الحلقة الثانية
من أجمل ما قيل في اللغة العربية وروعتها ورونقها وتأثيرها الإيجابيّ، ما أُثِرَ عن أبي الريحان البيروني الفارسي الأصل: “والله لأَنْ أُهْجى بالعربية، أحبُّ إليَّ من أن أُمدح بالفارسية”.
وقال المؤرّخ البلجيكي جورج سارتون (George Alfred Sarton): “إنّ اللغة العربية أسهل لغات العالم وأوضحها، فمن العبث إجهاد النفس في ابتكار طريقة جديدة لتسهيل السهل وتوضيح الواضح”.
فإذًا، مشكلة عدم فهم اللغة العربية ليست فيها، فهي واضحة وضوح الشمس في السماء، بل في نفوس من تخلَّوا عنها وأهملوها.
لذا، فلننظر إلى الكلمة الآتية “النفق”، وهي من الجذر “ن ف ق”، ونقصد بها الطريق تحت أي جسر أو الممرّ الذي يخترق جبلًا أو بحرًا وله مدخل ومخرج، أو حفرة في الأرض تخترق صخرة من جهة إلى أخرى. هل سأل أحد نفسه من أين أتت هذه الكلمة؟ وهل ربطها أحدٌ بالنفاق والمنافق وحاول اكتشاف علاقتها بهما؟
يعود أصل هذه الكلمة إلى ما يفعله الجربوع – من القوارض – بسبب جبنه وخوفه على حياته، وغريزته في البقاء، فيحرص حرصًا شديدًا على التخفّي كي لا يكون فريسة سهلة للحيوانات الأخرى، وذلك بحفر حفرة لها مخارج متعدّدة، منها مخرج إلى الفلاة له علامة معيّنة يعرفها بحاسّة من حواسّه؛ أمّا باقي المخارج فتكون ذات قشرة رقيقة من التراب تبقى كما هي، ويستخدمها عند الضرورة إذا اشتدّ عليه الخطر، فيدخل جحره ويختبئ فيه ثم يخرج من المخرج السرّي.
لذا، يُعتبَر الجربوع منافقًا لأنّه ينافق – أي يحتال – في حفر الأنفاق؛ وكذا هو الإنسان المنافق الذي يظهر خلاف ما يُعلن، ويقول كلامًا ويُضمِر عكسه، له وجهان. وكذلك الأنفاق – أي الممرّات – سُمّيَت بذلك لأنّ فيها احتيالًا على الأماكن، حيث يمكن شقّ طرقات من أعلى ومن أسفل، وممرّات لها مخارج عدّة للوصول إلى جهات مختلفة.
ومن معاني “ن ف ق”، مات للحيوان، والنفاد والخروج والترويج للشيء والفناء، والغاية منها كلها هي الانتهاء. وللقرّاء هنا الربط بين هذه المعاني والمفردة الأساسية التي كنّا في صدد شرحها والمقصود منها.
من هنا، أليس الهجاء بالعربية أرقى من المدح بلغات أخرى؟
وليد الخطيب كاتب لبناني – الوليد