كنت من أوائل من تسجل كمغتربة لأضمن حقي في الإنتخاب وكنت أرى بحق المغترب في الإقتراع طريقة شبه وحيدة لقلب الطاولة على رؤوس الفئة الحاكمة التي جل ما تريده هو المحافظة على مصالحها على حساب مصلحة الوطن والمواطن..
تبعثر الحلم عندما سمعت أن عدد المغتربين المسجلين لا يمكن أن يهز الطاولة فكيف بقلبها…لم يرض المغترب اللبناني أن يحمل مسؤوليته تجاه حلم الوطن ويأخذ على كاهله مسوؤلية بناء الحلم راميا ثقل الوطن على كتف أبنائه في الداخل ومكتفيا بصورة الأرزة والعلم اللبناني خلفه على مواقع التواصل الإجتماعي ، ودبكة راجع يتعمر ، راجع لبنان في احتفالاته ..
بئس هذا المغترب الذي لا يحتاج لخدمة مسؤول ليحيا ولايحتاج لحماية مسؤول ليعيش و مع ذلك فضل الطاولة كما هي ، راضيا بالوطن كما هو و ساخرا من الوطن كما هو…لم أقابل مغتربا إلا و ” كرفت” على الوطن وعلى زيارته الأخيرة للوطن…من البابوج الى الطربوش …من المطار الى فاتورة المطعم مرورا بالكهرباء والطرق والنفايات والسرقات ولائحة لا تنتهي من النق غالبا ما تختم ب”آخر مرة بنزل وبنزيل عيلتي على لبنان”… ليردف ” أنا مجبور إنزل شوف أهلي ولكن عائلتي لن أجبرها على ذلك”….
أهلك يا حبيبي المغترب ..يا صديقي ويا رفيقي يداسون بأقدام تلك الطاولة ..التي لم تكلف نفسك عناء المشاركة في قلبها…أهلك وأهلي يعيشون في هذا البلد الذي لا تريد لعائلتك الصغيرة أن تزوره.. يتنفسون ذاك الهواء الذي تبدي استعدادك لتتنفسه لأيام معدودة فقط مع ألف ” منية” كرمى لعيون الوالدة أو الوالد..أهلك وأهلي قسم منهم مجبور أن ينتخب لاعبي الطاولة ليكفوا شرهم ولأنهم يجب أن يحسبوا على زعيم طائفتهم ليناموا في سلام..حلم أهلك وأهلي أن يناموا وحلمي هو أن تستيقظ ، أن نستيقظ نحن القوة الإغترابية ال14 مليون لبناني في العالم من سباتنا العميق ، ونلتفت مرة واحدة الى الوطن على أساس أنه الوطن ليس زيارة للوطن…وقسم منهم مستفيد من الطاولة واللعب عليها..
المهم ولا أريد أن أجلدك كما أجلد نفسي يوميا على عدم تحمل مسؤولياتي الوطنية والإجتماعية والإكتفاء بتناول التبولة والتغني بلذة المطبخ اللبناني…المهم أن ما يطبخ في لبنان غير ذاك الصحن الشهي .. ما يطبخ هو قالب كاتو تم الاتفاق على كل قطعة منه وأنت وأنا نلتهي بصحن التبولة وأهلي وأهلك يلتهون بمصائبهم اليومية وهمومهم اليومية و ألم قدم الطاولة تحت رؤوسهم…
المهم إنتهت مهلة التسجيل على عشرات آلاف من المسجلين بدلا من مئات آلاف كان يجب أن يسجلوا …كما انتهت مهلة الترشح على مئات من المرشحين لا أحد بينهم يستحق صوتي ..أقلب اللائحة رأسا على عقب من الجنوب الى الشمال ..لا أحد ..لم أجد إسما واحدا أثق به ..أضحك هذا الولد بدوا يعمل نائب…إيه ما والده نائب ..إبتسم هذا الإعلامي بدوا يعمل نائب إيه كبر راسه فكر حاله انه بيمشي حاله…هيدا الازعر بدو يعمل نائب…يتجهم وجهي…وهيدا الحرامي كمان بدو يعمل نائب..أحبس دمعتي…هيدي الست بدا تعمل نائب ..هه هه هه أضحك من جديد …مطلوب ستات للنيابة ليش لا …بتستاهل ما هي ست ستات الصالونات …يا ربي على هالمسخرة…يخرج من بين الأسماء أسم أعرفه …يه يه هيدا ميشو ..لا أستطيع أن أنسى ميشو الصبي الراقي صاحب المعزوفة الجميلة في الزمن القبيح .. جار شارع السكر .
حيث لا شيء كان يهدي نفوسنا بين القذيفة والاخرىً إلا عزف ميشو على البيانو .. لم أكن أتخيله مرشحا للنيابة في المدينة التي أحب .. ميشو وحيد أهله هو تقريبا الوحيد من جيلي الذي صمد في الحي كما صمد في طرابلس.. غير كبار العمر قلة من المسيحيين من صمد في المدينة في كل مراحلها.. درس فيها وعمل فيها وعاش فيها.. لم يبع بيته ويهجر طرابلس، لم يغير سجل نفوسه..لم يسقط عليها بالمظلة الإنتخابية .. لم يرضخ للتهديدات أو المغريات.. ميشو جار الطفولة.. يستحق صوتي لعل صوته يستطيع أن يهدي نفوس أبناء الوطن ويعكس بعضاً من رقيه في ردهة مجلس النواب .. أقول لنفسي …قبل أن أكتشف أن ميشو يمثل حزبا وأنا والأحزاب لسنا أصحابا …أخاف أن يكون ميشو تغير ، أخاف أن تلتهمه لائحة وحزب .. وهذه الإنتخبات تحكمها اللوائح والإئتلافات …أنا من جيل عنده عقدة إسمها حزب …لكني لم أر يوما ميشو يحمل رشاشا أو حتى يفتعل مشكلا أو حتى يتكلم بصوت عال ، أو حتى يتكلم… لم أسمع غير صوت عزفه ولم أر غير وجهه الهادىء..ولكن عقدة ” الحزب” تطاردني…عذرا ميشو أريد نائبي مدني حر لا ينتمي الى حزب أو تيار بل ينتمي الى مجتمعي لا ينتمي الى قضايا حزبه أو تياره بل ينتمي الى قضايا وطني.. ولاؤه للوطن ، قلبه على الوطن ، وعقله من أجل الوطن…أشعر بالهزيمة .. أعود الى اللائحة…. أبحث في بحارها ، أقرأ عن تحالفات الأسماء فيها ، عن لوائح تعد تحت الطاولة… عن طاولة بالية تثبت في “شلوش” الوطن….أشعر بالهزيمة …فقدت الثقة كاملة …لا أحد يمثلني…..لماذا سجلت نفسي؟؟
هل من لم يتسجل كان على حق؟ هل أكتفي بتناول صحن التبولة وذكريات الزمن الجميل وصورتي تحت الأرزة ورقص الدبكة … هل أتفرج على أقدام الطاولة تغرز في جسد الوطن أو أنقلب على نفسي وأنا من كان يريد أن يقلب الطاولة على رؤوسهم ؟ لن ينتصروا ..هم وخططهم.. هم وتحالفاتهم.. هم وأطماعهم ومصالحهم وفسادهم ؟.صوتي ليس لأحد…صوتي ورقة بيضاء ستفضح هشاشة الطاولة…سيفوزون نعم ولكن بهشاشة لأني لست وحدي ، مثلي مثل مئات آلاف من الأوراق البيضاء التي سترمى بإزدراء في صناديق الإقتراع معلنة حجب الثقة.
هناء حمزة*
إعلامية لبنانية مقيمة في دبي