
إكرام صعب
ضمن فعاليّات معرض بيروت العربي الدولي للكتاب، نظّم النادي الثقافي العربي ندوةً احتفى فيها بتراث اللغة العربيّة وهموم حاضرها، حاضرها. تحدّث فيها أستاذ اللغة العربيّة في الجامعة الأميركيّة في بيروت الدكتور رمزي بعلبكي، بحضور رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، ورئيسة النادي سلوى السنيورة بعاصيري، وعدد من الأكاديميّين والأساتذة الجامعيّين والطلّاب والباحثين.
قدم الندوة الطالبان مالك شاكر وآمنة سليمان، وأستهل الدكتور البعلبكي مشاركته بتقديم الشكر “الى كرسي الشيخ زايد للدراسات العربيّة في الجامعة الأميركيّة، “مُعرباً عن اعتزازه بسلسلة «الشيخ زايد» البحثيّة التي ترعاها الجامعة.
من جذور التاريخ إلى نقوش الفاو
وانتقل البعلبكي في محاضرته إلى نشأة اللغة، مذكّراً بأنّ «العرب مذكورون في المدونات التاريخيّة قبل أن يُذكر لفظ اللغة العربيّة نفسها».
وأشار إلى وجود أكثر من ثلاثين مفردة عربيّة الأصل في «التلمود»، ثمّ استعرض النقوش القديمة التي عُثر عليها، وصولاً إلى اكتشافات منتصف القرن الماضي في منطقة الفاو بالجزيرة العربيّة، وهي نقوش يُعتقد أنّها تسبق الميلاد وربّما تدفع بتاريخ العربيّة إلى أزمنة أبعد.
وأوضح المحاضر أنّ القرآن الكريم شكّل مفصلاً حاسماً في تاريخ العربيّة، إذ «ذُكرت فيه كلمة العربية إحدى عشرة مرة، في لافتةٍ عظيمة المعنى».
العربية واللغات السامية: أصواتٌ وأوزان
وغاص البعلبكي في خصائص اللسان العربي، واضعاً إيّاه ضمن سياق اللغات السامية. فهي، بحسب تقسيمه، «تنتمي إلى أرومةٍ واحدة» وتتشابه في الأصوات الحلقية والبُنى الصرفيّة وفي معجم أساسه مفردات مشتركة لأعضاء الجسد والأعداد وغيرها. لكنّ العربيّة، في رأيه، تتميّز بثراءٍ معجمي لا ينافسه أيُّ لسانٍ سامي آخر، إذ «تبتدع أوزاناً وتشتقّ أدواتٍ لم تُعهد في نظيراتها». وأكّد أنّ هذه المزايا «ليست تعصّباً، بل بيانٌ لحقائق تكشفها المقارنة العلميّة».
«مقوّمات النظريّة اللغويّة العربيّة»… كتابٌ جديد
ثم انتقل البعلبكي إلى عرض كتابه الصادر حديثاً «مقوّمات النظريّة العربيّة اللغويّة»، وهو أوّل عنوان في سلسلة «الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان» التي تطلقها الجامعة الأميركيّة في بيروت وسأل بعضهم: «هل تمتلك العربيّة نظريّة نحويّة؟» فأجاب: «نعم، منذ سيبويه».
واشترط المحاضر لاعتبارها نظريّةً مكتملة «شهود المادّة وتماسك الأركان»، وهما شرطان يرى أنّ النحاة استوفوهما. ويقارن الكتاب بين النظرية النحويّة والعلوم الطبيعيّة، ولا سيّما الفيزياء، مبيّناً أنّ «النظريات – على اختلاف حقولها – تحوي عناصر مشتركة، إذ تتجاوز المحسوس إلى ما يَثبُت بالدليل العقلي أو الرياضي».
العاميّات والفصحى… حدودٌ وتداخل
توقّف المحاضر عند علاقة الفصحى بالعاميّات، مؤكّداً أنّ هذه الأخيرة «منحدرةٌ من الفصحى، لا بمعنى التطابق في كل شيء، بل انبثاقٌ منها في ظروف تاريخيّة واجتماعيّة». وحذّر من «غزو العاميّة فضاء الفصحى» ومن اختراق اللغات الأجنبيّة لكلتَيْهما، ولا سيّما في الخطاب اليومي. ورأى أنّ الخطر الأعظم «حين تغزو إحداهما الأخرى بلا وعيٍ لدور كلٍّ منهما
الواقع والآفاق
وعبّر البعلبكي عن قلقه من «قلّة استخدام العربيّة» ومن نظرة أبنائها إليها، لكنّه استند إلى أرقامٍ مُشجِّعة: «خمسمئة مليون متحدّثٍ بالعربيّة، وخمسٌ وعشرون دولة تعتمدها لغةً رسميّة، واعترافٌ بها في الأمم المتحدة». ومع ذلك، لم يُعفِ بعض المؤسّسات التعليميّة من مسؤوليّة «تقصيرٍ في تعليم اللغة على الوجه الأمثل». ودعا إلى استثمار الجذور اللغويّة غير المُستثمرة، قائلاً: «نحن العرب مقصّرون في استنطاق الجذور التي لم يستخدمها أسلافنا».
نقاشٌ
أتى ختام الندوة على مداخلةٍ لرئيسة النادي سلوى السنيورة بعاصيري، التي شدّدت على «خطورة عالمٍ بلا قراءة» ودقّت «جرس الإنذار»، فيما ردّ بعلبكي مُشيراً إلى ضرورة «دمج الورق والرقمي» والإفادة من مزايا كلٍّ منهما، لأنّنا – على حدّ تعبيره – «جيلٌ ورقميّ في آن». وقد انعكس هذا الطرح تفاعلاً ملموساً من الجمهور الشابّ في القاعة، فتوالت أسئلتهم وتعليقاتهم طيلة ساعةٍ ونصف من الحوار الذي أغنى النقاش حول مستقبل العربيّة بين أصالتها وتحدّيات العصر
[email protected]