لبنان لا يحتمل حربًا جديدة. فهل يتعظ من لم يتعظ بعد؟

يعيش اللبنانيون في الساعات القليلة المرتقبة حالة من الترقب القاتل، لا يشبهها إلا شعور من يرى السقف يتداعى فوق رأسه، ويعلم أنه لا يملك مخرجًا. كل إشارات الخطر تتكثف: قصفٌ يتصاعد في الجنوب، تهديدات متبادلة بين حزب الله وإسرائيل، ومشهد سياسي داخلي ميت سريريًا. أما الناس، فهم بين من يحزمون حقائبهم ومن يودعون أحبابهم ومن يصلّون بصمتٍ ألا تُستكمل حلقة الجحيم.
السلاح الذي لم يُسلَّم… والمسؤولية التي لا تُحمَل
رغم كل المآسي التي ألمّت بلبنان في العقدين الأخيرين، لا يزال حزب الله مصرًا على الاحتفاظ بسلاحه كـ”مقاومة”، مع أنّ الواقع أثبت مرارًا أن هذا السلاح تحوّل من درعٍ مزعوم لحماية لبنان إلى عبءٍ يهدّد وحدته وبقاءه.
السؤال الذي لا يزال يردّده اللبنانيون المحاصرون في بيوتهم وقلوبهم: إلى متى؟
إلى متى سنُؤخذ رهائن لمعادلات إقليمية لا ناقة لنا فيها ولا جمل؟
إلى متى تُكرّر الذريعة ذاتها لتبرير الحروب، فيما الوطن ينزف، والمؤسسات تتداعى، والشباب يُدفنون أحياءً في بؤس اللجوء أو المنافي أو القبور؟
من حرب إلى حرب… والدماء لبنانية
من “حرب تموز 2006” إلى “حرب الإسناد لفلسطين” في 2023، ثم إلى هذا التصعيد المستعر منذ تشرين الأول، لم يخرج لبنان يومًا منتصرًا. خسرنا الأرواح، المنازل، الاقتصاد، التعليم، الاستقرار، وحتى الأمل.
خسرنا ما تبقّى من شباب هذا البلد، تارة في خطوط المواجهة، وتارة في قوارب الهروب إلى أي مصير أقل مرارة. لكن حزب الله، رغم هذا، لا يزال يتصرف وكأنه وحده من يملك مفاتيح القرار الوطني، متجاوزًا الدولة، والمؤسسات، والشعب بأكمله.
هل من تعقّل قبل الانهيار الكامل؟
اللبنانيون لا يطلبون المستحيل. إنهم فقط يريدون العيش بكرامة في وطنٍ لا يُزجّ بهم في أتون صراعات لا قدرة له عليها. لقد فشلت كل الحروب في ردع إسرائيل، لكنها نجحت دائمًا في تدمير لبنان. فهل المطلوب اليوم أن يباد ما تبقى؟ أن يموت من لم يمت بعد؟ أن يهجّر من لم يهجّر؟
الساعات المقبلة قد تحدد مصير هذا البلد لعقودٍ قادمة. وكل ما يُرجى اليوم، أن يُسمع صوت العقل، أن يُقدّم لبنان على كل ما عداه. أن يفهم من بيده السلاح أن الكلفة لم تعد تحتمل، وأن التحدي الأكبر اليوم ليس مع العدو، بل مع الانهيار الوطني الشامل.
في هذا البلد المكسور، لا وقت للمكابرة. آن الأوان ليدرك حزب الله أن قرار الحرب لم يعد شأنًا داخليًا، ولا طائفيًا، ولا حزبيًا. بل هو قرار حياة أو موت لملايين ينتظرون شمس الأمان على شرفة بلادهم.
لبنان لا يحتمل حربًا جديدة. فهل يتعظ من لم يتعظ بعد
إكرام صعب[email protected]

لمشاركة الرابط: