روّض خيله وإعاقته وتحدّى الحواجز… أول فارس كفيف في السعودية

يمتطي الفارس السعودي بدر الشراري حصانه ستار بثبات ويتأهب للقفز به فوق حواجز خشبية وينجح في ذلك “كأنه يراها” وسط تصفيق وتشجيع كبيرين من الحضور.
ويتدرب الشراري (35 سنة) ثلاث مرات أسبوعياً منذ يونيو (حزيران) 2021، حتى حصل على بطاقة فارس من الاتحاد السعودي للفروسية في مطلع الشهر الجاري كأول فارس كفيف في السعودية يقفز على الحواجز على رغم ما يتطلبه ذلك من التركيز المضاعف بوصفه كفيفاً.
وأكد الشراري الذي يعمل في قطاع البيانات بشركة خاصة أن تجربته مع الخيل غيرت حياته وعززت بالفعل من قدراته.
وقال وهو يرتدي بنفسه ملابس الفروسية إن ركوب الخيل نحه “ثقة أكثر في النفس وقوة أكبر” لخدمة نفسه في كثير من أموره الشخصية.
فرس إنجليزي منقذ
أضاف الشاب الذي ارتدى بنطالاً ضيقاً أسود اللون وقميصاً أزرق، واعتمر خوذة سوداء وهو يهم بركوب فرسه، “كنت انطوائياً، ولم أكن أغادر المنزل كثيراً”.
وتابع وهو يشد اللجام ويسيطر بحزم على فرسه فوق المضمار الرملي المحاط بالنخيل، “علاقتي مع الخيل كسرت حاجز الانطوائية، وأصبحت أختلط مع الناس أكثر”.
وأكد بفخر، “إذا كنت أستطيع ترويض الخيل، فيمكنني أن أفعل أي شيء”.
ويقطع الشراري 140 كيلومتراً ذهاباً وعودة من منزله في حي طويق في غرب الرياض إلى مركز “مدهال” لتعليم الفروسية في حي الرمال في أقصى شرق الرياض، بمساعدة من معاونه الأفغاني نسيم.
ولد الشراري كفيفاً كحال أمه وشقيقه الأصغر، لكنه يقول، “أحاول طوال عمري ألا تمنعني إعاقتي من الاستمتاع بالحياة”.
وبالفعل، يبدو الشراري مستمتعاً ومنطلقاً فوق فرسه الإنجليزي، على رغم برودة الجو في الصباح الباكر، وهو يؤدي مختلف حركات الفروسية قبل أن يستمع لتوجيهات مدربه المصري استعداداً للقفز فوق الحواجز.
وخلال أربع محاولات نجح الشراري في ثلاث منها في القفز من دون الاصطدام بالحواجز الخشبية.
ويصيح مدربه المصري أبو محمود فرحاً، “أترون كيف يقفز من دون ملامستها كأنه يراها؟“.
للخيل مكانة كبيرة لدى السعوديين، إذ يحرص كثير منهم على تعليم أبنائهم الفروسية منذ نعومة أظفارهم، وكذلك على امتلاك الخيول العربية الأصيلة.
وتنتشر مدارس تعليم الفروسية في أرجاء السعودية الصحراوية، وبات كثير منها حديثاً يخصص دورات للمكفوفين والمصابين بالتوحد، لتعزيز قدراتهم الحركية والحسية.
الحصان الأخ
ويشكل ذوو الإعاقة 7.1 في المئة من إجمالي سكان السعودية، البالغ عدد نحو 34 مليون نسمة، من بينهم 811 ألف شخص مصاب بإعاقة بصرية، بحسب أرقام هيئة الإحصاء الرسمية.
ومن بين هؤلاء عبد الرحمن العتيبي، وهو صديق دراسة للشراري، انضم منذ ثلاثة أشهر لدورة تعلم الفروسية.
وقال الشاب البالغ 31 سنة، والذي يعاني ضعفاً شديداً في البصر، “بت أعتبر الحصان أخاً لي”.
وتابع بتأثر، “أنا تغيرت من بعد الخيل. أصبحت اجتماعياً أكثر، وأندمج مع الناس أكثر، وأكون صداقات وعلاقات أكثر”.
وبعكس الشراري، يمكن للعتيبي تمييز الحواجز الخشبية، لكن ليس بشكل واضح تماماً، وهو ما كان يجعله يخشى السقوط أرضاً.
واسترجع بدايته قائلاً، “كنت خائفاً من فقرة قفز الحواجز. كنت متردداً، لكن مع الوقت كسرت هذا الخوف”.
وأكد العتيبي أنه تجاوز كثيراً من مخاوفه في حياته عموماً. وقال بثقة، “الآن مثلاً أصبحت قادراً على التحرك بمفردي”.
عيادة الفروسية
وأوضح مدير مركز “مدهال” للفروسية مشاري الذيابي أن “الفروسية تعد علاجاً لتعزيز القدرات الذهنية والجسدية لدى الفارس، بغض النظر عن حالته”.
وتابع وهو يطالع تدريب الشراري والعتيبي أن “الكفيف لديه القدرة والعزيمة والإصرار على التعلم، لكن المجتمع يشعره بأنه غير قادر”.
وبعد أن أنهى تدريبه الذي استمر نحو ساعة ترجل الشراري من فرسه من دون مساعدة وضمه وقبله، قبل أن يطالع هاتفه النقال عبر تطبيق للمؤثرات الصوتية.
ونهاية الشهر الجاري تنظم البلاد “كأس السعودية” للفروسية البالغ مجموع جوائره أكثر من 35 مليون دولار، وهي الأعلى في العالم.
وقال الفارس الكفيف بحزم وهو يمسح عرقه، “طموحي أن أشارك يوماً في كأس السعودية في الفروسية. لم لا؟“.

(اندبندنت)

لمشاركة الرابط: