قراءة في سياسة التحالف الصهيو – أميركي في الشرق الأوسط…بقلم فادي قدري أبو بكر

دخلت الولايات المتحدة الأمريكية المنطقة العربية غداة الحرب العالمية الثانية، نتيجة تراجع كل من بريطانيا وفرنسا، ونشوء فراغ قوة، وبداية التسابق مع الاتحاد السوفيتي في إطار الحرب الباردة لكسب مناطق نفوذ في العالم. شكلت القضية الفلسطينية والصراع العربي- الإسرائيلي، منفذاً آخر دخلت بواسطته إلى المنطقة العربية، نتيجة الدور الكبير الذي لعبته في إقامة دولة إسرائيل وبسبب العلاقات المميزة التي نشأت بعد ذلك بين الدولتين. بعد سقوط المعسكر الاشتراكي، وانهيار الاتحاد السوفييتي، وانتهاء الحرب الباردة، لم تسقط الأهمية الحيوية للمنطقة العربية في الاستراتيجية الأميركية، وإن جرى تعديل على بعض التوجهات والسياسات.
تقدم هذه الورقة قراءة في سياسة التحالف الصهيو- أمريكي في الشرق الأوسط في ضوء النزاعات العربية ، متخذة (الحرب العراقية اليمنية عام 1980) و (الحرب السعودية الحوثية عام 2015) أنموذجان؛ منطلقة من فرضية مفادها، أن السياسة الصهيو- أمريكية إزاء النزاعات العربية لم تتأثر بإنهيار الاتحاد السوفياتي، على الرغم من أن هذا الحدث شكل نقطة تحول في السياسة الخارجية الصهيو- أمريكية، ما يعكس مدى أهمية المسرح الشرق أوسطي وفي نطاق أضيق المسرح العربي في ميزان المصالح الاستراتيجية لها.
الحرب العراقية – الإيرانية (حرب الخليج الأولى)
نشبت الحرب العراقية – الإيرانية والتي عرفت بإسم ( حرب الخليج الأولى ) في العام 1980 واستمرت حتى العام 1988، مخلفةً وراءها نحو مليون قتيل وخسائر مادية بلغت 400 مليار دولار أمريكي.
على الرغم من اتخاذ الولايات المتحدة الأمريكية موقفاً محايداً نسبياً في المرحلة المبكرة من الحرب (السنتين الأولتين)، إلا أنها دعمت العراق بعدها تكنولوجياً، وأقامت علاقات دبلوماسية معه، كما دعمت العمليات العسكرية العراقية ضد إيران، وقامت بتنفيذ هجمات عسكرية ضد المنشآت العسكرية وغير العسكرية الإيرانية . من جهة أخرى فقد دعمت الولايات المتحدة الأمريكية بشكل سري إيران بالسلاح، وهذا ما كشفت عنه الصحافة الأميركية في عام 1986، فيما سمي فضيحة (ايران – غيت). حيث زودت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان إيران بأسلحة تقدر ببضعة مليارات من الدولارات، وذلك رغم الحظر المعلن على بيع الأسلحة إليها .
في نفس السياق، دعمت “إسرائيل” إيران في حربها مع العراق، ومن مظاهر ذلك ما كشفت عنه صحيفة «التايمز» البريطانية عام 1981 عن تعاون عسكري بين إيران وإسرائيل بتسليم الأخيرة ثلاث شحنات أسلحة لإيران، وما كشفت عنه مجلة «ميدل إيست» البريطانية في العام ذاته عن إمداد إسرائيل إيران بالسلاح مقابل الحصول على النفط الإيراني.
يتبين من سياسة التحالف الصهيو- أمريكي إزاء الحرب العراقية الإيرانية، أن هذا التحالف لم يكن يريد لأي من الجانبين أن يحصل على أية ميزات ، فلقد كان يريد من كل منهما أن يجهز على الآخر. كما أنه لم يسمح لفريق بالانتصار على الآخر، وكل هدفه كان تدمير قوى الطرفين، وفرض سيطرته على الإثنين، وتعميق الخلاف السني الشيعي بين البلدين.
الحرب السعودية الحوثية
شن ائتلاف مكوّن من عدة دول عربية بقيادة السعودية ، حرباً على الحوثيين في اليمن بتاريخ 25 آذار/مارس من عام 2015، تحت مسمى (عملية عاصفة الحزم )، وعلى الرغم من إعلان السعودية في 21 نيسان/ ابريل 2015 انتهاء عملية عاصفة الحزم، إلا أن القصف الجوي والحصار البحري ما زال مستمر وتتلقى السعودية وحلفاءها دعماً لوجيستياً مباشراً من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، التي بدورها سارعت أيضاً لبيع الأسلحة لدول التحالف، ونشرت هي وبريطانيا أفراداً عسكريين في مركز القيادة والسيطرة المسؤول عن الضربات الجوية بقيادة السعودية في اليمن.
في المقابل تعتبر إيران الداعم المالي الرئيسي لحركة الحوثيين، كما أن قطر تقدم الدعم للحوثيين وإن كان هذا ليس علنياً ، فإن هناك العديد من شواهد الدعم القطري للحوثيين يتمثل أبرزها فيما يلي:
الدعم المالي: تقدم قطر دعماً مالياً للحوثيين بشكل غير علني، فعلى سبيل المثال تعهدت قطر في العام 2007، إبان تدخلها كوسيط بين الحكومة اليمنية وحركة الحوثيين، بدفع 300 إلى 500 مليون دولار للمساندة في إعادة إعمار محافظة صعدة، وهي معقل الحوثيين وساحة قتال . في نفس السياق أكّد فضل الربيع ، رئيس مؤسسة مدار للدراسات الاستراتيجية في عدن: “أن قطر أرسلت ملايين الدولارات لليمن لأغراض إعادة الإعمار في صعدة، إلا أن المال تم توجيهه إلى مكان آخر ، ولم يحدث أي عمل في صعدة “.
الدعم الإعلامي: توفر قطر منفذا إعلاميا للحوثيين عبر قناة الجزيرة (القناة التلفزيونية القطرية)، حيث تستضيف قادة الحوثيين في برامجها وأخبارها. وعلاوة على ذلك، أفادت وسائل الإعلام المحلية في اليمن أن قناة الجزيرة تسعى إلى إعادة فتح مكتب القناة في صنعاء، التي تقع تحت سيطرة ميليشيات الحوثيين .
الدعم السياسي: إن تدخل قطر كوسيط في الأزمات اليمنية منذ العام 2008م، وما تخللها من إفراج عن مساجين حوثيين في السجون اليمنية، وتأمين خروج بعض قياداتهم إلى الدوحة ومن أبرزهم عبد الملك الحوثي، إلى جانب تولي دفع مساعدات وتعويضات وإعادة الإعمار، كله يأتي في سياق مساعدة الحوثيين على إعادة ترتيب أوراقهم، وفرض وجودهم كجزء من معادلة النظام في اليمن .
إن شواهد الدعم القطري للحوثيين تعززه حقيقة أنه بالرغم من مواجهة الحوثيين حرباً جوية من عدة دول عربية، وحصاراً بحرياً، وحرباً برية من قبل الحكومة اليمنية، إلا أن قوتهم ما زالت صامدة لم تدمر، مما يعني أن الدعم الذي يتلقاه الحوثيين يتجاوز الدعم الإيراني إلى القطري وغير القطري أيضاً.
ولا يمكن أن يمر هذا الدعم القطري من دون موافقة أميركية – إسرائيلية، ولا يمكن أن نغفل حقيقة متانة العلاقات القطرية – الأميركية – الإسرائيلية ، فقطر ما زالت تستضيف كبرى القواعد الأميركية في المنطقة وتقيم علاقة استراتيجية مع الولايات المتحدة، إلى جانب مدها الجسور مع إسرائيل، التي تجاوزت العلاقة بينهما أبعادها الاقتصادية إلى علاقات شبه كاملة.
تشير التقديرات إلى أن حجم خسائر اليمن المادية تجاوزت ال 100 مليار دولار، أما فيما يخص الخسائر البشرية فقد قتل وأصيب حوالي 37000 مدنياً بينهم اطفال ونساء جراء العدوان على اليمن حتى نهاية عام 2018. في المقابل تكبدت السعودية خسائر مادية وبشرية فادحة، حيث سرت أنباء أن عدد القتلى يلامس الخمسة آلاف جندي ، وأنها خسرت عشرات مليارات الريالات ، ما أدى إلى تآكل احتياط المملكة النقدي الذي فقد أكثر من 35% منه منذ بداية الحرب، وشكل أحد أبرز أسباب عجز ميزانية الدولة السعودية.
لم ينتصر أحد في هذه الحرب، وما زالت كل من اليمن والسعودية تُستنزفان؛ استنزافاً جعل من السعودية الزبون الأول عالمياً فيما يخص صفقات الأسلحة، فالولايات المتحدة تستنزف السعودية مادياً بإقامة صفقات بالمليارات معها، دون أن تتدخل بشكل مباشر مع “حليفتها” في الحرب على الرغم من استجداء الأخيرة لها للتدخل. أما اليمن فقد تدمرت بنيتها التحتية و تحتاج عقوداً من الزمن لتعود إلى الاستقرار.
خاتمة
أدّى غياب الاتحاد السوفياتي إلى إحداث تغييرات وتعديلات جوهرية في ملامح السياسات الخارجية الصهيو- أمريكية في الشرق الأوسط على اعتبار أن “الشر” الأعظم قد تبدد، إلا أن هذه السياسة إزاء النزاعات العربية – العربية على مدى العقود الأربعة الأخيرة لم تتغير، وما الحرب العراقية – الإيرانية عام 1980 والحرب السعودية – الحوثية عام 2015 إلا أمثلة حية تثبت هذه النظرية.
إن سياسة خلق الفزاعات المهلهلة ، واستنزاف القوى العربية دون انتصار، هي بلا شك أحد أعمدة الاستراتيجية الصهيو- أمريكية في الشرق الأوسط كونها تحقق أهداف سياسية واقتصادية بأبخس الأثمان، وتدلّل وجوباً على أن استقلالية القرار العربي وتوفر أي شكل من أشكال الوحدة العربية هو شر عظيم وخطر استراتيجي بالنسبة لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل.
فادي قدري أبو بكر*
كاتب وباحث فلسطيني
[email protected]
الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي كاتبها ولا تتفق بالضرورة مع رأي الموقع .

لمشاركة الرابط: