ثقافة الحياة لا ثقافة الموت…بقلم المرشح السابق محمد قدوح

كفانا حروبا في عهد لبنان القوي ، عهد حرية القرار والسيادة والإستقلال ، بعد 70 عاما من الصراع العربي – الإسرائيلي نال خلاله لبنان النصيب الأكبر من الخسائر ، وبخاصة جنوبه الذي عانى من التهجير والدمار والقتل والخراب ، أضف الى ذلك توقيع لبنان إتفاق القاهرة الذي شرع العمل الفلسطيني المسلح إنطلاقا من الجنوب اللبناني ، وفتح الجبهة الجنوبية أمام العمل الفدائي الذي صعب الأمور أكثر فاكثر . وصولا الى احتلال إسرائيل الجزء الأكبر من لبنان وعاصمته بيروت ، لتحتل أول عاصمة عربية لأول مرة في التاريخ .
ومنذ ذلك الحين حتى انطلاق العمل المقاوم ضد العدو الإسرائيلي في عام 2000 ، وبعد أن هزمت إسرائيل إنطلاقا من الشريط الحدودي وتم تحرير الأرض بفضل دماء الشهداء ، وبعد الهزيمة التي تكبدها العدو الصهيوني ، فقد بدأ يعد العدة لخوض المعركة في عام 2006 ، كانت الحرب هذه مكلفة على لبنان ، وأصابت الخسارة الكبرى هذا الوطن على مدى 33 يوما دمر فيها الجنوب والضاحية الجنوبية من بيروت ، ولله الحمد كانت الهزيمة الثانية للعدو على يد المقاومين والجيش والشعب .
وقد عاد أهالي الجنوب الى أرضهم وديارهم ، وبدأت ورشة إعمار الجنوب بعد هذا الدمار الهائل والدماء الزكية التي روت أرض الجنوب بالشهداء الذين نترحم عليهم ولهم منا كل الوفاء والعرفان ، وعلى مدى 12 عاما من الهدوء ، غطت ورش البناء السهول والجبال ، وتم الإستيلاء على مشاعات الدولة دون وجه حق ، ودون حسيب أو رقيب كأننا في شريعة الغاب وأرضنا سائبة .
أما على صعيد المشاريع والبنى التحتية من كهرباء ومياه وجامعات ومستشفيات ومعامل لفرز النفايات وخلق فرص عمل للشباب ، وبناء ملاجىء للمساعدة على الصمود في الأرض والتفتيش عن الرزق ومنع الهجرة ، فلم يشهد الجنوب أي اهتمام من هذه الناحية على الإطلاق وبقي الوضع على حاله بل إزداد سوءا .
الحرب في سوريا عبء إضافي
وجاءت الحرب في سوريا لتضيف إلى مشكلاتنا مشكلة جديدة ، إذ بعد العودة المرتقبة لعدد كبير من المقاتلين الى حضن الوطن ما الذي ينتظرهم ، وليس هناك من فرص عمل لإستيعابهم وهذا سيدفعهم حتما الى ترك أرضهم والهجرة الى الخارج ، وبالطبع ليس هناك من فرص توظيف في الدولة بالرغم من الوعود التي سمعناها ونسمعها منذ عدة عقود بتأمين فرص عمل للشباب .
حالنا ما بين النزوح واللجوء
بدأت معاناتنا المزمنة منذ نكبة الشعب الفلسطيني في عام 1948 ، وجاء النزوح السوري ليزيد الطين بلة إذ اشتدت المزاحمة ومصادرة فرص العمل في القرى والمدن الجنوبية على وجه التحديد ، حيث يعمل النازح السوري في مختلف المهن والمجالات مع منافسة قوية في أجور العمال ، كما يضغط على الإقتصاد والبنى التحتية من ماء وكهرباء وطرق ، إذ يقدر عدد اللاجئين في الجنوب اللبناني بحوالي 70 الفا ، ومن الضروري الوصول الى حلول سريعة مع الدولة السورية لإعادة النازحين الى المناطق الآمنة في سوريا ، على أن تتم مساعدتهم عبر الأمم المتحدة وهم في الداخل السوري .
وهنا نطالب كلا من الرئيس بري والسيد حسن نصرالله ، بضروة العمل سريعا لإعادة النازحين السوريين الى ديارهم ، كما نطالب أهلنا في الجنوب بالعودة الى أرضهم التي رووها بدمائهم والعمل فيها بسواعدهم التي حررتها ، فالأرض لمن يحميها بسواعده .
الزراعة تحتاج الى دعم
يحتاج القطاع الزراعي الى دعم الدولة كي يعود الى سابق عهده ، كما يحتاج الى الحماية من المزاحمة جنوبا وبقاعا بدءا من دعم زراعة التبع وشراء محصوله بأسعار مجزية تعزز وجود المواطن والمزارع الجنوبي في أرضه ، وكما إنه من الضروري دعم الزراعة بقاعا ، وفتح الحدود البرية متل معبر نصيب الحدودي لتصريف الإنتاج عبر المعابر البرية الى دول الخليج العربي لأن عملية شحن الخضار والفواكه والبضائع بحرا مكلفة وغير عملية ، وهنا تقع المسؤولية على عاتق السياسيين الذين عليهم ان يتفقوا ويخرجوا من حالة التخبط والمحاصصة الطائفية والمذهبية التي عطلت البلاد وأرهقت العباد ، ووضعت الإقتصاد اللبناني على شفير الهاوية وعطلت الدورة الإقتصادية وكل ذلك من أجل التقاتل على حقيبة سيادية أو خدماتية .
