قصة أسر الفرقاطة الأميركية فيلادلفيا بيد الليبيين …إعداد د. عبد الرزاق بن حليم

لماذا تذكر طرابلس الغرب في نشيد البحرية الأميركية حتى الأن ؟
لا يزال ساري السفينة الأميركية فيلادلفيا مرتفعا في ركن السراي الحمراء على شاطىء طرابلس الغرب ويطل على ميدان الشهداء شاهدا على فترة كانت فيها طرابلس قوة لا يستهان بها في شمالي أفريقيا . كما يرتفع مجسم للسفينة فيلادلفيا فوق عمود يصل ارتفاعه الى 20 متر ، وهذا المجسم هو رمز للباخرة التي أسرها الليبيون من الأسطول الأميركي في 31 تشرين الأول أكتوبر 1803م ، حيث تمكنت البحرية الليبية في مدينة طرابلس الغرب من أسر الفرقاطة (المدمرة) فيلادلفيا وعلى متنها 308 من البحارة الأميركيين إستسلموا جميعا وعلى رأسهم قائدها القبطان بينبريدج Bainbridge وعندما عجز الأميركيون عن استرداد السفينة تسللوا إليها وقاموا بإحراقها حتى لا تقع في أيدي الليبيين.
الفرقاطة البحرية فيلادلفيا USS Philadelphia التابعة لبحرية الولايات المتحدة الأميركية، كانت تحمل 44 مدفعا . تم تسميتها نسبة إلى مدينة فيلادلفيا ، وكانت قد بنيت بين عامي 1798- 1799 لحكومة الولايات المتحدة من قبل مواطني مدينة فيلادلفيا، بنسلفانيا. وقام بتصميمها المهندس البحري الأميركي جوزيف فوكس (1763-1847)، في حين تولى الإشراف على بنائها صامويل همبفريز (1778- 1846) وهو مهندس من سلاح البحرية الأميركية ، إضافة لنثانيان هوتن وجون دلفو.
بدأ العمل في إنشائها في 14 نوفمبر تشرين الثاني 1798م ، ووضعت في الخدمة في 28 نوفمبر 1799م .
وفي 5 نيسان أبريل 1800م ، تم تكليف القبطان ستيفن ديكاتور (1752-1808) بقيادتها. حيث تم وضعها في البحر لتنفيذ مهمات عسكرية في جزر الهند الغربية للمشاركة في حرب كانت غير معلنة بين الولايات المتحدة وفرنسا عرفت بإسم “حرب القراصنة” ودارت بين عامي (1798– 1800).
وصلت إلى محطتها في جزيرة غواديلوب في أيار مايو 1800م ، لتحل محل الفرقاطة كونستيلاشن Constellation . وخلال هذه الرحلة قامت بأسر 5 سفن حربية فرنسية، كما استعادت 6 سفن تجارية كانت قد سقطت في أيدي الفرنسيين .
وعادت الفرقاطة إلى الولايات المتحدة في آذار مارس من عام 1801م ، لتتلقى الأوامر للمغادرة في رحلة تستمر عاما في البحر المتوسط كجزء من الأسطول الذي يقوده ريتشارد ديرل (1756-1826 ) الضابط في البحرية الأميركية ، ليغادر الأسطول مع القائد ديرل على متن الفرقاطة بريزيدنت President ويصل إلى جبل طارق في 1 تموز يوليو 1801م .


وواصلت فيلادلفيا الرحلة عبر المتوسط لتصل الى سواحل شمالي أفريقيا ، وتحاصر سواحل طرابلس الغرب، وكان باشا طرابلس يوسف القره مانلي قد هدد بإعلان الحرب على الولايات المتحدة (الحرب البربرية الأولى بين عامي 1801-1805) .
وغادرت “فيلادلفيا “جبل طارق نحو الولايات المتحدة في 11 أيار مايو 1802م لتصل في أواسط تموز يوليو . وفي 21 أيار مايو 1803م تمت إعادتها مجددا نحو البحر المتوسط لتبحر مجددا في 28 تموز يوليو ولتصل إلى مضيق جبل طارق في 24 آب أغسطس ، وكانت تحت قيادة القبطان وليام باينبريدج (1774-1833) ، وبعد يومين إستعادت السفينة الأميركية ذات الشراعين سيليا Celia من السفينة الحربية المغربية ميربوكا التي تحمل 24 مدفعا و100 رجل وأخذتهما كليهما إلى ميناء جبل طارق .
وأبحرت فيلادلفيا قبالة سواحل طرابلس الغرب في 31 أكتوبر تشرين الأول 1803م لتجنح في الصخور خارج ميناء طرابلس ، ولتبوء كل المحاولات لإبعادها عن مرمى المدافع المنطلقة من الشاطئ والقوارب الحربية الطرابلسية بالفشل ، ولتعلن استسلامها للطرابلسيين ، ويقع قبطانها والطاقم أسرى بيد قوات باشا طرابلس ، وتمكنت البحرية الليبية في مدينة طرابلس من أسر الفرقاطة المدمرة وعلى متنها 307 بحارا أميركيا إستسلموا جميعا وعلى رأسهم قائدها الكابتن بينبريدغ .
إحراق الفرقاطة
إعتبرت الفرقاطة فيلادلفيا جائزة كبيرة تقع في أيدي الليبيين في طرابلس، لذلك صدر القرار إما بإستعادتها أو بتدميرها. وعندما عجز الأمريكيون عن استرداد السفينة تسللوا إليها وقاموا بإحراقها في 19 شباط فبراير 1804م إذ قامت مجموعة أميركية على متن المركب إنتربيد ، وهو مركب عسكري بصاريتين ، بالصعود ليلا إلى السفينة الراسية، وبإشعال النار فيها وهي عملية إعتبرها الأدميرال البريطاني هوراشيو نيلسون ” أكثر الأعمال بطولية في العصر” حسب قوله.
وبعد أكثر من نصف قرن تمت إعادة مرساتها إلى الولايات المتحدة الأميركية في 7 نيسان أبريل من عام 1871م حين قام باشا طرابلس وقتها بإهدائه أثناء زيارة السفينة غورير “Guerriere” لميناء طرابلس .
بلغ وزن الفرقاطة فيلادلفيا 1240 طنا ، فيما بلغ طولها 40 مترا، أما عرضها فقد بلغ 11.9 أمتار، وعمقها 4.1 مترا . وكان طاقمها مؤلفا من 307 عسكريين بينهم ضباط . أما ترسانتها فكانت مكونة من مدافع 18×28 و 16×32.
وقد شكل حادث السفينة فيلادلفيا حافزاً قوياً للولايات المتحدة الأميركية للإهتمام بتأسيس بحرية قوية إتخذت نشيداً لها مازال يردده جنودها في صباح كل يوم إلى الآن . ويقول مطلعه ” من قاعات مونتيزوما إلى شواطئ طرابلس نحن نحارب معارك بلادنا في الجو والأرض والبحر ”
[email protected]
المراجع :
موسوعة ويكبيديا
جلال يحيى: المغرب العربي الحديث والمعاصر – الهيئة المصرية العامة للكتاب –الإسكندرية- 1983م.
يلماز أوزتونا: تاريخ الدولة العثمانية- ترجمة عدنان محمود- منشورات مؤسسة فيصل للتمويل- تركيا- 1990.
شوقي عطا الله الجمل: المغرب العربي الكبير في العصر الحديث- مكتبة الأنجلو-القاهرة – 1977م.
يوسف فهمي الجزايرلي: أرض البطولة- الجزائر- الإسكندرية- 1964م.

إعداد الدكتور عبد الرزاق بن حليم *
كاتب وإعلامي ليبي
London, Joshua E. Victory in Tripoli: How America’s War with the Barbary Pirates Established the U.S. Navy and Shaped a Nation. New Jersey: John Wiley & Sons, Inc., 2005. ISBN 0-471-44415-4

لمشاركة الرابط: