الشامسي في ندوة عن دور الإعلام في مكافحة التطرف في الجامعة الأميركية : جهات متطرفة نجحت في تحويل بعض الاعلام لمنصات لترويج أفكار التضليل

إكرام صعب

إستطاعت الندوة التي إنعقدت في معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في العاصمة بيروت ، في وقت يشهد فيه لبنان والمنطقة العديد من التجاذبات السياسية التي تنعكس في الإعلام ، أن تجمع على ضرورة تحييد الإعلام والأقلام الإعلامية الحرة عن هذه الصراعات وتعزيز ثقافة الإعتدال .
ففي وقت بدأت الساحة الإعلامية تنجر خلف الخبر السريع والمثير ، وفي وقت ايضا نجحت فيه جهات متطرفة في تحويل بعض الاعلام لمنصات لترويج أفكار التضليل يبقى الأمل بضرورة تحييد الإعلام وبقائه حرا معتدلا وهادفا والتصدي للإرهاب بكل أشكاله ، وهذا بلا شك يتطلب وضع استراتيجيات شاملة ومتعددة الأطراف ترتكز في جوهرها على الوقاية ، سواء وقاية الوسيلة الإعلامية أم وقاية الإعلامي نفسه من خلال دور الإعلام بوصفه الصوت والصورة والرسالة المقروءة التي نتعايش معها في حياتنا اليومية .
ففي الندوة التي دعت إليها سفارة دولة الإمارات العربية المتحدة في لبنان بالتعاون مع معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الاميركية في بيروت تحت عنوان “دور الإعلام في مكافحة التطرف” وحضرها ، القائم بأعمال سفارة المملكة العربية السعودية في لبنان الوزير المفوض وليد بخاري ووزير الاعلام في حكومة تصريف الأعمال ، ملحم الرياشي ممثلا بإليسار النداف، والسفير الإماراتي الدكتور حمد سعيد الشامسي ، والسكرتير الأول في سفارة دولة الكويت عبد العزيز العومي ، وعدد كبير من الإعلاميين اللبنانيين من مختلف وسائل الإعلام والمهتمين ، تمحور الحديث حول ضرورة وجود استراتيجيات إعلامية من شأنها التصدي للتطرف الذي بدأ يغزو الإعلام .
وحاضر في الندوة مجموعة من المتخصصين في الإعلام والباحثين والصحافيين وإفتتحت في التاسعة صباحاً بترحيب من مدير الأبحاث في المعهد ناصر ياسين ، بإسم معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية .


الشامسي
إفتتحت الندوة بكلمة لسفير دولة الإمارات الدكتور حمد سعيد الشامسي ، وقال في مستهلها ” في حضرة الإعلام وأهله يكون الحديث أصعب، فالكلمة مسؤولية، والموقف محسوب، وحريّة المتحدث أمام السلطة الرابعة مهما كانت كبيرة إلا أنها تبقى محدودة بإطار المسؤولية الأخلاقية بالدرجة الاولى . المعادلة ذاتها تنطبق على الإعلام، فالحرية مهما كانت عالية إلا أن سقفها ترسمه أخلاقيات المهنة من جهة، والقوانين التنظيمية في القطاع من جهة أخرى.
وتابع “لقد عرفنا لبنان ساحة ومنارة للحريات الإعلامية، وللمؤسسات المسؤولة، وللصحافة الرصينة التي انطلقت من بيروت الى دول الجوار والعالم ، لتنشر الممارسة المهنية الحقيقية ، لسنا هنا لنحاكم أي جهة بتهمة خرق هذه الصورة الزاهية، ولا لنتهم أحداً بإستغلال الوضع الصعب للصحافة اللبنانية ليوظفها في خدمة أهداف مشبوهة، بل نحن هنا لنناقش ما هو أهمّ وأعمق.”
وأضاف الشامسي “نتفق جميعاً على أن الجهات المتطرفة سعت ونجحت في تحويل بعض الإعلام الى منصات لترويج أفكار التضليل، واستقطاب الشباب الى منزلقات مؤذية مع كل ما يترتب على ذلك من تداعيات مضرة بالمجتمعات . ولأننا نؤمن بمسؤولية الإعلام اللبناني عموماً، وبروحية الإنفتاح الغالبة عليه، وبعقلية تقبل الآخر السائدة فيه، فقد رأينا من الضرورة أن نلتقي معكم لنتدراس سوياً السبل الكفيلة لجعل الإعلام وسيلة فعّالة في مكافحة التطرف لا أداة من أدواته، ولننظر معاً في كيفية تحصينه حتى لا يتحول مسرحاً من مسارحه”.
وأردف “نحتفي في دولة الامارات هذا العام، بالذكرى المئوية لولادة القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه ، وهو الذي وضع الأسس والركائز التي أتاحت لبلادي أن تصل الى ما وصلت اليه من نجاح على كل المستويات “.
وتابع ” كان الشيخ زايد رحمه الله يولي التسامح والإعتدال والإنفتاح على الآخر الكثير من الأهمية ، ويضع تعميم هذه الثقافة في مقدم أولوياته. وتأسيساً على هذه الثابتة، أخذت القيادة الرشيدة قراراً واضحاً بمواجهة التطرف على أكثر من مستوى، وترجمته عملياً في تشكيل حكومتها لتضم وزارة للتسامح ومن أبرز أهدافها أن تكون الإمارات واحة للتسامح ولمكافحة التمييز والكراهية والقضاء على الإرهاب”.
وقال ” من على منبر الأمم المتحدة ، جاءت رسالة الإمارات واضحة صريحة من خلال كلمة سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، الذي شدد على أن انتشار التطرف والإرهاب واستغلال الجماعات المتطرفة والإرهابية لوسائل التكنولوجيا الحديثة لبث أفكارها الخطيرة ، هو من أبرز التحديات التي تواجه منطقتنا العربية وأمنها. وانطلاقاً من الإيمان الراسخ بأهمية ثقافة التسامح، تم إقرار عدد من القوانين منها إنشاء “مركز هداية الدولي للتميز في مكافحة التطرف العنيف” في عام 2013، وقانون مكافحة الجرائم الإرهابية عام 2014، وقانون مكافحة التمييز والكراهية في عام 2015، الذي يقضي بتجريم الأفعال المرتبطة بإزدراء الأديان ومقدساتها ، ومكافحة كافة أشكال التمييز ونبذ خطاب الكراهية عبر مختلف وسائل التعبير”.
وتابع “على المستويين الإعلامي والإجتماعي ، تتبنى الدولة عدداً من المبادرات أبرزها مركز “صواب متحدون ضد التطرف”، كما اعتمد مجلس وزراء الإعلام العرب في 2015 المقترح الذي تقدمت به الإمارات حول دور الإعلام في نشر قيم التسامح، فضلاً عن اقتراح إطلاق برنامج دولي تحت اسم “برنامج حوار الحضارات لمكافحة الإرهاب والتطرف”.
ورأى “أن التطرف فكر، والإرهاب سلوك، وأن أشكال التطرف إنما تبدأ بفكرة تؤدي إلى استجابة إنفعالية يترتب عليها السلوك العنيف، الذي يفضي إلى تبرير استخدام العنف ضد الأبرياء، معتبرا “أن التصدي للإرهاب بأشكاله كافة، يتطلب وضع استراتيجيات شاملة ومتعددة الأطراف ترتكز في جوهرها على الوقاية”.
وقال “هنا يبرز دور الإعلام بوصفه الصوت والصورة والرسالة المقروءة التي نتعايش معها في حياتنا اليومية، ومنها ينطلق العلاج الحقيقي لكل أشكال الفكر المتطرف، إذ ليس من المجدي أن تعمل المجتمعات على مكافحة الإرهاب من دون العمل في الأساس على اجتثاث الفكر الكامن وراءه”.
أضاف:”نلتقي معكم اليوم في هذا الصرح الأكاديمي العريق في قلب بيروت لأننا نريد أن نجمع الإعلام بالشباب. فكما هو تقديرنا لأهمية الإعلام في المعركة ضد التطرف، كذلك هو إيماننا العميق بالشباب وبدوره المحوري في طرح الأفكار وابتكار الحلول لمكافحته بدل أن يكون شبابنا فريسة له”.
وأشار الى “أن المجالس الشبابية في الإمارات تلعب دوراً فعالاً إذ تقوم بالتعاون مع مراكز بحثية وعلمية متقدمة بعقد المؤتمرات والندوات والحلقات النقاشية كالتي نحن بصددها للخروج بأفكار وطنية من ضمن الرؤية الشاملة لمكافحة التطرف”.
وختم :”لأن المواجهة يجب ان تواكب تطوّر أساليب المفكرين بالشرّ، فقد استضافت الإمارات “المؤتمر الدولي لتجريم الإرهاب الالكتروني” في العام الماضي الذي صدر عنه “إعلان أبوظبي حول تجريم الإرهاب الالكتروني” وتركّز هدف المؤتمر على إيجاد تحرك دولي منسّق وسريع إزاء المخاطر والتهديدات المتصاعدة والتي تنطلق من الفضاء الالكتروني وتنعكس بمخاطرها على الأفراد والمجتمعات والدول عامة لافتاً الى “أن الوضع يزداد خطورة مع تسخير البعض لمنصات إعلامية تحرّض على الكراهية، وتشكّل منابر للجماعات المتطرفة، فنحن نواجه فكرا لا تقل مسؤوليته عن مسؤولية العنف المرتكب بإسمه، لذلك كانت الإمارات في مقدمة الدول التي تصدت للتطرف والإرهاب فكريا وأمنيا”.وشدد الشامسي على “أن قيمنا في هذا الشأن ثابتة ولا تتغير، وأن سياساتنا بالتصدي لكل من يدعم العنف والكراهية لا تفرق بين جماعة أو دولة”.

جلسات العمل
وبعد استراحة قصيرة، عقدت جلسة العمل الأولى وأدارتها الإعلامية هنادي زيدان وتحدث فيها الإعلامي رياض طوق عن “الإعلام المتطرف العنيف”، والصحافي راشد فايد عن” أخلاقيات المهنة والحرفة الإعلامية لمحاربة التطرف” والمدير التنفيذي لمؤسسة سمير قصير أيمن مهنا عن” ثقافة قبول الآخر.”وأجمع المتحدثون على ضرورة وضع استراتيجيات ورقابة ذاتية في ظل هذا الكم من التنوع الإعلامي خصوصا في عصر التواصل الإجتماعي والإعلام السريع والعشوائي أحيانا فشرح كل منهم من خلال تجربته اهمية المواجهة فعلق طوق على ما شهده على ارض الواقع فيما استشهد مهنا بالدراسات المتخصصة في هذا الشأن التي تعدها مؤسسة سمير قصير ولعلّ أبرز ما قاله فايد بأن ” المقاومة لا تصلح إلا على الحدود وهي لمواجهة الإحتلال وهي لا تعود مقاومة حين تتوجه الى الداخل بسلاحها الموجود، حتى لو لم تستخدمه مشيراً الى أنه لا يمكن الوصول الى مدوّنة سلوك طالما يوجد طرف يستقوي على الآخرين بما يملك ولا يملكون ”
أما في الجلسة الثانية التي أدارتها الزميلة رلى موفق فتحدث فيها الدكتور رضوان السيد عن التطرف في الإعلام الديني وتطرق الى ابرز ما قامت به دار الفتوى في مجال مكافحة التطرف في أوساط رجال الدين ومعلّمي الدين في المدارس الرسمية والخاصة. في حين تحدث الدكتور نادر سراج عن “لغة التطرف في الإعلام” وشرح لآلية التواصل ووظائف اللغة ودور المتلقي وأسباب التطرف وكيفية محاربته وضرورة تدعيم موقف الإعلام الديني لمواجهة التطرف بإعتبار أن التطرف هو إنشقاق في الدين كما أشار الدكتور السيد في مداخلته كما تحدث الزميل نديم قطيش عن نجاح التطرف في تسويق نفسه كنموذج ودعا صحافة الإعتدال إلى التحلي بصفات تجعلها محبوبة ومقروءة من مجتمع الشباب أكثر فأكثر .


ودعت الجلسات التي تخللتها سلسلة من النقاشات الحضور الى ضرورة توسيع مفهوم الإعلام وترقية البرامج وتطويرها ، والى العمل لوضع خطط خلاقة لمواجهة التطرف بأشكاله تماما كما يستخدم التطرف كافة الأنواع والأشكال لنشر مبادئه.
واختتمت الندوة بتوزيع دروع تكريمية للمشاركين قدمها السفير الشامسي وبغداء اقيم على شرف الحضور .

[email protected]

لمشاركة الرابط: