متحف “اللوفر أبو ظبي” جسر عبور للتواصل بين الحضارات ..تحقيق _nextlb

أبو ظبي – عاطف البعلبكي – nextlb

عند شاطئ أبو ظبي الهادىء، وعلى جزيرة السعديات ترتفع قبة عملاقة تظلل مدينة ثقافية مصغرة ، إنه مشروع متحف اللوفر أبو ظبي الذي يشكل واحة ثقافية تمثل جسراً للتواصل الثقافي بين الشرق والغرب .
“… يمثل المتحف قدرتنا على بناء جسور التواصل بين الحضارات في عالم يريدونه أن يكون عالم صراعات بين الحضارات ، ويبرز قدرتنا على محاربة الظلام بالنور ومحاربة الجهل بالفنون ومحاربة التطرف الفكري بالجمال الفني الذي أبدعته العقول البشرية من آلاف السنين” .هذه هي الرسالة التي يحملها هذا الصرح الثقافي والتي أعلنها نائب رئيس دولة الإمارات ورئيس مجلس وزرائها، حاكم إمارة دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ، يوم افتتاح متحف اللوفر أبوظبي ، بحضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ، وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ، والعاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة، والعاهل المغربي الملك محمد السادس.


ويعد المتحف أول تعاون من سلسلة مشاريع ثقافية ضخمة قررت حكومة الإمارات إقامتها ، ويمثل واحة ثقافية على جزيرة السعديات نجمة شاطئ أبو ظبي ، وقد استغرق بناؤه 10 سنوات، ويضم نحو 600 عمل فني دائم العرض، بالإضافة إلى 300 عمل أعارتها فرنسا للمتحف بشكل مؤقت. وهو ثمرة اتفاق وقع في عام 2007 بين أبوظبي وباريس. ويمتد الإتفاق على مدى 30 عاماً وتوفر فرنسا من خلاله خبرتها وتعير أعمالاً فنية وتنظم معارض مؤقتة في مقابل نحو مليار دولار نصفها لإسم اللوفر وحده.


جسر بين الحضارات
ومنذ انطلاق فكرة إنشاء المتحف، أراده الفرنسيون والإماراتيون “أول متحف عالمي في العالم العربي” على أن يكون رمزاً للإنفتاح والتسامح . وهو يعرض التراث العالمي بتقنية عالية مركزاً على التفاعلات المشتركة بين الحضارات ، بدلاً من التصنيف المتبع عادة بتسلسل الحضارات. ووصفه الرئيس الفرنسي ماكرون بأنه “جسر بين الحضارات”، مضيفا أن “أولئك الذين يدّعون أن الإسلام يسعى لتدمير الديانات الأخرى كاذبون”.
تضم قبة المتحف 8 آلاف نجمة تتألق في نشر الضوء، جسراً بين الشرق والغرب، مع ما يجسده من حوار جديد حول الإنسانيّة والروابط المشتركة التي تجمع بين الحضارات.


تحفة هندسية وضخامة
صمم هذا المعلم الثقافي المهندس الفرنسي الشهير جان نوفيل الحائز جائزة “بريتكز” العالمية ، على مساحة 97 ألف متر مربع تعلوه قبة ضخمة قطرها 180 متراً صنعت من الفولاذ والألومنيوم وبلغ وزنها 7500طن بوزن تقريبي يوازي وزن برج إيفيل ، وهذه القبة محمولة على أربعة أعمدة تختفي خلف الجدران العملاقة وتبتعد عن بعضها 110 أمتار ، تسلل أشعة الشمس من خلالها لتضيء المكان بشل رائع . وتحمي القبة الشبكية الزوار من حرارة الشمس العالية وتسمح في الوقت نفسه بنفاذ الضوء إلى جميع الغرف ومنحها الإضاءة الطبيعية.
ويقول رئيس دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، محمد المبارك، إن اللوفر أبوظبي جاء ثمرة للتعاون ما بين قيادتي دولة الإمارات وفرنسا، مشدداً على أنه سيصبح مركزاً للتعليم والثقافة العالمية والتواصل والتسامح. ومؤكداً أن أكثر من 50 في المئة من العاملين في المتحف هم من المواطنين الإماراتيين.

وكانت أبو ظبي وفرنسا قد أعلنتا عن تفاصيل المشروع في عام 2007، على أن يفتتح في عام 2012، لكن الأعمال الإنشائية تأخرت بسبب تراجع أسعار النفط وكذلك الأزمة المالية العالمية التي ضربت العالم في عام 2008.
وارتفعت التكلفة النهائية للمشروع من 654 مليون دولار عند توقيع العقد، لتصل إلى أكثر من مليار دولار بعد الإنتهاء الفعلي من جميع الإنشاءات.


أجنحة المتحف
يضم المتحف 55 غرفة، بما في ذلك 23 صالة عرض دائمة، ويقدم أعمالاً وقطعاً فنية تجسد التاريخ والدين تم جمعها من شتى أنحاء العالم ولكبار الفنانين الأوروبيين مثل فان غوخ وغوغين وبيكاسو.
كما يضم 28 عملاً ثميناً إستعارتها الإمارات من بعض الدول العربية . ومن بين القطع الأثرية الموجودة والتي لا تقدر بثمن تمثال ل أبو الهول يعود تاريخه إلى القرن السادس قبل الميلاد، وقطعة من النسيج تصور شخصيات في القرآن الكريم .


