منذ أيام قليلة علَّق القضاة إعتكافاً دام أكثر من 45 يوماً لم تُعقد خلاله جلسات محاكمة ولم تصدر أحكام قضائية في الدعاوى العالقة أمام المحاكم.
من حق المواطن اليوم أن يتساءل : لماذا هذا الإعتكاف الذي أدى الى شل العدالة لمدة طويلة – أي شل أهم مرفق من مرافق الدولة؟
يمكن اختصار الجواب بأن الإعتكاف نتج عن شعور القاضي ، في ضوء موازنة التقشف، بأن الدولة تتعامل معه كموظف في القطاع العام وليس كعضو في السلطة القضائية.
ذلك أن الدستور اللبناني الصادر عام 1926 إرتقى بالقضاء الى مصاف السلطة، أسوة بالسلطتين التشريعية والإجرائية، خلافاً للعديد من الدول الراقية – بمن فيهم فرنسا التي ما تزال حتى اليوم لا تقر للقضاء بهذه الصفة.
ومع ذلك، فإن سلسلة رتب ورواتب القضاة بقيت حتى العام 1993 جزءاً من السلسلة التي ترعى موظفي القطاع العام. وعندما تسلمت مهامي في وزارة العدل كان حرصي الأول فصل سلسلة رتب ورواتب القضاة عن سلسلة الموظفين العامين بحيث يكون راتب الرئيس الأول لمحكمة التمييز معادلاً لمخصصات الوزير في حينه. وتقرر ذلك بالفعل في آخر العام 1993.
ومن جهة أخرى ، تقرر رفع مساهمة الدولة في صندوق تعاضد القضاة الى أربعة أضعاف ما كانت عليه لكي يستطيع الصندوق أن يوفر للقاضي وعائلته الطبابة والإستشفاء ويؤمن تعليم أولاده حتى انتهاء المرحلة الجامعية.
إن أهمية هذين الأمرين ليست في ما نتج عنهما من تقديمات مادية للقضاة بقدر ما ترتب عليهما من تعزيز ثقة القضاء بنفسه ومن شعور القاضي بأنه حقاً جزء من سلطة. وأن أي مساس بهما اليوم سوف يشكل نكسة في مسار هذه المؤسسة.
إلا أن المواطن يطلب، بالمقابل، أن يثبت القضاء إستقلاليته بالنسبة للسلطة التنفيذية وأن يبقى بمنأى عن مداخلاتها في كل ما يتعلق بشؤون القضاء.
ذلك أن الأهم في دولة القانون هو أن يكون ثمة قضاء، نزيه وموثوق ومستقل، يضمن حسن تطبيق القوانين ويصون الحقوق والحريات ويحول دون وقوع الظلم على المواطن.
وزير العدل السابق د. بهيج طباره
ورئيس طاولة حوار المجتمع المدني