشمال (قرب معمل ألبان وأجبان المنارة) وقصفت إحداها هناك بصاروخ موجه فطار برجها عنها عشرات الأمتار، وغرق محركها في وسط الطريق وبقي عدة أيام في مكانه ، وعاين هذه العملية بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في الحادي عشر من حزيران وقبل صلاة الجمعة في ظهيرة ذلك اليوم ، وفد من الخبراء العسكريين والضباط الروس الذين كانوا من أصحاب الرتب العالية ، بحسب شهود عيان ، ويتكلمون بلغة عربية فصحى بلكنة غريبة ويلبسون زياً يشبه زي الجيش السوري ولكنه فاتح اللون لعله زي الجيش الروسي ، سألوا من وُجد في المكان عن الجثث وعددها ، ويبدو أن أحدهم كان خبيراً في سلاح الدروع فكان يعاين بدقة البرج والهيكل المدمر للدبابة الروسية القديمة الطراز ويوجه أسئلة محددة لمن وجد من الأهالي في المكان ، فيما كان ضابط برتبة مقدم يدون الملاحظات على دفتر .

مشاهدات شخصية
من محور بيادر العدس حتى مدخل المنارة الجنوبي عند المفترق ، وبعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ ظهراً ، وصلت عربة مصفحة مدولبة “BRDM” مسرعة وصرخ من فيها بوجه مجموعة من الأهالي كانوا قدخرجوا لتوهم من مخبئهم لرؤية حصيلة معركة الليل الرهيبة : “هل رأيتم فلان الضابط السوري ؟” كانوا يسألون ربما عن الضابط أو الضباط الذين قادوا هذه العملية ، أو ربما كان من المطلوب إسعاف أحدهم ، ولكن لسرعتهم قاموا بدهس جثة شهيد سوري كانت على قارعة الطريق ، وقد تمزقت تيابه من شدة ضغط الإنفجارات ، وبقيت متصلة ببعضها من عند الحزام العسكري الوسطي فقط . جرى هذا المشهد التراجيدي وسط حالة من الذهول والهستيريا ، ورغم تنبيه الأهالي لسائق العربة المدرعة الذي كان يقودها بشكل جنوني .
وعلى مدخل بلدة المنارة أيضا كانت ناقلة جند مدرعة من كتيبة المدرعات السورية وقد أصيبت إصابة مباشرة واستشهد طاقمها ، وبدت بداخلها جثث متفحمة في مقاعدها وأيدي أصحابها على الرشاشات الروسية وفي وضعية قتالية ، وقد تمزقت ثياب الجنود من ضغط الإنفجار وبرزت عظام الجثث المحترقة من خلال الدخان المتصاعد ورائحة الحريق التي كانت تملأ المكان .

وفي وقت سابق لهذه المناظر الرهيبة ، تمر في المكان دبابة ضخمة يعتلي ظهرها مجموعة من المقاومين بسرعة البرق ، وترتج الطريق المحفرة بالقذائف تحت ثقل جنازيرها … إنها دبابة إم 48 إسرائيلية من أصل بضعة دبابات قد غنمها المقاومون وتتجه شمالاً ويرفع من عليها شارات النصر ، عُرف فيما بعد أن من كان يقودها هو العقيد الفلسطيني في الجيش السوري صلاح معاني الذي قادها الى دمشق حسب رواية أحد المشاركين في العملية زياد الحمصي ، الذي سيبرز إسمه في سنوات لاحقة في ملف شائك ، إنطلاقاً من وجوده في ساحة المعركة في تلك الساعات العصيبة .
ولعل الأخطر والأبرز في المشهد ، كان حضور بعض الأهالي الذين وفدوا بإستهتار كلي الى ساحة المعركة وبعد ساعات قليلة على انتهائها ، وكانت النيران لا تزال تشتعل في بعض الدبابات المدمرة والآليات العسكرية ، دون تقدير لخطورة الموقف وإمكانية انفجار قذائف أو الغام غير منفجرة ، وفجأة تردد صراخ بين الأهالي : “هناك جثة لإسرائيلي في الحقل القريب “، فركض الجميع ليشاهدوا لأول مرة جثة لعسكري إسرائيلي ، في الواقع كانت أشلاء لعسكري أصيب بقذيفة مباشرة فإختفى نصفه السفلي نهائياً ووجد حينها بالقرب من مكان المسجد الجديد الذي أنشىء حالياً شمال مفترق بيادر العدس ، في بلدة المنارة ، هل كان زاخاريا باومل الذي أعيدت رفاته الى العدو الصهيوني ؟ إحتمال كبير .
وحضر الى أرض المعركة عدة مسلحين فلسطينيين قيل بعدها أنهم أخذوا أشلاء العسكري الإسرائيلي الى مركز عملياتهم في عيتا الفخار ، وبعد فترة طويلة كشفت الأيام أن الرفاة كانت قد نقلت الى سوريا حيث دفنت بشكل تقني في مخيم اليرموك ( جريدة المدن الإلكترونية) ليتم تسليمها مؤخراً الى العدو الإسرائيلي عبر صفقة أشرف عليها ضباط روس أخذوا الرفاة من مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بمساعدة طرف ثالث في الأغلب قد يكون هو الجبهة الشعبية – القيادة العامة ، وإستناداً الى معلومات إستخباراتية إسرائيلية زود بها الفريق الروسي المنفذ للعملية المعقدة .
وفي روايات لشهود عيان أيضاً أنه صباحاً ، وبعد ووقف إطلاق النار ، توجه عدد من الأشخاص الى موقع “بيادر العدس”النقطة المؤدية الى بلدة عيتا الفخار الحدودية مع الأراضي السورية ، يقول أحدهم “رأيت بأم عيني الملحمة التي كان أبطالها لا يزالون في أرض المعركة ، وقمت مع آخرين بتغطية جثث الشهداء بالبطانيات وكانت لفدائيين فلسطينيين ، وبعضها جثث لأفراد من الجيش السوري المحترقة داخل آلياتها بسبب تداخل الأليات السورية واليات العدو التي كان لا يزال منها ثلاث دبابات سليمة بعد أن سحب العدو قبل بزوغ الفجر ثلاث دبابات مثلها بواسطة طائرات هليوكوبتر عملاقة ، لكن بسبب المقاومة الشرسة لم يستطع سحب الدبابات التي بقيت في أرض المعركة” .
وقال شاهد عيان آخر: “عندما وصلت القوة الإسرائيلية ما بين حاجز بيادر العدس ومثلث السلطان يعقوب – المنارة ، فتحت النيران عليها بكافة الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة من القوات المشتركة اللبنانية الفلسطينية ، ومن مدفعية دبابات الجيش السوري الذي كان يتقدم من منطقة المصنع بإتجاه الجنوب . فأمر قائد كتيبة الدبابات الإسرائيلية جنوده بالإنسحاب للفرار بأقل عدد من الإصابات والتي كانت كبيرة في الأرواح والمعدات وبقيت العديد منها في أرض المعركة . وتمكنت بقايا القوة الإسرائيلية من الإفلات والهرب حوالي الساعة الثالثة من صباح الجمعة 11 حزيران ، وذلك حتى مثلث بلدة كفردينس تحت حماية القوة الثانية المتمركزة فوق تلال الرفيد والمحيدثة شمالي بلدة راشيا ، ومع بزوغ الفجر قام سلاح الجو الإسرائيلي بقصف عنيف للحدود اللبنانية السورية في منطقة المصنع . وعادت قوات جيش العدو للتقدم من مدخل بلدة كفردينس شمالي راشيا ، وعند وقف إطلاق النار الساعة 12 ظهراً وصلت الى مفرق بلدة مدوخا وفي ذلك النهار ، وبعد وقف إطلاق النار كانت قد تقدمت ودخلت بلدة مدوخا وبلدة بكا شمالي بلدة راشيا ” .

الجاسوس كوهين من ضمن صفقة التبادل
وكانت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية قد نقلت عن تقارير سورية، أن وفداً روسياً زار سوريا وغادر حاملاً تابوتاً يضم رفاة الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين، الذي أُعدم في دمشق في عام 1965 بعد مصادرة أجهزة تجسس متطورة من منزله في العاصمة السورية .
ولم تنف أية مؤسسة في دولة الإحتلال، بشكل رسمي، ما ورد بشأن نقل رفاة الجاسوس ، ولم يكشف تقرير الصحيفة الإسرائيلية عن موعد تسليم الرفاة، لكن في نيسان الماضي 2019 شكر رئيس حكومة العدو الصهيوني نتنياهو، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على إعادة رفاة الجندي الإسرائيلي زخاريا باومل الذي قتل في معركة السلطان يعقوب في عام 1982، وربما تكون جثة كوهين نقلت معه في يوم 3 نيسان 2019 .

مصير الجثث بالوثائق
وفي معلومات نشرتها جريدة المدن الإلكترونية جاء فيها نقلاً عن أحد التقارير العسكرية السورية التي كانت تأخذ طابع “سري جداً” بأن جثث وأشلاء جنود العدو الإسرائيلي الثلاثة زاخاريا باومل، تسفي فيلدمان ، يهوذا كاوتس ، من أفراد الكتيبة 362 / الفرقة 90 في جيش العدو، التي تمكن مقاتلون من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة من سحبها من دبابات وعربات العدو المحترقة في محيط قرية السلطان يعقوب اللبنانية ومخفر بيادر العدس الذي يشكل كذلك مدخل قرية عيتا الفخار الإستراتيجية وتشكل حلقة وصل مع المثلث المذكور بالداخل السوري تؤدي مباشرة الى طريق دمشق ، بمساعدة جنود من اللواء 81 في الفرقة الثالثة في الجيش السوري ، جرى دفنها في مكان سري خاص من مقبرة الشهداء في مخيم اليرموك (دمشق) بمعرفة مباشرة من الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة ، أحمد جبريل ، وطلال ناجي وعمر الشهابي من قيادة الجبهة ، وبإشراف تام من قبل رئاسة الفرع 235 /الضابطة الفدائية في شعبة المخابرات العسكرية ، علماً بأن شعبة المخابرات السورية إحتفظت بكافة متعلقاتهم الشخصية ، بما في ذلك لوحات التعريف المعدنية وشراشف الصلاة والكتب الدينية التي تعرض بعضها للإحتراق بشكل كبير.
الصحافة الدولية
ويسجل روبرت فيسك مراسل جريدة الأندبندنت حينها ، في كتابه “ويلات وطن” في الصفحة 261-260 أنه كان قبل ساعات أو في اليوم السابق للمعركة ، مر من المنطقة بإتجاه محور راشيا – ضهر الأحمر وقضى ساعات فيها أثناء تقدم الدبابات الإسرائيلة ، وقد رأى كيف كان عناصر الجيش السوري يقومون بتدشيم مواقعهم وربطها بأسلاك الإتصالات ، وسمى قرى السلطان يعقوب والمحيدسة (المحيدثة) والرفيد وخربة روحا ، ولكن فيسك إستغرب تماماً في معظم القرى التي مر فيها ، ومن ضمنها بلدة المنارة البقاعية ، وقوف الناس على سطوح المنازل بلا مبالاة شديدة أثناء اشتباك الطيران الإسرائيلي مع الطيران السوري مشيرين بأصابعهم نحو الطائرات وكأنهم يحيونها ، مع أنهم كانوا معرضين للإبادة بالصواريخ أو قذائف المدفعية العملاقة التي كانت منصوبة لدى الطرفين .
رواية الشرع
ومن زاوية أخرى روى نائب الرئيس السوري فاروق الشرع بعض تفاصيل تلك المعركة في كتابه “الرواية المفقودة”كالتالي :
“تقدمت المدرعات الإسرائيلية لحصار بيروت من جهة واحتلال طريق دمشق بيروت والسيطرة على الطريق الدولية من المصنع إلى ضهر البيدر من جهة ثانية لعزل القوات السورية والفلسطينية.
وفي البقاع تمكنت القوات السورية بقيادة العميد الركن علي حبيب قائد اللواء 58 من إيقاع الوحدات الإسرائيلية في كمين محكم . ولم ينجُ من الكمين إلا عدد محدود من رجالها ، وتم أسر أكثر من 8 دبابات بحالة سليمة.
كانت هذه هي معركة السلطان يعقوب، التي استمرت 8 ساعات بقتال ليلي ضار يوم 10 حزيران/ يونيو عام 1982.

مصادر ومراجع :
* جريدة السفير : حلمي موسى ، تحليل إخباري بتاريخ 10 كانون الثاني يناير 2001 بعنوان :
” معركة السلطان يعقوب تلاحق باراك”
* جريدة المدن الإلكترونية – 08/04/2019 وموقع لبنان 360 تقرير بعنوان : فرع فلسطين سلّم مقتنيات زخاريا باومل

* كتاب ” ويلات وطن” ل مراسل جريدة الأندبندنت روبرت فيسك الطبعة الأولى 1990
* كتاب الوزير فاروق الشرع ” الرواية المفقودة”.
* معلومات وصور من صفحة أحد المقاومين المشاركين في المعركة حينها ، زياد الحمصي.
* الرسومات والغرافيك : الزميل غسان فران

لمشاركة الرابط: