فيروز في عيد ميلادها الـ 83 الظاهرة المتجدِّدة أبداً..بقلم د.فاروق الجمال

تحتفل فيروز «عصفورة الشرق» بعد أيام بعيد ميلادها الـ «83» السفيرة التي أختارت الصمت والغياب في «الرابية» وعدم الظهور بإرادتها… وصراع الأولاد و…الأحفاد.
وشكلت للعالم الظاهرة المتجددة أبداً، واداؤها تميز بالنضج والمرونة والتمكن الشديد من التعبير. فكان ميلادها كل عام، ميلاد لبنان الجديد في عيد ميلادها الجديد.. وهي تردد: «أصحابي كتار وأهمهم… الغيتار! ولو ان المجتمع يعج بالوجوه المقنعة والدجالين والمتاجرين تقول عصفورة الشرق.
البوتوبيا، أو (المدينة الفاضلة) التي طالما حلم بها الرحابنة، وتغنوا بها في أعمالهم، وفي طليعتها «ملوك الطوائف» و«الشخص» و«زاد الخير» تُهدّد الملك الظالم: «ما بيصير ملك بلا شعب»؟!.
وكانت «غربة»، ترعد في شعبها الثائر: «منكمل باللي بيقبو»، وكانت «عطر الليل» تركع لمجد لبنان: «هدمت الحروب المدن»، «ووعدي الك» و«خلي الدني تغنيلك ونذورتي الك».
ويتفاعل شعب لبنان الطيب يتفاعل الجميع على عقد من اللؤلؤ، يأخذ كل فريق حبة… وينفرط العقد؟!.
حتى أنسكب صوتها، كما من الغيب، «العدالة كرتون» الحرية كذب، وكل حكم في الأرض باطل، لكن صوتها الفيروزي.. راح يرش الإيمان فوق سطوح لبنان.
طوبى لأبنة «الدبية» حيث كانت «الولادة الأولى»، فقد صار صوتها جزءا من حياتنا اليومية، وكانت واحدة للبنان الواحد على مدى خمسة عقود، ولم يتقسم صوتها عند «المتاريس»؟! وظل صوتها الذي من عند الله:
يا ورق الأصفر، عمتكبر، عمتكبر
طرقات البيوت، عمتكبر، عمتكبر
بتخلص الدني، وما في غيرك يا وطني
ليست صدفة ان يتزامن عيدها وعيد ميلاد الأخوين محمّد وأحمد فليفل اللذان أكتشفا الفيروز في خمسينات القرن الماضي، واستطاع صوتها الآتي بمرسوم من السماء أن يوحد اللبنانيين والعرب.
وترنمت برائعة سعيد عقل لـ «مكة المكرمة»:
غنيت مكة… أهلها الصيدا
والعيد يملأ اضلعي عيدا
لقد حملت رائعة سعيد عقل شعار الرحمة والغفران والعدالة، والمحبة، وحيث يعود الإنسان لفطرته الأولى، النقية كما خلقه الله بعيداً عن الخبث والحقد، والدنس، تلك الكعبة المشرفة أجمل مخلوقات الله وأرقاها في صورتها الأولى. والذي قدمته جارة القمر للعالم الإسلامي والمسيحي في أبهى الصور وأكثرها ابداعاً، حلم تلميذة «الأخوين محمّد والد العميد حسان فليفل وعمه الموسيقي الوطني النابغة للوطن… بلد الخير والجمال والطبيعة الذي يسكنه أهل الضياع الخيرة الطيبون ويعمره أبناؤه المخلصون».
وعلى عتبة احتفالية فيروز بعيد ميلادها الثالث بعد الثمانين قدمت نحو (1005) أغنية و(70) ألبوماً و22 مسرحية.
«ميس الريم» أغنية من العصر الذهبي لفيروز والرحابنة في منتصف السبعينات عندما بلغ صوت فيروز قمّة النضج والحرفية في آن واحد قبل أن يمنحها قوة الصوت في (الهبوط الطفيف) التدريجي الذي بدأ في الثمانينات من القرن الماضي ليفسح المجال لمساحات أكبر من الحرفية مع بقاء عذوبة الصوت.
وعلى (باب الطفولة).. تعود لتركض في شمس الطرقات وترد لها ضحكات (اللي راحوا) في زوايا الساحات.
دخلت إلى كل بيت عن طريق المسرح والتلفزيون والاذاعة، فجاءت ذاكرة «الاخوين رحباني» (ذاكرة الوطن) فشكلت ظاهرة ابداعية.. اختزل فيها شغف الوجودية بقول عمر أبو ريشة ونهر الحياة العظيم.
سعيد عقل صاحب الرصيد الشعري الأكبر في مشوار «عصفورة الشرق» «والورد عالشباك» أروع ما غنته لرئيس جمهورية الشعر، وفيروز والرحابنة تماهي مع سعيد عقل أبعد من أن تختصره مئات القصائد بالعامية اللبنانية المحكية، والعربية الفصحى، عدا واحدة منها للموسقار محمّد عبد الوهاب.
القصيدة الاستثنائية الثانية عام 1966 وغنتها فيروز لها أكثر من عنوان: «اجراس العودة» و«الآن الآن وليس غداً» وهي بالتأكيد «سيف فليشهر» وصرخت خلال الحرب باشعار جبران «الويل لأمة مقسمة وكل ينادي أنا أمة».
مهرجانات الأرز الدولية هي من جاءت بشعر جبران إلى «عصفورة الشرق» و«فعل المحبة» من كتاب «النبي» سجل تسع مرات، وغنت الأرض لكم، في الأمم المتحدة وفي الصليب الأحمر في جنيف، وبعد انفصالها عن الرحابنة أصدرت أسطوانة: «ذهب أيلول» و«جايبلي سلام» تطلقها فرنسا احتفالاً بالمئوية الثانية للثورة الفرنسية واستمتعت عن غناء لحن «فريد الأطرش» وانسي الحاج «أحبها يا رهاب».
وهارون الرشيد وأبو سلمى وفوزي العمري ثلاثة شعراء فلسطين غنت لهم، وأهداها أهل القدس «مزهرية» فغنت لهم «مريت بالشوارع» وأول عمل فدائي لها عن فلسطين خرج عبر أثير «صوت العرب» حتى الأغنية تصير (عواصف وهدير) من «راجعون» 1955 – 1968.
غنت في «صوت العرب» بعدما عرف عنها «أحمد سعيد» وللنيل عام 1955، وقطع عبد الوهاب زيارته للندن للأستشفاء ليستقبل الرحابنة بمطار القاهرة، ورفضت عرض أنور وجدي السينمائي.
وغنت فيروز على موسيقى «بيتهوفن» يا سفيرتنا إلى النجوم..
«يا عصفورة الشرق» كل سنة وأنت سفيرة أرز لبنان؟!.
عيوننا… ترحل إليك كل يوم.
المصدر_اللواء

لمشاركة الرابط: