أن يكتب الأسرى الفلسطينيون من داخل سجون الاحتلال عدد “مجلة الدراسات الفلسطينية” 128 (خريف 2021)، هو شرف للمجلة، وتحدٍ قبلته بجميع ما يحيط به من تعقيدات لوجستية لإخراج المواد التي كتبها الأسرى من المعتقلات، وجهد تحريري له علاقة بالوقت المتاح لهيئة التحرير التي كانت قد فوجئت، مثلما فوجئ الجميع بالانتفاضة الفلسطينية الشاملة في أيار/مايو الماضي، فيما كانت تشرع بإنجاز العدد 127 (ربيع 2021)، فبات لزاماً مسابقة الزمن لإصدار عدد أساسه تلك الانتفاضة، لكن بتأجيل نشر المواد التي كانت جاهزة للنشر وبتأخير شهر عن موعد النشر الطبيعي، الأمر الذي أبقى للهيئة شهرين فقط لإنجاز العدد 128 الذي حمل عنوان “كلام الأسرى.. عيون الكلام”.
ولا بد من الإشارة إلى أن هذا العدد لم يكن ممكناً لولا المجهود الكبير الذي بذله الأسرى من أجل إيصال الصوت الفلسطيني عبر اللجوء إلى وسائل متنوعة. صوت الأعماق الفلسطينية الذي تم تهريبه عبر القضبان هو نفق حرية الثقافة، والذي جاء رديفاً لنفق الحرية الذي حفره ستة أسرى في سجن جلبوع، معلنين أن الحرية تكون حيث يكون الأحرار، وأن شمسها تشع في باطن الأرض.
صدور هذا العدد لم يكن ممكناً لولا الجهد المتميز الذي بذله الشاعر والناقد والأكاديمي عبد الرحيم الشيخ الذي نسّق العملية برمتها قبل وصول المواد إلى هيئة التحرير، فوضع محاور الندوة الخاصة التي تضمنها العدد، ونسق الاتصالات من أجل إخراج المواد من داخل السجون. وهكذا وُلد عدد خاص عن الأسرى، وبأقلامهم، ومن بينهم المناضل زكريا زبيدي الذي، وبصدفة غير متوقعة، كان من بين الأسرى الستة الذين تمكنوا من كسر كل إجراءات سجن جلبوع، وتحرير أنفسهم عبر حفر نفق الحرية، قبل أن تعيد أجهزة الإحتلال الأمنية اعتقالهم، بعد تجنيدها كل طاقاتها البشرية والتقنية.
عدد مجلة الدراسات الفلسطينية الخاص هذا، تضمن، إذاً: ندوة وتقارير ومقالات عن يوميات الأسرى ومواجهتهم مرحلة التحقيق العصيبة والوحشية، ثم إجراءات السجن اليومية، ورؤاهم وأحلامهم التي يصنعونها من خيوط شمس تشع من عزيمتهم وصمودهم. وبهذا استطاعوا تحدي الحيّز المحدود لبلوغ اللامحدود أكاديمياً، بإكمالهم دراساتهم ونيلهم شهادات الماسترز أو الدكتوراة، بل والتعمق في علوم الفلسفة والاجتماع ونشر أبحاث في هذه الحقول.
إذاً العدد تضمن ندوة شارك فيها قادة من الحركة الأسيرة: مروان البرغوثي؛ ثابت مرداوي؛ وجدي جودة؛ عبد الرازق فرّاج؛ باسم خندقجي؛ عبد الناصر عيسى؛ وليد دَقّة. كما تضمن مقالات ودراسات وشهادات وتحقيقات، كتبها: زكريا الزبيدي؛ قسم الحاج؛ سعاد قطناني؛ تسنيم القاضي؛ حسام شاهين؛ أمير مخول؛ أماني سراحنة؛ طارق مطر؛ باسم خندقجي؛ ليان الكايد؛ سائد سلامة؛ كميل أبو حنيش؛ ناصر حسن أبو سرور (ابن مزيونة).
وفي النهاية جرى التوقف عند حملة القمع التي نفذتها أجهزة أمن السلطة الفلسطينية ضد نشطاء سياسيين ومثقفين وأكاديميين، لمجرد محاولة الاحتجاج على تصفية تلك الأجهزة المعارض السياسي نزار بنات الذي هز مقتله على يد أفراد الأمن التابعين للسلطة، الضمير الفلسطيني العام، وهو حدث تابعته بدقائقه وتداعياته الصحافية نائلة خليل، فضلاً عن شهادات لأربعة ممن احتجزهم الأمن الفلسطيني: زكريا محمد؛ خلدون بشارة؛ هند شريدة؛ فادي قرعان، على دوار المنارة في رام الله، جمعها مهند عبد الحميد.