برحيل اللواء سامي الخطيب تفقد جُبْ جَنّينْ ولبنان وجواره رجل دولةٍ من الطراز الرفيع، حيث خدم وطنه لمدة 45 عاماً بكلّ إخلاص وتفانٍ. جاء في الزمن الصعب، فعاصر أحداث سنة 1958، ثم محاولة انقلاب سنة 1961، فإنطلاق الثورة الفلسطينيّة من لبنان كما الأردن اعتباراً من سنة 1965 واستمّرارها حتى سنة 1982 وما بعدها وما سببته للبنانيّين وللفلسطينيّين من مشاكل ومآس وكوارث وإنْ كان سببها الرئيسي العدو الإسرائيلي الذي اغتصب فلسطين واجتاح لبنان أكثر من مرّة، ولا ننسى استضعاف العرب لنا ، واندلاع الحرب الأهلية لمدة خمسة عشر سنة (1975-1990).. وبالإضافة إلى هذا الوضع المعقّد والكارثي الذي عرفه وطننا، كان على سامي الخطيب أن يسير على حافة الهاوية بين يمينٍ ويسارٍ ولبناني وسوري وعربي.. كما تعرّض لحملات عديدة، واتهم بأمور شائنة، وصمد أمام كل هذه التحدَيات بصبرٍ وحكمة
وعنه كتب الصحافي الكبير طلال سلمان ما يلي:
العرّافة “أبو بديع”! بقلم طلال سلمان
حتى في أيام الشقاء التي نعيش ظلّ سامي الخطيب “عميد المجالس” حين تنعقد، واستمّر حاضراً وقادراً على اختراق الحواجز والسواتر ومكنونات السرائر، بحكم تراث خبراته في كشف المخبوء واستشفاف المحجوب عن البصائر والعيون.
وسامي الخطيب الذي اقتحم الحياة المدنيّة والسياسيّة عموماُ من باب العسكر، بالكاد عرف الجنديّة.. برغم أنه يحمل الآن رتبة “عميد”، وبرغم أنه لعب دور العسكريّ الأول على امتداد سنوات أو يزيد، ومن موقع “قائد قوّات الردع العربية” الذي كان عديدها عندما عُقد له لواء قيادتها أكثر من ضعفي عديد الجيش اللبناني.
ف سامي الخطيب مولودٌ والسياسة في دمه، والبعض يقول أنّه رضعها مع الحليب، برغم أنه يتحدّر كأهل جُبْ جَنِّين عموماً من أصول فلاحية ندر أن عرفت السياسة أو تعاطتها.
كان ضابطاً صغيراً حين اكتشف فيه فؤاد شهاب، وربّما عبر مدير مخابراته أنطون سعد، شغفه بالسياسة، وقدرته على التصرّف في المسائل الشائكة والمعقّدة، وهكذا قُدّر له وهو “نقيب” أن يلعب دوراً خطيراً ومؤثراً في الحياة السياسية، كان يستمّد شرعيّته من موقعه في المخابرات العسكريّة (المكتب الثاني) الذي كان يسمّيها البعض الحزب السياسي لفؤاد شهاب والذراع العسكري للشهابيّة. ومع أنّ العاملين في مثل هذه الأجهزة يخرجون عادةً برصيدٍ كبيرٍ من العداوات، فإنّ سامي الخطيب خرج بكنوزٍ من الصداقات التي عمل على رعايتها بعنايةٍ حتى دامت له.. وصداقاته للمناسبة متنوّعة وشاملة للقطاعات جميعا.. ربما بسبب تنوّع إهتمّاماته وهواياته.
ف أبو بديع بين العسكر ليس عسكرياً بين السياسيين بل هو “منهم وفيهم” حتى ولوكانت النجوم على كتفيه، ثم إنّه – وهو ابن الفلاّحين – لاعب غولفٍ جيّد المستوى في ملعب الرأسماليين وأبناء الذوات.. فلا هو ترك الأغنياء يعقّدون عليه حياته التي عرف كيف يجعلها حياة أغنياء، ولا هو خجل بأصله الفقير وترك الفقر يطارده كاللعنة”.
(السفير، الإربعاء 5/2/1986)
رحم الله فقيدنا الغالي وأسكنه فسيح جنانه، وألهم أفراد عائلته الصبر والسلوان.
د. أحمد طالب *
أستاذ جامعي في الجامعة اللبنانية والأميركية