المعروضات
في أول أجنحة المتحف ، نسخة من القرآن الكريم من عصر الدولة المملوكية بين 1250 و 1300 وهي من ممتلكات متحف اللوفر أبو ظبي . وإلى جانبها كتاب توراة يمني، وإنجيل من القرن الثالث عشر.
لكن نجمة الأعمال الفنية في المتحف، بنظر المنظمين، هي لوحة “الحدّادة الجميلة” لليوناردو دي فينتشي وهي لوحة معارة من متحف اللوفر في باريس.
وعلى الصعيد المحلي يعرض اللوفر أبوظبي مجموعة من التحف الأثرية الإماراتية تضم قلادة يعود تاريخها إلى الفترة الزمنية 2000-1800 قبل الميلاد ، ومزهرية أثرية تنتمي إلى العصر الحجري الحديث، تم اكتشافها في أحد مستوطنات العصر الحجري التي يبلغ عمرها 8000 عام في جزيرة مروح الواقعة قبالة ساحل أبوظبي، وهي من متحف رأس الخيمة الوطني، بالإضافة إلى أجزاء من الجص المزخرف من الدير المسيحي الأثري في بني ياس بأبوظبي من متحف العين الوطني.


وعلى الصعيد الإقليمي كشف المتحف النقاب عن أعمال مُعارة بارزة من أشهر المتاحف في المنطقة ، ويشمل ذلك تمثال “عين غزال” وتمثالاً أثرياً برأسين يبلغ عمره 8000 عام من دائرة الآثار العامة الأردنية بالإضافة إلى أداة حجرية يعود تاريخها لما قبل الميلاد ومعلماً بنقوش كوفية يشير إلى المسافة من مكة من الهيئة السعودية العامة للسياحة والتراث الوطني. ومن لبنان أغطية نواويس فينيقية . ومن حضارة بلاد ما بين النهرين تمثال من الحضارة السومرية ل غودا أمير لاغاش 2120 قبل الميلاد من الحجر الأسود من مقتنيات متحف اللوفر .
ويعرض المتحف كذلك أكثر من 400 درهم فضي أثري مُعار من المتحف الوطني في سلطنة عمان والتي تعود إلى بدايات العصر الإسلامي بالإضافة إلى مبخرة صدفة بحرية يعود تاريخها إلى فترة القرن الثاني عشر- القرن الرابع عشر الميلادي ، وكذلك جرة فخارية من بلاد الرافدين من القرن العاشر الميلادي وإناء حجري من الفترة 300 ق.م.– 400 ق.م.
وسيقوم 13 متحفاً فرنسياً على مدى السنوات العشر المقبلة بإعارة قطع تاريخية وفنية إلى المتحف في دولة الإمارات ولمدة سنتين كحد أقصى لكل قطعة.


ويعرض المتحف 300 قطعة معارة من هذه المتاحف، بينها تمثال الإسكندر المقدوني الشهير من الرخام الأبيض حوالي 100 عام قبل الميلاد ، وكذلك تمثال القيصر أغسطس والذي يحمل تاريخ 27سنة قبل الميلاد ، وتمثال لا يقدر بثمن للفرعون رعمسيس الثاني مؤرخ في عام 1279-1213قبل الميلاد ، وهو من مقتنيات متحف اللوفر باريس ، و لوحة ضخمة تمثل الأمبراطور نابليون بونابرت عابراً جبال الألب على حصانه ، لجان لوي دافيد (فرساي) و”رسم ذاتي” لفنسنت فان غوخ و بورتريه لإمرأة معروفة بـ”جميلة الحدادة” لليوناردو دافنتشي. ولوحة للأمبراطور لويس الرابع عشر على صهوة جواده .
وإلى جانب القطع المعارة، عرض الإماراتيون القطع التي تمكنوا من شرائها طوال العقد الماضي وعددها نحو 250 قطعة، بينها لوحة للرسام إدوار مانيه وأعمال لبيت موندريان وعثمان حمدي.


ورغم أن الغالبية العظمى من الأعمال تتركز حول التاريخ والديانة، إلا أن نحو خمسة بالمئة منها خصصت للفن الحديث الذي يتقن لعبة الألوان والزجاج .
ويعتبر متحف اللوفر أبوظبي واحداً من ثلاثة متاحف من المقرر إقامتها في العاصمة الإماراتية أبوظبي، إلى جانب متحف غوغنهايم ومتحف الشيخ زايد، في مؤشر إلى الأهمية التي توليها دولة الإمارات العربية المتحدة لتطوير السياحة الثقافية الداخلية ، كما تخطط كذلك لتكون قبلة السياحة الإقليمية والعالمية .

[email protected]

الصور_بعدسة nextlb
فيديو _سكاي نيوز

لمشاركة الرابط: