أعيان المعاني – ماء الكلام “حُسامُك مِن سقراطَ في الخَطبِ أخطبُ” (6)

قال المستشرق الإسباني فيلا سبازا :(Villa Spaza) “اللغة العربية من أغنى لغات العالم، بل هي أرقى من لغات أوروبا لأنها تتضمن كل أدوات التعبير في أصولها، في حين أن الفرنسية والإنكليزية والإيطالية وسواها قد تحدّرت من لغات ميتة، وإني لأعجَب لفئة كثيرة من أبناء الشرق العربي يتظاهر أفرادها بتفهّم الثقافات الغربية ويخدعون أنفسهم ليقال عنهم أنّهم متمدّنون”.
قال الشاعر الأندلسي لسان الدين بن الخطيب:
واحسم بسيفك كل داءٍ كامن/ فلذاك دُعِيَ الحسامُ حساما
فالحسم هو القطع والبتر والإزالة، نقول حسم الداء أي كواه وأزاله، وحسم الأمر أي بتّه وقطع النقاش فيه. وقد ورد في القرآن الكريم: ﴿سخّرها عليهم سبعَ ليالٍ وثمانية أيّام حُسُومًا فترى القوم كأنّهم أعجاز نخل خاوية﴾ (الحاقة، 7). هذه الآية توضح معنى “حسم” بما لا يدع مجالًا للشك. فإذا أخذنا القسم الثاني منها بعد “حسومًا” وقرأناه جيدًا لظهر لنا المعنى جليًّا من دون شرح أو تفسير، حيث شبه الموتى من قوم “عاد” بأعجاز النخل أي أصول شجر النخيل الجوفاء المقطوعة الساقطة على الأرض. فالحسم هو القطع، ومن هنا كان الحسام اسمًا – صفة – للسيف وجمعه حِسام بكسر الحاء، إذ إنّه في المعارك يكون حاسمًا وباترًا. وإذا عدنا إلى بيت شعر ابن الخطيب، لوجدنا أن الحسام سُمِّيَ حسامًا لأنّه يحسم الداء أي يقطع المرض وهذا تعبير مجازي كما في قول عنترة بن شدّاد:
وسيفي كان في الهيجا طبيبًا/ يداوي رأس من يشكو الصداعا
ملأتُ الأرضَ خوفًا من حسامي/ وخصمي لم يجد فيها اتِّساعا
فقد قصد بالمداواة القطع، أمّا الصداع فعنى به التفكير في قتاله ونزاله.
أمّا العنوان – وهو شطر من قصيدة لأمير الشعراء أحمد شوقي – فقد اعتبر أنّ السيف حاسم في الأمر الجلل وفي الخطوب أكثر من كلمات الفيلسوف اليوناني سقراط وخطاباته، وهو الحكيم الذي عُرِفَ بفكره وآرائه الحاسمة وبمبادئه التي لم يتنازل عنها رغم أنّها كلّفته حياته.
بعد هذا، ألا يجدر بنا أن نخيّب ظنّ الغرب فينا؟ ألم يئنِ الأوان لحسم أمرنا والعودة إلى لغتنا وإلى هويتنا؟
الوليد
وليد الخطيب كاتب لبناني

لمشاركة الرابط: