المرسوم 6433 تبنّى تحديد حكومتي لـ “المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان” وأكّد صوابيته
يقدّم الرئيس فؤاد السنيورة روايته لـ «الترسيم الأول» الذي حصل خلال حكومته الثانية في أعوام 2007 و2008 و2009، والذي حدّد الخط 23، وهو الخط الذي يذهب لبنان اليوم بمباركة «حزب الله» إلى توقيع اتفاق ترسيم حدوده البحرية الجنوبية مع “إسرائيل”، بعدما ساق الحزب حملات تخوين ضده وضد الفريق السياسي الذي يمثل، بحسب ما كانت تقتضي حسابات الحزب ما فوق لبنانية.
ويروي الرئيس السنيورة، الذي بحوزته الوثائق والخرائط لمسار ترسيم الحدود البحرية جنوبا وشمالاً، أن الدولة القبرصية خالفت نصّ ومضمون الاتفاقية المؤقّتة حول ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بين لبنان وقبرص والموقّعة في 17/01/2010، إذ عمدت إلى عدم الالتزام بها لأسباب واهية، وحجّتها في ذلك، بحسب الوزير القبرصي – الذي أسرّ له خلال زيارته قبرص عام 2011 لإلقاء محاضرة هناك – أنّ المسؤولين القبارصة لم يتمكّنوا من التواصل مع المسؤولين اللبنانيين آنذاك.
بالنسبة إليه، فإن قبرص نكثت بالفعل بما وقّعت عليه مع لبنان، إذ قامت بتاريخ 17 كانون الأول 2010، وبعد خمسة أشهر على قيام لبنان بإيداع إحداثيات النقطتين 23 و7 لدى الأمم المتحدة، بالتوقيع مع العدو الإسرائيلي على اتفاقية ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بينهما، من دون إبلاغ أو استشارة الدولة اللبنانية، كما تنصّ عليه مسوّدة مشروع الاتفاقية المؤقّتة بين لبنان وقبرص بتاريخ 17/1/2007، وتحديداً في المادة الثالثة منها، والتي تنص على أنه «إذا دخل أيّ طرف من الطرفين في مفاوضات تهدف إلى تحديد منطقته الاقتصادية الخالصة مع دولة أخرى، يتعيّن على هذا الطرف إبلاغ الطرف الآخر والتشاور معه قبل التوصّل إلى اتفاقية نهائية مع الدولة الأخرى إذا ما تعلّق هذا التحديد بإحداثيات النقطتين (1) أو (6) “.
صحيح أنّ مسوّدة الاتفاقية الموقّعة بين قبرص وإسرائيل لا قيمة قانونية لها إذا لم يوافق ويوقّع عليها لبنان، لكن يبدو أنّ إسرائيل قصدت من ذلك إرباك لبنان وإشغاله فقط.
اعترض لبنان على تلك الاتفاقية بموجب رسالة وجّهها وزير الخارجية في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بتاريخ 20 حزيران 2011 إلى الأمين العامّ للأمم المتحدة، وذلك بسبب اعتماد إسرائيل النقطة رقم «1» كنقطة فصل مشتركة بين لبنان وفلسطين المحتلّة بدلاً من النقطة «23»، التي كانت حكومة السنيورة الثانية قد حدّدتها في عام 2008، وذلك على عكس ما كان يشيعه حزب الله والأحزاب المتحالفة معه من أنّ تلك الحكومة قد حدّدت نهاية خط الوسط بالنقطة رقم 1، وأنّ الآخرين هم الذين حدّدوا نهاية هذا الخط بالنقطة 23.
رابعاً: بتاريخ 12 تموز 2011 رسّمت إسرائيل حدود منطقتها الاقتصادية الخالصة البحرية مع لبنان من جانب واحد، أي خط الناقورة – النقطة رقم «1»، وأودعت إحداثيات نقاط ذلك الترسيم لدى الدوائر المختصّة في الأمم المتحدة، بعد سنة كاملة من تاريخ إيداع لبنان إحداثيات حدوده البحرية مع العدوّ الإسرائيلي من جانب واحد، أي خط الناقورة – النقطة «23»، وذلك بتاريخ 14 تموز 2010.
واعتبرت إسرائيل بموجب رسالتها إلى الأمم المتحدة واعترفت بأنّ الترسيم الذي قامت به لِما تعتبره حدود منطقتها الاقتصادية الخالصة، هو «غير نهائي»، ويمكن تعديل إحداثيات النقطة رقم «1» المذكورة في الاتفاقيّتين اللبنانية – القبرصية والإسرائيلية – القبرصية، وذلك بعد الاتفاق النهائي على ذلك بين الدول المعنيّة.
غير أن لبنان بادر مجدّداً إلى الاعتراض على ذلك الترسيم بموجب رسالة وجّهها وزير الخارجية اللبناني بتاريخ 3 أيلول 2011، وفيها طلب من الأمين العام للأمم المتحدة تكليف مَن يلزم لرسم خط يتناسب مع الحدود البحرية اللبنانية التي أودعها لبنان في الأمم المتحدة، وذلك على غرار الخط الأزرق البرّي. لكنّ الرسالة لم تُشِر إلى البند العاشر من القرار 1701، الذي يعطي صلاحية للأمم المتحدة للمساعدة في هذا الشأن بناء طلب لبنان. وقد جاء جواب الأمين العام للأمم المتحدة بموجب رسالة وجّهها إلى وزير الخارجية اللبناني بتاريخ 18 تشرين الأول 2011، مفادها أنّ ذلك الأمر يتطلّب اتفاق الأطراف المعنية و/أو ولاية خاصة من قبل مجلس الأمن.
خامسا: بتاريخ 18 آب 2011 صدر القانون رقم 163 القاضي بتحديد وإعلان المناطق البحرية للجمهورية اللبنانية ، وعلى أساسه، أُنيط بالحكومة إصدار مرسوم تعيين الحدود البحرية اللبنانية.
وقبل إصدار المرسوم كانت حكومة ميقاتي قد كلّفت حينذاك المكتب الهيدروغرافي البريطاني (UKHO) مجدّداً بإعداد دراسة لترسيم الحدود البحرية اللبنانية، صدرت بتاريخ 17 آب 2011 ، وقررت الحكومة الإبقاء على ما تمّ التوصّل إليه من قبل اللجنة الخاصة التي صدرت نتائج أعمالها في عام 2009، والتي أكّدت على ما قامت به الحكومات اللبنانية قبل ذلك في الأعوام 2007- 2008- 2009. هكذا صدر المرسوم رقم 6433 تاريخ 1/10/2011 عن حكومة ميقاتي، التي تبنّت أعمال اللجنة المؤلّفة في نهاية عام 2008 والقرار الذي صدر عن مجلس الوزراء رقم 51 في عام 2009.
ويذكّر السنيورة أن حكومة ميقاتي ضمّت ممثلين عن «حزب الله» الذي كان يتمتّع بثقل وازن فيها. وجاء قرارها بمعرفة وإقرار بشكل مباشر من الحزب ليؤكد من جديد، على صحّة ما قامت به الحكومة اللبنانية من خطوات وقرارات منذ عام 2007 وحتى عام 2011.
سادسا: في عام 2012 شكّلت حكومة ميقاتي لجنة خاصة أخرى لإعادة درس موضوع ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للدولة اللبنانية ، وتألّفت اللجنة الجديدة بناء على قرار مجلس الوزراء رقم 75/2012 تاريخ 11/5/2012، وهي اللجنة التي خلصت إلى أنّ ما قامت به الحكومة اللبنانية واللجنة المؤلّفة من قبلها في عام 2008 بالنسبة لترسيم حدود لبنان الجنوبية في المنطقة الاقتصادية الخالصة «كان في الأصل من أجل تأمين موقع متقدّم للبنان في الدفاع عن موقفه في حال التفاوض مستقبلاً على الحدود النهائية»، ما يعني أنّ هذه اللجنة الجديدة أكّدت على صوابيّة ما قامت به الحكومة اللبنانية ولجنة عام 2008، التي قامت آنذاك بدراسة مسوّدة مشروع الاتفاقية بين لبنان وقبرص، وأكّدت على صحّته، واستكملت الترسيم من جانب واحد من جهة الشمال مع سوريا ومن جهة الجنوب مع فلسطين المحتلّة بتحديد النقطتين 23 في الجنوب و7 في الشمال.
تواريخ مهمّة على مسار مسلسل ترسيم حدودالمنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان وما حدّدته حكومة السنيورة الثانية جنوباً وشمالاً
ما جرى لاحقاً أن المبعوث الأميركي فريدريك هوف بادر إلى اقتراح حلّ لذلك الخلاف المستعر بين لبنان وإسرائيل حول المنطقة الواقعة ما بين النقطتين الجنوبيّتين 1 و23، والتي تبلغ مساحتها قرابة 860 كلم مربّعاً، وذلك بأن يحصل لبنان على ما يعادل 500 كلم مربّع من تلك المنطقة، وتحصل إسرائيل على 360 كلم مربّع منها، الأمر الذي اعترض عليه لبنان وطالب بأن يتمّ التوصّل إلى اتفاقية عبر الأمم المتحدة.
وكانت اتصالات عدة قد جرت على مستويات متعدّدة مع الأمين العام للأمم المتحدة لحثّه على التدخّل والمساعدة لترسيم الحدود البحرية للمنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، وكذلك مع المسؤولين الأميركيين الذين كانوا مولجين بمتابعة هذا الملف.
يقول السنيورة إن الأميركيين اتّصلوا برئيس مجلس النواب نبيه برّي واتّصلوا به، وكان ينسق موقفه مع بري وأبديا وجهة نظر موحّدة بهذا الشأن.
يقول السنيورة انه حينذاك، وبمبادرة شخصية منّه، وبحكم صداقته الوثيقة بالأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، بعث السنيورة في 29/3/2014، رسالة تضمنت تأكيداً على طلب سابق قدّمه في عام 2012، بضرورة أن تبادر الأمم المتحدة استناداً إلى القرار 1701، ولا سيّما في المادة العاشرة منه، وهي المادة التي تتيح للأمم المتحدة المساعدة في ترسيم الحدود البحرية في المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، وكرّر عليه ذلك في أكثر من مناسبة خطّيّاً وشفاهيّاً. كما تمنى قبل تسلّم الأمين العام الجديد أنطونيو غوتيريس، عليه أيضاً في رسالة وجّهتها إليه أن يهتمّ بمسألة ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، وذلك أيضاً استناداً إلى ما تتيحه المادة العاشرة من ذلك القرار لتحديد حدود لبنان الجنوبية.
في 2 شباط 2017، بعد أسبوع واحد من إعلان لبنان فتح البلوكات البحرية الحدودية 8، 9، و10 للمزايدة ضمن دورة التراخيص الأولية، قام العدوّ الإسرائيلي بتوجيه رسالة إلى الأمم المتحدة يعترض فيها على الخطوة التي قام بها لبنان لناحية البدء بالإجراءات المتعلّقة بالأنشطة البترولية في المنطقة البحرية المتنازَع عليها، ويؤكّد أنّه لن يسمح لشركات النفط القيام بأعمال الاستكشاف، الحفر، واستثمار الثروة النفطية في تلك المنطقة.
بادرت بعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة بتاريخ 20 آذار 2017 إلى توجيه رسالة إلى الأمم المتحدة تعترض فيها على الرسالة الإسرائيلية الأخيرة التي تهدّد لبنان. وأكّدت الرسالة اللبنانية أنّ البلوكات البحرية 8، 9، و10 تقع كليّاً ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، مُذكرة بإحداثيات نقاط الحدود البحرية مع فلسطين المحتلّة التي أودعها لبنان لدى الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 14/7/2010 وبتاريخ 17/10/2011، وبالرسالتين السابقتين بتاريخ 20/6/2011 وتاريخ 3/9/2011 التي اعترض لبنان بموجبهما على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين قبرص وإسرائيل في كانون الأوّل من عام 2010، وعلى إيداع إسرائيل لإحداثيات نقاط حدودها الشمالية مع لبنان في تموز من عام 2011.
هنا نُوقِف رواية السنيورة حول ملف ترسيم الحدود الجنوبية للبنان، والذي تولّى الأميركيون التفاوض به مع لبنان من بوابة عين التينة. فكان أن أعلن بري في السادس من تشرين الأول 2020، بعد عقد من الزمن، التوصل مع الولايات المتحدة إلى «اتفاق الإطار» لمفاوضات غير مباشرة بين لبنان وإسرائيل، عقدت بضع جولات منها في مقر الأمم المتحدة في الناقورة بواسطة أميركية، قبل أن تتوقف بين الوفدين العسكريين اللبناني والإسرائيلي بعدما طرح الوفد اللبناني الخط 29 كمنطلق للتفاوض بدلا من الخط 23، وليعود الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين إلى القيام بحركة مكوكية بين بيروت وتل أبيب أسفرت من حيث المبدأ إلى اتفاق لترسيم الحدود البحرية على أساس الخط 23، حيث حقل قانا، الذي سيعود إلى لبنان والذي سيكون لإسرائيل تعويضاً مالياً عن حصتها تتولاها شركة توتال الفرنسية التي يفترض أن تعدّ العدّة لعملية التنقيب بعد وضع الاتفاق حيز التنفيذ، فيما تبدأ إسرائيل على الفور باستخراج الغاز من حقل كاريش.
قد تكون الستارة استدلت على الحدود البحرية الجنوبية للبنان، ولكن الأمر لا زال عالقاً على الحدود الشمالية، حيث يلفت السنيورة في ختام روايته إلى أن لبنان رسم منفرداً وبشكل مؤقّت حدود منطقته الاقتصادية الخالصة الشمالية التي تقع بمحاذاة المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة للجمهورية العربية السورية، وأن سوريا مارست ما مارسته إسرائيل في ما يخصّ ادّعاءها ملكيّة قسم من المنطقة الاقتصادية الخالصة العائدة للبنان. إلا أنّ «حزب الله» في الجانب الآخر، التزم الصمت والسكوت المطبق في ما خصّ موقف سوريا التي اعترضت على الترسيم المنفرد الذي قام به لبنان لمنطقته الاقتصادية الخالصة في الشمال، وذلك عبر توجيه رسالة احتجاج إلى الأمين العام للأمم المتحدة في عام 2014. وادّعت سوريا في تلك الرسالة ملكيّة جزء من المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان وتقول إنّه يعود إليها، وذلك مثلما فعلت إسرائيل من ناحية الجنوب.
المصدر : اللواء – رلى موفق