في 18 تشرين الأول من أواخر العام الماضي ، طن مصطلح ” معنى النعمة” الذي استخدمته عمتي سنا في رأسي وهي تروي على مجموعة من المحتفلين بها إثر فوزها بجائزة على دورها في تأهيل ضحايا التعذيب ما تعلمته من مرضاها أثناء مسيرة علاجها لهم…
روت يومها كيف تتراجع أحلام الضحية من قلب النظام الى تناول الطعام بالملعقة..
لا أخفي حجم تأثري بها وبالدور الإنساني الذي تلعبه ولطالما رددت ما تقوله على ظهر قلب منذ صغري إلا أن هذا المصطلح الذي استخدمته يومها رافقني منذ تلك اللحظة وحتى اليوم ولا أخفي أنه مع بداية أزمة كورونا يزداد طنينه في رأسي كل يوم ،لا كل لحظة…
وأنا أغادرلبنان بعد الإحتفال بها كنت ..أفكر ..بنعمة السفر الى لبنان ساعة أشاء ولقاء العائلة والأصدقاء ..أيام قليلة واندلعت الثورة في لبنان وصار طنين “معنى النعمة” يجعلني أقارن بين حياتي وحياة الناس بمدينتي..بين حياتي وحياة الناس في بلدي، فازددت حمداً لله ورضا داخلياً وقناعة من جهة وخوفاً على النعمة من جهة ثانية..الحمد لله ألف الحمد لله مليون الحمد لله أقول لوالدتي عندما تخبرني أن ألم ظهرها أصبح أخف وأن ضغط دم جدتي عاد لمعدله الطبيعي..ألف الحمد لله أقول لوليد في كل اتصال يجمعني به وهو من القاهرة وأنا من دبي ..”حبيبي كل شهر عم نلتقي ألف الحمد لله على هالنعمة…أما ابنتي فكنت ألومها لأنها مثلها مثل جيلها لا يعرف معنى النعمة التي يتمتع بها ..الأرض لا تسعه يريد كل شيء ولا يرضيه أي شيء…مع بداية أزمة كورونا لم تفارق إبنتي غرفتها لكني أكاد أسمع من عينيها طنين معنى النعمة في رأسها..لم تتذمر ولم تشتك إلا أن طنين معنى النعمة واضح في مستوى طلباتها وأسلوب حياتها…لا تريد أكثر من غيتار تعزف عليه وإنترنت تتكلم عبره مع أصدقائها ..أما وليد فيرضيه أنه كنا معاً في 22 شباط فبراير ونأمل معا أن نلتقي في 7 أيار مايو ويذكرني في كل اتصال يجمعنا ممازحاً بأننا بنعمة لأننا لسنا تحت سقف واحد في زمن الحجر حيث نسبة الطلاق بين الأزواج تقارب ال45%…
نضحك معاً قبل أن يكرر في ختام الحديث جملته الشهيرة :
Don’t take it for granted
نعم لا شيء مسلم به ولا شيء ثابت إلا التغير …
قلبت كورونا كل الموازين ،وتذكرة الذهاب الى القاهرة في 25 آذار مارس لم تعد صالحة …وبرامج وخطط العام كله أصبحت في مكان آخر…ولم يبق إلا طنين “معنى النعمة” يلازمني 24 ساعة على مدار الأسبوع…الحمد لله على العيش في بلد آمن تتوفر فيه كل مستلزمات الحياة الكريمة ..الحمد لله أن الأهل في لبنان بصحة جديدة ..الحمد لله أنني قادرة أن أساعد من يحتاج الى مساعدتي وألف الحمد لله على النعم التي أعيشها….أروي للين كلام عمتي عن معنى النعمة ونحن نحضر معاً طعام الغذاء الذي لم نحضره يوماً معاً لإنشغالي أو إنشغالها…نتمتع بكل لحظة نغني في بيتنا الصغير ونرقص ونطهو ونغسل الصحون ونفتح التطبيقات لنتكلم صوت وصورة مع العائلة والأصدقاء ونضحك معاً….أعتقد أن طنين “معنى النعمة” يجمعنا جميعاً على هذه الأرض في هذه الأيام …هذه الأزمة ستنتهي ولكن ما لا يجب أن ينتهي هو هذا الطنين.
دمتم بخير
هناء حمزة*
إعلامية لبنانية مقيمة في دبي