الوعود : رجعت حليمة الى عادتها القديمة
ثبت بالوجه القاطع أن الوعود الرنانة التي قطعها المرشحون في حملاتهم الإنتخابية سرعان ما تبخرت ودفعت الشعب الى الكفر بالسياسة وبالسياسيين ، ونأمل في عهد فخامة الرئيس العماد عون أن نتخطى هذه الصعوبات ، وأن يتم فعليا القضاء على الفساد المستشري في دوائر الدولة من جهة ، وأن تكون هناك خطط إنماء سريعة للمناطق المحرومة والأرياف بقاعا وجنوبا وشمالا من جهة أخرى ، وهذا يدفعنا الى المطالبة بإنتخابات بلدية مبكرة لأن معظم المجالس البلدية مستقيلة ، وتفعيل اللامركزية وإعطاء الصلاحيات لبلديات شابة منتخبة ، وإنعاش المناطق بخطط إنماء متوازن دون محاصصة طائفية أو مذهبية ..هذا إن صفت النيات .
الصحة والخدمات والكهرباء
على الصعيد الخدماتي ، لم يعد من المقبول السكوت عن تراكم النفايات في الشوارع والأودية والمجاري المائية ، وإنتشار الأوبئة والأمراض وفي طليعتها مرض السرطان الذي يفتك بالمواطنين وبخاصة الأطفال منهم ، والذي بلغت نسبته حدودا مخيفة على الصعيد العالمي ناهيك عن موجة من التصحر ، وتراجع المساحات الخضراء من جراء حرق الأحراج ، وقطع الأشجار دون حسيب أو رقيب ، وإنتشار الأبنية الإسمنتية التي أكلت الحدائق والمساحات الخضراء داخل المدينة وحتى في الأرياف ، وضعف شبكة النقل واكتظاظ الشوارع بالسيارات التي تشكل زحمة سير خانقة على مداخل العاصمة والمناطق .
فضيحة باخرة الكهرباء وتبريرات المسؤولين
أما الكلام عن مشكلة الكهرباء فهو فضيحة بحد ذاته وآخرها الباخرة التركية التي عرقلت ومنعت من الرسو في معمل الزهراني ، والتبريرات اللاحقة غير المقنعة من المسؤولين ، والتي كنا نتمنى أن يتم توضيح أسباب عدم ربطها بالمعمل للمواطنين الجنوبيين ، وجاءت عملية إبعادها عن معمل الزهراني لتصب بشكل واضح في مصلحة أصحاب المولدات المحميين ومن يقف خلفهم ويحميهم ، والتي أدت في النهاية الى سحب الباخرة التركية المولدة للكهرباء الى مكان آخر .
برسم وزير الزراعة
أما بالنسبة للمواطن الجنوبي تحديدا ، فإن الوعود والخطابات الرنانة لم تعد تنفع ولا تنطلي عليه مرة جديدة ، هذا المواطن المحبط من زعمائه الذين لم يقدموا له إلا الوعود ، مما جعله يترحم على آل الأسعد وآل عسيران . بل أدت بعض الممارسات الجائرة بحق الطبيعة من أحد المتنفذين الى ضمان أحراج شاسعة من وزارة الزراعة وقطع أشجار الصنوبر المعمرة فيها ، وإقامة ملاعب وأبنية ومنشآت ومواقف للسيارات على عقاراتها ، إننا نحمل البلدية في المنطقة ما يترتب من عواقب لهذه الجريمة من قطع للأشجار وتخريب للبيئة ، ونضع هذه الشكوى والسؤال برسم وزير الزراعة المؤتمن على ثروتنا الحرجية ، إذ لا يعقل أن يصبح لبنان مزارع ومحميات للنافذين ، يستولون على مقدرات البلاد بالترهيب والتخويف ، ويجمعون الثروات الطائلة على حساب الشعب ، من الأموال التي كانت قد خصصت للمساعدات منذ عدوان تموز ، والتي يبدو أنها لم تذهب إلى مكانها الصحيح ، بل وصلت الى جيوب المنتفعين والمحسوبين ، فبنوا بها المباني والقصور الفخمة على التلال والوديان ، بينما لم يحصل المواطن الا على القليل القليل منها .
إننا نعاني في هذه الحال من تراخ تام في المحاسبة أدى الى استشراء الفساد والمحسوبيات ، وإثراء طبقة قليلة من المتنفذين على حساب الشعب الذي صمد في أرضه خلال أعتى الحروب ، ومن إنحدار وتراجع أخلاقي مريع ، ومن فقدان الضوابط الأخلاقية والدينية حتى ليصح القول المأثور فيهم ” دينهم دنانيرهم”.

محمد قدوح *
مرشح سابق للبرلمان اللبناني
مخلص بضائع مرخص في مرفأ بيروت
(الآراء الواردة في النص تعبر عن رأي كاتبها )

لمشاركة الرابط: