بعد كارثة 4 آب: كيف نحصّن أنفسنا من «إضطراب ما بعد الصدمة»؟

تحقيق سمار بلوط _اللواء

ما قبل كارثة الرابع من آب 2020 غير ما بعده، لأن كافة اللبنانيين أصيبوا في هذا اليوم بصدمة نفسية عميقة، لفقدانهم أحباء وأصدقاء لهم، هذا عدا عن الأضرار المادية التي لا تُعد ولا تحصى والتي خسر بسببها اللبنانيون جنى العمر.
كل ذلك شكّل صدمة غير منتظرة على الإطلاق.
لكن ماذا ما بعد هذه «الصدمة»؟..
وكيف سنحصّن أنفسنا من «اضطراب ما بعد الصدمة»؟..
لكن يبقى السؤال: ما هو تحديدا إضطراب ما بعد الصدمة»؟
لمعرفة الإجابة، بالإضافة إلى أعراض هذا «الإضطراب» وكيفية علاجه، التقت «اللواء» الدكتورة في علم النفس العيادي سيلفا بلوط، فكان الحوار الآتي:
«إضطراب ما بعد الصدمة»؟
{ ما هو «إضطراب ما بعد الصدمة»؟
– إضطراب ما بعد الصدمة هو إضطراب قلِق حاد ينجم عن تجربة معاشة صادمة، ويترافق مع مواجهة الفرد لأفكار الموت التي يمكن أن تتملّكه.
بمعنى آخر، هو ردّة فعل نفسيّة كدرة تنتج عن إختبار الفرد لوضعيّة واجه خلالها الموت أو كان شاهداً عليه، فهدّدت إستقراره النفسيّ، وأدخلت خللاً في تماسك نفسيّته.
تشخيص الإصابة
{ كيف يتمّ تشخيص الإصابة؟
– لكي يتمّ تشخيص الإصابة بالإضطراب المذكور، يجب أن تدوم أعراضه شهراً وأكثر، ويجب أن نلحظ معاناة أو اضطرابات في ممارسة الحياة الإجتماعيّة، أو المهنيّة، أو أيّ مجال حيويّ في حياة الفرد.
عدا عن ذلك، لا يمكن تشخيصه بـ «إضطراب ما بعد الصدمة».

الأعراض
{ ماذا عن الأعراض؟
– تضع الساعات الثمانية والأربعين التي تلي الحدث الصادم الفرد في حالة من الضغط النفسيّ الحاد مع الكثير من المخاوف الحادة، ونوبات القلق، والشعور بالهلع، والعجز.
ويترافق ذلك مع تغيير في الشخصيّة كأن يصبح الشخص إنطوائيّاً أو على العكس. كما قد يعاني من إضطراب في النوم، والكوابيس، واضطرابات في القلب، والرهاب من الأماكن المفتوحة، وضعف الذاكرة، وإنخفاض في التركيز…
وقد يطلق «إضطراب ما بعد الصدمة» لدى البعض تجنّب الوجود بين حشد، أو تجنّب وسائل النقل المشتركة…
وتجدر الإشارة إلى أن أيّ مشهدا صادما على التلفاز، أو سماع ضجيج ما يوقظ لدى المريض مشاعر الهلع.
{ هل كلّ شخص تعرّض لتجربة قاسية يعاني من هذا الإضطراب؟
– لا يعاني كلّ شخص يتعرّض لحدث صادم من هذا الإضطراب، إذ يتوقّف ذلك على تاريخ ما عاشه.
بمعنى، أنه إذا كان قد اختبر في حياته المُعاشات السعيدة أكثر من الصادمة، فإنه يتخطّى الحدث الصادم وتبعاته. وكأن تاريخه المُعاش قد عزّز لديه الحصانة النفسيّة. لكن لا يخلو الأمر من أنه إذا تراكمت الأحداث الصادمة، فسيقع ضحية لهذا «الإضطراب».
الأطفال أكثر عُرضة
{ هل الأطفال هم أكثر عرضة للإصابة؟
– نعم، عند الطفل يكون المعاش الصادم هو الأول في حياته.
وكما هو معلوم، فهو لا يملك الحصانة النفسيّة التي تحميه من تبعاته. وأبرز أعراضه: إعادة عيش الحدث الصادم في الكوابيس، النوم مضطرب، الصعوبات التعليميّة، نوبات الغضب، وحزن، وقلق، عدم تناول الطعام، تصرّفات غير إعتياديّة، إمتناع عن اللعب…
إكتئاب
{ ما هي أبرز الأمراض النفسيّة التي يمكن أن يعاني منها المضطرب؟
– قد يتحوّل إضطراب ما بعد الصدمة إلى إكتئاب، وهذا يتوقّف على الإستعداد النفسي للمريض أولاً، ومن ثم تاريخ ما عاشه، أضِف إلى علاقته مع محيطه.
العلاج؟
{ كيف يتمّ العلاج؟
– كلّما تمّ الإسراع في العلاج، كلّما إستطاع المريض الوصول إلى الشفاء بفترة أقصر. والعكس صحيح. قد يتخلّص بعض الأشخاص من إضطرابهم بأنفسهم، فهم يتأملّون في ذاتهم، يقرأون عن حالتهم… لكن تبقى إستشارة المعالج النفسيّ أو الطبيب النفسيّ ضرورة.
وبالنسبة إلى العلاج، فهو لا يتطلّب وصفة سحريّة، أو جهد كبير، لكن يمكن أن يكون متعدّد الأبعاد: علاج سلوكيّ معرفيّ، علاج بالموسيقى، مسرح، رياضة…
أما في الحالات الصعبة، فيتمّ وصف مضادات القلق أو مضادات الإكتئاب للتخفيف من الأعراض الحادة، إلا أن ذلك لا يحلّ محل العلاج النفسيّ.
{ ختاما، هل من نصيحة محدّدة؟
– يبقى أسلوب الحياة هو الأساس.
بمعنى أنه إذا إختبرنا المُعاشات السعيدة، وتعاملنا مع مشاكلنا بإيجابيّة نكون قد حصّنا أنفسنا، قدر المستطاع، من أي حدث صادم قد يوقعنا ضحية لإضطراب ما بعد الصدمة.

لمشاركة الرابط: