يعتبر الكتاب العلمي البحثي عن ” العرب وتحديات التحول نحو المعرفة والإبتكار” للمؤلفين المستشار في السياسات العلمية والتنموية وبرامج البحوث والإبتكار والموارد البشرية الدكتور معين حمزة ومستشار سياسات العلوم والتكنولوجيا والابتكار والتنمية المستدامة الدكتور عمر البزري والصادر عن مؤسسة الفكر العربي مرجعاً علمياً يعرض واقع كل من منظومة التعليم العالي والبحث العلمي في بلدان عربية عدة.
ينشر موقع ” النهار العربي” حلقات متتالية عن واقع البحث العلمي في كل من لبنان، السعودية، العراق، الامارات، مصر والمغرب.
نبدأ اليوم حلقة عن لبنان في مقابلة خاصة مع الدكتور معين حمزة الأمين العام للمجلس الوطني للبحوث العلمية، وهو أحد مؤلفي هذا الكتاب عن رصيد البحث العلمي ومرتجاه.
قبل تطرقه لواقع لبنان، عرض الدكتور حمزة لأهمية الفصل الأخير من الكتاب وهو مرفق بملحق يتناول المؤشرات الرقمية لعرض الواقع بأحدث المعطيات المتوفرة بالدراسات العالمية، مشيراً الى “أن ذلك لا يعني بتاتاً أن لبنان وأي من الدول العربية غائب عن كل صفحات الكتاب، فأبواب الكتاب الأربع وفصوله الـ 15 تناولت محاور علمية وثقافية وتنموية مستندة الى أبرز التجارب في غالبية الدول العربية وعملت على الإضاءة على أبرزها وأكثرها فاعلية للتقاليد العلمية والأكاديمية والعالمية.”
توقف حمزة عند “المبادرات اللبنانية في السياسات البحثية وآلية تنفيذ الابتكار ومعوقاته، وصولاً الى تكيف المؤسسات اللبنانية مع التحولات المعرفية المستجدة في التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي وتعزيز البنى الحاضنة لمنظومة التعليم العالي والبحوث والتطوير،” مشيراً الى أن “الممارسات السيئة التي تعاني منها هذه المنظومة في تتجير التعليم العالي وأثره السيء على المصداقية التي حققتها مؤسسات أكاديمية وعلمية عريقة في لبنان والعالم العربي.”
برأيه،” إن للبنان ومؤسساته دور رائد في الحريات الأكاديمية وفي إعتماده أنظمة الجودة والنوعية وفي مبادرات التعاون الدولي لتعزيز القدرات البحثية …”
لفت الى أنه “لا تغيب المبادرات اللبنانية خلال الفترة من 2000 الى 2018 المتخذة في التعامل مع أزمة تكافؤ الفرص بين الرجال والنساء والمسار البطيء في تمكين المرأة اللبنانية ومكامن الفشل في تعزيز الثقافة العلمية لدى العامة،” مشيراً الى أنه ” من النقاط المضيئة التي يعتز بها لبنان، المبادرة القيمة المتخذة من المجلس الوطني للبحوث العلمية في وضع شرعة المبادئ الأخلاقية في البحوث العلمية والتي تبنتها 20 مؤسسة أكاديمية.”
أثنى على دورها، ولاسيما أنها “كانت في أساس الشرعة العربية للعلوم التكنولوجيا،” مشيراً الى أنها “إعتبرت مرجعاً أساسياً في الشرعة الدولية التي وضعتها منظمة اليونيسكو خاصة لتناولها بشكل متكامل مختلف العلوم من إجتماعية وإنسانية وتطبيقية وأساسية وتركيزها الواضح على الأثر الاجتماعي للممارسات السليمة للبحث العلمي والتعليم العالي.”
ماذا عن الباحثين؟ ركز حمزة أن “الباحثين في لبنان قد إستطاعوا تحقيق موقع متقدم منذ العام 2000 في التعاون العلمي مع الدول الأوروبية والأميركية وبشكل رئيسي مع فرنسا والولايات الأميركية المتحدة،” مشيراً الى أن “لبنان من الدول العربية المتقدمة في النشر العلمي المشترك وفي قدرته على إستقطاب الدعم الدولي لتنفيذ المشاريع على المستوى الثنائي وعلى مستوى مجموعة الدول المتوسطية..”
“تبين المعطيات والتحليل الوارد في الكتاب”، وفقاً له،” بأن التعاون العربي ومنه التعاون بين لبنان ودول عربية أخرى ضعيف الى شبه غائب.”
شدد على “أن لبنان لا يشكل إستثناء عن هذا الوضع في حين أن التعاون بين الدول العربية لم يتحقق خلال العقدين الماضيين بشكل فعلي الا من خلال البرامج الأوروبية التي وضعها الاتحاد الأوروبي وتأمنت الشركة فيها بين الدول العربية والأوروبية على سواء…”
“للبنان موقع خاص وواعد”، وفقاً له، “أثبت جودته في المرحلة الأخيرة ويتعلق في الدور الرائد للعلميين اللبنانيين في بلاد الاغتراب الذين لم يتوانوا عن تقديم الدعم للمؤسسات اللبنانية ونعول عليهم ليكونوا سفراء لبنانيين كفوئين لمساعدة المؤسسات اللبنانية على الخروج من مأزقها الحالي…”
في الخلاصة، عبر حمزة عن خشيته “اليوم من أن المعطيات الواردة عن لبنان وتعود الى الفترة 2018 معرضة لضغوطات ولتغييرات جذرية قد تحرم لبنان ومؤسساته من الإنجازات النوعية التي تم تحقيقها سابقاً،” مشيراً الى أننا “نتردد حالياً بتزويد بعض المؤسسات الدولية بمعطيات رقمية عن أوضاع البحث العلمي والابتكار لأن المتوفر حالياً لا ينبأ بالخير.”
إعتبر أنه “على سبيل المثال، إستطاع المجلس الوطني للبحوث العلمية أن يدعم حوالي 400 بحثاً بالتعاون مع 14 جامعة بدعم وصل الى 6 مليون دولار على فترة بين العام 2016 الى العام 2018، وقد شكل ذلك قفزة نوعية لم يعرفها لبنان في تاريخه وإعتبرت مثالاً في عدد كبير من الدول العربية وإعتمدتها مؤسسات أخرى في تونس ومصر والأردن، الا أن هذا الإنجاز يتبخر حالياً من ناحية أن الجامعات التي كانت تساهم ب50 في المئة من هذا المبلغ لم يعد بمقدورها تأمين هذا الدعم وأن موازنة المجلس في هذا البرنامج ، التي كانت ملياري ليرة في السنة أي مليون و300 ألف دولار قد تقزمت الى 80 ألف دولار.”
قال:” أضف الى ذلك جو الإحباط ،الذي يصيب الباحثين الشباب وغياب الأفق أمامهم، للحصول على مهنة مجدية تؤمن لهم سبل العيش الذي يستحقونه علماً أن “النهضة العلمية”، التي عرفنا في العقدين الماضين، قد تمت بجهود الباحثين والباحثات في الفترة العمرية بين 30 و50 عاماً. ”
ختاماً، شدد على أن “الشباب أصيبوا بإحباط لأن هدفهم البحث عن فرصة عمل خارج عمل،” مشيراً الى أن “أصبحت نسبة بقاء طلبة الدكتوراه، الذين يدرسون في برامج مشتركة بين لبنان وخارجه وبقائهم في لبنان الى تراجع مقلق لأن إيجاد فرص عمل في مؤسسات الجامعية والعلمية بات فرصة نادرة جداً و غير محفزة للبحث العلمي، وأن البيئة الحاضنة الملائمة للبحوث والإبتكار مهددة للزوال….
المصدر : النهار العربي – روزيت فاضل