خاص – nextlb
صدر حديثا عن دار رياض الريس للكتب والنشر كتاب “حوارات في الثقافة والتاريخ ” للكاتب والأديب الدكتور خالد زيادة الذي شغل منصب سفير لبنان في مصر سابقاُ ، وعن التعريف بالكتاب ومضمونه قال المؤلف زيادة :
“يضم الكتاب مجموعة حوارات أجريت معي على امتداد فترة طويلة من السنين، يعود بعضها إلى ثمانينيات القرن الماضي حين كنت لا أزال في بداية عملي الجامعي والبحثي، وأغلب الحوارات الأخرى يعود إلى السنوات العشر الأخيرة. كانت مناسبة الحوار في الغالب صدور أحد كتبي، وفي الآونة الأخيرة اتخذَت الحوارات طابعًا أكثر اتساعًا فكانت أسئلتها تتطرق إلى قضايا ثقافية وتاريخية عامة.
لم أكن فكرت سابقًا في نشر هذه الحوارات، إلا أنني خلال توضيب أوراقي المتراكمة تصفحت هذه الحوارات من باب التذكر والحشرية، فتنبّهت إلى أن الأسئلة التي يوجهها المحاور عادة ما تعبّر عن طريقة فهمه موضوعَ الكتاب مدار النقاش، الأمر الذي كان يؤدي إلى إعادة طرح الفكرة التي أردت التعبير عنها وتناوُلِها بطرق مختلفة، إلى حد أن بعض الأسئلة قادت إلى فتح مجالات أخرى للمعالجة.
وهذا يعني أن ما تكتبه يمكن أن يُفهَم بكيفيات مختلفة، وفي أحوال أخرى يكون سببًا لفتح باب نقاش جديد، فالأسئلة التي تبدأ من الاستفسار عما أردتَ قوله تتطور إلى “لماذا عبّرت عن رأيك بهذه الطريقة؟”، وإلى “لماذا لم تتطرق إلى هذه المسألة أو تلك؟”… وهكذا.
وقد نبّهَتْني إعادةُ قراءة هذه الحوارات إلى إعادة طرح آراء لم أكن قد تطرقْتُ إليها من قبل، وفتْح المجال لمعالجات لاحقة. ومن ذلك على سبيل المثال الكلامُ عن المثقف بمناسبة إصدار كتاب كاتب السلطان وإعادة طبعه في القاهرة، فقد تطورَتْ لدي معالجة فكرة المثقف، وعبّرتُ عن ذلك في إحدى المقابلات التي ذكرتُ فيها نهاية دور المثقف التنويري، وقد قادني النقاش في هذا الموضوع إلى كتابة مقدمة طويلة ألحقْتُها بطبعة الكتاب التي صدرت عام 2020 عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
وما يمكنني قوله بعد مراجعتي هذه الحوارات، هو أن ما تقوله في أجوبة الأسئلة شيء آخر مختلف عما تقوله في الكتب أو الأبحاث المنشورة. إن حيوية النقاش والتطرق إلى قضايا راهنة سيدفعك إلى الإدلاء بآراء كنتَ تحتفظ بها لمناسبات أخرى، ومن ذلك الكلامُ عن الدولة الدينية، وحكم الشرع، وحكم السياسة… وغيرها من الآراء التي تنطوي عليها الحوارات التي يضمها هذا الكتاب.
لاحظتُ أن العديد من الأسئلة التي وُجّهت إليّ خلال إقامتي في القاهرة تدور حول العلاقات الثقافية بين لبنان ومصر، وقد سمح لي ذلك بأن أقيّم حاضر العلاقات بالمقارنة مع ما كانت عليه قبل ما يزيد على مئة سنة سابقة. إن مما لا شك فيه أن تراجعًا كبيرًا في التبادل الثقافي بين البلدين قد حصل في العقود الأخيرة، وهو موضوع يحتاج إلى معالجة أوسع تشارك فيها أصوات متعددة، ويمكن أن يقود نقاشه إلى تقويم العلاقات الثقافية بين أكثر من بلد عربي في المشرق والمغرب.
لقد أجبت عن أسئلة تتعلق بالشعر والرواية والأدب واللغة، وهي مجالات لا أعتبر أنها من اختصاصي، ومع ذلك فإن من يتعاطى الشأن الثقافي عليه أن ينتظر أسئلة توجَّه إليه تتصل بأمور تُعتبر من المسائل الشائعة في الوسط الثقافي.
بعض هذه الحوارات كان بعد سنة 2011 واندلاع “الإنتفاضات” في أكثر من بلد عربي، فكان من الطبيعي أن توجَّه الأسئلة على وقع الأحداث وتطوراتها، وقد تكون رؤيتي لما حدث في تلك السنوات قد تغيرت أو تطورت، ولكني احتفظت بما كنت أعتبره آنذاك وجهة نظر خاصة.
من بين عشرات المقابلات اخترت المجموعةَ التي أدرجْتُها طيَّ الكتاب وأهملتُ الكثير منها لسببين رئيسيين: الأول أن بعض المهمَل يشتمل على آراء عبّرت عنها بطريقة أكثر وضوحًا في لقاءات وحوارات أخرى تم إدراجها في الكتاب، والسبب الثاني يتعلق بحوارات ذات مضمون متكرر أُجريت معي في مناسبات كثيرة بصفتي سفيرًا للبنان في جمهورية مصر العربية. إضافة إلى ذلك، كنت أرغب بأن أضم إلى هذه المجموعة أكثر من حوار، لكنني فقدتها، وهي تعود إلى سنوات التسعينيات الماضية، أي إلى فترة سابقة لاشتغال خدمات المواقع الإلكترونية، التي حفظَت الكثيرَ من المقابلات التي تعود إلى بداية الألفية الثالثة، ولولاها لكان من المستحيل أن يصدر هذا الكتاب.
إن ما شجعني على نشر هذه الحوارات هو أن الذين أجروها أصدقاء أعتزّ بصداقاتهم، وهم كتّاب وصحافيون معروفون في العالم العربي، وبعضهم لم تسنح لي فرصة اللقاء المباشر معهم، فالمواقع الثقافية الإلكترونية قلّصت المسافات وخلقت صداقات من نوع جديد لم يكن ممكنًا من قبل.
ولا بدّ لي من أن أشير إلى طريقة عملي في نشر هذه المقابلات، فقد احتفظْتُ أولًا بتسلسلها الزمني، رغبةً في رصْد تطور الأفكار مع الوقت، وتبدّل الأسئلة والاهتمامات عبر هذا التسلسل. كما احتفظتُ ثانيًا بأجوبتي كما هي، على رغم أنها ستكون مختلفة، ولو جزئيًّا، لو طُرحت عليّ اليوم.
حذفت الكثير من المقدمات ذات الطابع التعريفي بي، بسبب التكرار في معطياتها، واحتفظت بما يلزم للإضاءة على طبيعة الحوار ومناسبته، كما أنني حذفت من الأجوبة ما وجدت أنني كررته في أكثر من حوار، ومع ذلك فإنني أعتذر سلفًا إذا ما وجد القارئ أنني كررت بعض الآراء والأفكار في أكثر من حوار، كما أنني تدخلت لغويًّا في تصحيح بعض العبارات (في حوارات أجبت عنها بطريقة شفاهية).
ويختم المؤلف بالقول ” أشكر مرّة أخرى جميع الذين كانوا سببًا في إصدار هذا الكتاب، فلولا أسئلتهم وحواراتهم لما كانت هذه المقابلات المطوَّلة أو المختصَرة، ولما كان هذا الكتاب.