وسائل التواصل الاجتماعي: من ساحات للتواصل إلى منابر للفتنة و”القيل والقال”

في عصر التكنولوجيا المتسارعة والانفتاح الرقمي، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءاً لا يتجزأ من حياة الناس اليومية، إذ تحولت  إلى أدوات فعّالة للتعبير، التواصل، ونقل المعرفة. غير أن الوجه الآخر لهذا العالم الافتراضي بدأ يُظهر ظلاله القاتمة في “بعض المجتمعات،” حيث لم تُستثمر هذه الوسائل في خدمة الحقيقة أو تعزيز الوعي، بل غدت منابر لبث الفتنة، ونشر الإشاعات، وتغذية خطاب الكراهية. وسط غياب الرقابة الذاتية وتدني مستوى الحوار
وفي كثير من الحالات، تُستخدم منصات مثل “فيسبوك”، “تويتر”، “إنستغرام”، و”تيك توك” ليس للتفاعل الإيجابي، بل لتصفية الحسابات الشخصية، وتشويه السمعة، والتلاعب بالعقول. فقد أصبح من السهل على أي شخص أن يختبئ خلف شاشة ويطلق سيلاً من الاتهامات أو ينشر مقطعاً مجتزأً من سياقه ليصنع قضية من لا شيء، أو يثير البلبلة في الشارع العام.
الأخطر أن هذا السلوك لم يعد مقتصراً على الأفراد فقط، بل دخلت بعض الجهات على خط التحريض والاستغلال، فاستخدمت هذه الوسائل لبث رسائل مشحونة تُغذي الانقسام الطائفي أو السياسي، ما يُهدد النسيج الاجتماعي ويُضعف الثقة العامة. كما بات من المألوف أن يتحول حدث بسيط إلى “تريند” عبر هاشتاغات ملغومة، يُعاد تدويرها حتى تغدو “رأياً عاماً” وهمياً يخدم أجندات خفية.
الرقابة في لبنان: بين حرية التعبير وضبط الفتنة
في لبنان، حيث التعددية الطائفية والسياسية تشكّل حساسية بالغة، بات ضبط استخدام وسائل التواصل مسألة أمن اجتماعي. تلعب الأجهزة القضائية والأمنية دورًا متزايدًا في رصد المنشورات المثيرة للفتنة أو التي تحتوي على تحريض طائفي أو تهديد للسلم الأهلي. وقد شهدنا في السنوات الأخيرة توقيف عدد من الناشطين أو المؤثرين بتهمة “إثارة النعرات” أو “التشهير” أو “المساس بالكرامات والمقدسات”.
يستند هذا التدخل غالباً إلى قانون العقوبات اللبناني، لا سيما المواد التي تُجرّم التحريض على النزاع الطائفي والمساس بالوحدة الوطنية، إضافة إلى قانون مكافحة جرائم المعلوماتية. ومع أن هذه الإجراءات تهدف إلى حماية الاستقرار، إلا أنها تثير أحيانًا جدلاً بين من يرى فيها حماية ضرورية، وبين من يعتبرها تضييقًا على حرية التعبير.
لكن، بين الإفراط والتفريط، يبرز التحدي الحقيقي: كيف نوازن بين حرية الرأي وواجب حماية المجتمع من الانزلاق نحو الفوضى الرقمية؟
من المؤسف أن تراجع الوعي الرقمي، وغياب التربية الإعلامية في المدارس، ساهما في تفشي هذه الظاهرة. في الوقت الذي تُستخدم فيه السوشال ميديا في مجتمعات أخرى لأهداف تعليمية، توعوية، أو إنسانية، نجدها في مجتمعاتنا تُستهلك بكثافة في القيل والقال، وتُستخدم كأداة لإثارة النعرات بدل إطفاء الحرائق.
الحل لا يكمن فقط في القوانين، بل في بناء ثقافة رقمية تبدأ من البيت والمدرسة، وتعزز قيم احترام الرأي الآخر، والتحقق من المعلومات، وتقدير خصوصية الآخرين. الإعلام بدوره مطالب بلعب دور توعوي لا رقابي فحسب، بينما تبقى المسؤولية الأكبر على عاتق المستخدم نفسه: أن يتوقف قبل أن يضغط “مشاركة”، أن يُفكر قبل أن يُعلق، وأن يتأكد قبل أن يُصدق.
لقد أعطتنا هذه المنصات فرصة لنُحدث فرقاً، فلنستخدمها كجسر، لا كهاوية
الكاتبة إكرام صعب [email protected]

لمشاركة الرابط: