سبق ونبهنا مما يجري في مرفأ العاصمة الحيوي ، مرفأ بيروت ، في ظل وجود اللجنة المؤقتة لإدارة المرفأ ، وثمة معلومات تفيد أن قرارا ما يدبر في الخفاء لهذا المرفق الحيوي الذي يعد المورد الرئيسي لخزينة الدولة اللبنانية ، وأن الوضع الجمركي لم يعد كما كان في السابق لأن هذه الإدارة دخلت في المحظور في ظل التجاذبات وعدم الإتفاق بين مكوناتها ، مما أربك الموظفين ومخلصي البضائع والتجار ، وانعكس سلبا على مجريات الأمور والتأخير في إنجاز المعاملات ، وبقاء البضائع مدة أطول في المرفأ ، الأمر الذي يرتب أعباء إضافية ومصاريف جعلت التاجر يفكر جديا أن يشحن بضائعه الى مرافئ أخرى ، أو أن يلجأ الى التهريب عبر الحدود البرية أو أي معبر آخر ، ويجد من يسهل له كل الإمكانات لتسليمه البضائع وبأسعار مخفضة وبأقل كلفة من مرفأ العاصمة .
مرفأ بيروت قبل الحرب
وفي هذا الإطار نعود بالذاكرة الى ما قبل عام 1975 يوم كان مرفأ بيروت بحجمه المتواضع من أفضل المرافق في الشرق الأوسط ، وبخاصة على صعيد عمليات التفريغ بواسطة الترانزيت عبر سوريا الى الخليج والعراق ، وكان العمل في أوج ازدهاره في المرفأ علما بأن المعاملات كانت تنجز باليد والعمل يجري بداخله ليلا نهارا .
وبعد انتهاء الحرب المشؤومة في لبنان بدأ بناء الدولة والمؤسسات الحكومية ومنها إدارة الجمارك ، والمباشرة بمكننة المعاملات الجمركية تحت نظام نجم والعمل فيه على مساري الخط الأحمر والخط الأخضر ، من أجل تسريع إنجاز المعاملات ، وتسهيل كل ما يؤخر إنجازها ، وتجري الرياح بما تشتهيه السفن في هذه الإدارة ، مما جعلنا نترحم على الماضي ، يومها كانت إدارة الجمارك مستقلة بذاتها ، لها المحكمة والقانون ولا وصي عليها ، أما عندما تدخلت السياسة وجرى تعديل القانون الذي يعمل بموجبه نصوصه ومواده القانونية في الادارة وبعد أن سحبت المحكمة من كنفها وأنيطت بالنيابة العامة ، وبات الموظف عرضة لأي مساءلة دون غطاء من مسؤوليه ، كما أن كل الحدود البرية والجوية والبحرية التي توجد فيها الجمارك اللبنانية هي تحت مسمى الحرم الجمركي .
وعطفا على كل ما تقدم فإن الوضع الحالي الذي تعيشه إدارة الجمارك وترك الأمور على هواها ، مما جعل الموظف يتصرف دون رقيب أو حسيب أو الإمتثال الى رؤسائه والعمل بأمرتهم ، وفي الماضي كان المخلص الجمركي المرخص يحصل على تفويض يخوله الدخول الى الحرم الجمركي ، مع مستخدميهم والحاصلين على تفاويض دون حمل اية بطاقة من اي جهة امنية للدخول الى هذا الحرم الجمركي بل عدم التنسيق فيما بينهم وبالتالي سيحصل المخلص الجمركي على عدة بطاقات وهذا امر غير مألوف وغير قانوني مما أربك أيضا مخلصي البضائع من أجل الحصول على المستندات المطلوبة .
هل من قرار بإقفال المرفأ ؟
والسؤال موجه الى المعنيين هل من قرار بإقفال مرفأ بيروت وتحويله الى مرفأ سياحي ، وتحويل بواخر الشحن الآتية من مختلف أنحاء العالم الى مرفأ طرابلس ، وبالتالي تشريد ما لايقل عن 15000 الى 20000 الف عائلة في الشوارع ومن المسؤول ؟ علما بأن التعرفة المعمول بها داخل المرفأ لتخزين المستوعبات ، مرتفعة بمعدل 60 بالمئة عن مرفأ طرابلس لذلك فإن التجار المستوردين أصبحوا يحولون بضائعهم الى طرابلس حيث يتمكنون من إخراجها بسرعة أكبر نظرا لعدم وجود عراقيل تحد من إخراج البضائع .
كما أن الضرر البالغ سيصيب مرفأ العاصمة بيروت إقتصاديا ، من جراء ردم الحوض الرابع بعد أن تتحول البواخر الضخمة منه الى مرفأ طرابلس ناهيك عن تشريد مئات العمال جراء تقليص المساحات المخصصة للتخزين في المستودعات العامة.
وهذا يدفعنا الى التساؤل : لم العمل على تقليص إستخدام مرفأ العاصمة وتحويله الى محطة وقود وباحات لركن السيارات المستعملة والجديدة ؟ في وقت تبقى فيه المستودعات العامة شبه فارغة ومقفلة لتشغيل المستودعات الخاصة المستأجرة بالأصل من مكاتب الشحن ، ناهيك عن إنتهاكات عديدة أبرزها تلزيم البراد وتأجير المستودع لشركة البريد السريع DHL ؟
والسؤال الذي يطرح نفسه الى أين تذهب هذه المبالغ ؟ ولماذا عودة فكرة الردم ؟ والأهم لماذا تضاعف كلفة الردم ؟ مع الاشارة الى أن مجلس إدارة المرفأ منتهي الصلاحية منذ قرابة 11 عاما. كما أن الباحات المخصصة للمستوعبات ، أصبحت باحات للسيارات المستوردة جديدة وتم وضع سياج من الأسمنت وشريط من المعدن ، حتى أصبح بشكل أقفاص مما جعل جميع شوارعه مثل شوارع العاصمة ، هذا هو مرفأ بيروت…!
زد على ذلك أن الأرصفة الموجودة داخل المرفأ كلها معطلة ، وفي الماضي كان يرسو على هذه الأرصفة حوالي40 باخرة أما اليوم فهي لا تستخدم ، ما عدا رصيف ct (الحاويات) الذي تفرغ عليه المستوعبات.
وبالإضافة إلى كل ما تقدم ، يبقى العنصر البشري في الجمارك هو الأساس ، إذ أن من الملاحظ وجود مؤامرة أو عدم اهتمام في هذا الجهاز . فكيف يعقل لإدارة كإدارة الجمارك أن لا يكون لها مبنى موحدا يجمع كل مكاتبها بل تبقى موزعة على عدة مبان يدفع لها مبالغ طائلة يمكن أن يبنى بها عدة مبان خاصة بالجمارك .
ومن ناحية أخرى يغيب عن ذهن المسؤولين رفد الجهاز البشري للجمارك بالعنصر البشري الشاب الذي يضخ دما جديدا في عروقه ، على عكس باقي الأجهزة التي تعاني من تضخم في العدد ، إذ لم يتم تطويع موظفين في إدارة الجمارك منذ فترة طويلة ، ناهيك عن أنه ليس هناك من ترقيات للموظفين الحاليين .
لا تندهي ما في حدا ..!
ونشير أخيرا الى أن شركة سوليدير التي وضعت يدها سابقا على أملاك أصحاب المؤسسات والمباني قد وصلت اليوم الى القاعدة البحرية والى مرفأ العاصمة ، ترى الى من تنتمي هذه الشركة ومن يخولها الإستيلاء على الأملاك العامة ؟
محمد قدوح *
مرشح سابق للبرلمان اللبناني
مخلص بضائع مرخص في مرفأ بيروتِ
(الآراء الواردة في النص تعبر عن رأي كاتبها )