عند المدخل الغربي لبلدة جب جنين ، التي تشكل المركز الإداري للبقاع الغربي ، معلم تاريخي عاد الى قائمة المواقع السياحية الهامة في البقاع الغربي بعد ترميمه ، هو جسر جب جنين الأثري ، وكان يشكل طريق العبور الوحيدة ما بين شرق سهل البقاع وغربه ، يفصله مجرى الليطاني ومستنقعاته العميقة نسبياً حينها ، والذي كان يسير جنوباً بإتجاه سهل القرعون حيث أنشئ السد الشهير لتنظيم تدفق نهر اليطاني وتوليد الطاقة الكهربائية في أيام الخير وقبل كوارث التلوث والأمراض والشح .
تم بناء هذا الجسر فوق مجرى نهر الليطاني بطول 80 متراً ، وبإرتفاع حوالي ثلاثة أمتار، وبعرض نحو مترين ، وهو مؤلف من 13 قنطرة مختلفة الأحجام ترتكز على قواعد من قطع حجرية ضخمة نسبياً صممت بطريقة فنية لتبعد تدفق الماء والتيار عن أساساته ، تمت إعادة استخدامها من بقايا قلاع رومانية مهدمة في أمكنة متفرقة في البقاع الغربي .
ويعود إنشاء الجسر الحجري إلى العهد الروماني ، وهو بقي قيد الإستخدام حتى عام 1958 وفي كل مفصل تاريخي هام كان عرضة للتهديم أو التخريب وحتى التفجير ، وبعدها تم بناء جسر موازٍ له ليتقاعد ويبقى من التراث الأثري . ويؤكد خبراء الآثار أن قواعده الضخمة تعود الى الفترة الرومانية.
خلال الإجتياح الإسرائيلي للبقاع الغربي وجنوب لبنان في عام 1982، أقام جيش العدو الإسرائيلي موقعاً عسكرياً بالقرب منه ، وقام أفراد العصابات الصهيونية بالتنقيب عن الآثار في التل المجاور له كما فعلوا في تل كامد اللوز الأثري القريب الغني بالآثار الرومانية ونهبوها بالإعتماد على خرائط كانوا يحملونها معهم .
ويعود الجسر القائم حالياً الى الفترة العثمانية ، وقد تم ترميمه وتأهيله خلال فترة الإنتداب الفرنسي ، ومن المتوقع أن تكون تلك العملية آخر عملية تأهيل للجسر التاريخي، أما في عهد الدولة اللبنانية فقد أُنشئ جسر ثانٍ مواز يبعد أمتاراً قليلة عنه ، وأهمل الجسر القديم لأكثر من خمسة عقود .
يتألف القسم العلوي من الجسر من حجارة أصغر حجماً ، ومن قياسات مختلفة تدل على أن هذا الجسر خضع لعدة عمليات ترميم خلال عمره المديد ، وخلال حقبات تاريخية متعاقبة ، وبخاصة بعد عدة فيضانات شهدتها المنطقة عندما كان يرتفع منسوب المياه بشكل غير اعتيادي ليهدد سلامة جسم الجسر التاريخي الذي شهد أوج استخدامه في القرن الثامن عشر حيث كان يتم نقل الغلال والحبوب والبضائع على ظهور الدواب والخيول وعربات الخيل الى الجهة الغربية وبالعكس .
خلال حقبات تاريخية مختلفة ، إنهار الجسر بشكل جزئي عدة مرات ، وتم ترميمه وتدعيمه مؤخراً من قبل مديرية الآثار، ليصبح معلماً تاريخياً أثرياً ، بهبة مقدمة من السفارة الأميركية في لبنان ، وبمعاونة بلدية جب جنين وجمعية ” تراثنا” وأقيمت بجانبه حديقة أنيقة وممرات حجرية مزروعة بالورود ، وأدت عملية الترميم الى اكتشاف الأجزاء الجانبية منه والتي كانت مطمورة تحت طبقة من الردميات والأتربة ، وهو حالياً يعد معلماً سياحياً حضارياً ، بينما يستخدم الجسر الحديث الموازي له لحركة السيارات والشاحنات الى بلدة جب جنين ، ويشكل المدخل الغربي لها ، وتعتبر البلدة المركز الإداري للبقاع الغربي وتبعد عن بيروت 68 كلم ، وترتفع عن سطح البحر 930 متراً .
ويبقى الجسر شاهداً تاريخياً على أيام ازدهار ووفرة المياه إذ أن مجرى المياه صار شحيحاً وتحول الى روافد أصغر ، وبقيت قناطر الجسر التاريخية شاهداً حياً للتاريخ ومعلماً سياحياً يستحق المشاهدة .