ورشة لليونسكو حول “حماية الممتلكات الثقافيّة في النّزاعات المسلّحة” برعاية وزير الثقافة

برعاية وحضور وزير الثقافة الدكتور محمد داوود، أطلق مكتب اليونسكو الإقليمي في بيروت ورشة عمل إقليمية مدّتها 3 أيام حول “حماية الممتلكات الثقافية في النّزاعات المسلّحة ” مخصّصة للإناث العاملات في المجال العسكري من الأردن والعراق ولبنان.
هذه الورشة هي الأولى من نوعها على المستويين المحلّي والدولي وهي تأتي في إطارعمل اليونسكو على توفير التدريب المناسب للقوّات المسلحة في مجال حماية الممتلكات الثقافية، وفي ضوء أولويّة اليونسكو العالميّة لتعزيز المساواة بين الجنسين . وتهدف الورشة الى تقديم عروضٍ محدّدة تركّز على القوّات العسكريّة لناحية الإلتزامات القانونية الدوليّة ذات الصّلة للدّول والأفراد، لا سيّما الإلتزامات المنصوص عليها في اتفاقية لاهاي لعام 1954 وبروتوكولَيها، في ما يتعلّق بحماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاعات المسلّحة، مع اقتراحات حول أفضل الممارسات العسكريّة على مختلف مستويات القيادة وخلال مراحل العمليّات العسكرية المختلفة ، سواءً عن طريق البرّ أو البحر أو الجوّ . كما تهدف ورشة العمل إلى دعم الموظّفات العسكريّات في التطوير المهني من خلال تعزيز معرفتهنّ بحماية الممتلكات الثقافيّة.
الإفتتاح
حضر الجلسة الإفتتاحية كل من وزير الثقافة الدكتور محمد داوود، وزيرة الدولة للتمكين الإقتصادي للنساء والشباب فيوليت الصفدي، العقيد الركن زياد رزق الله، ممثلاً قائد الجيش العماد عون ، مدير عام المديرية العامة للآثار المهندس سركيس الخوري، مدير مكتب اليونسكو الدكتور حمد الهمامي، الأمينة العامة للّجنة الوطنية اللبنانية لليونسكو الدكتورة تالا زين، ومسؤول قطاع الثقافة في مكتب اليونسكو في بيروت المهندس جوزيف كريدي.
كريدي
بعد النشيد الوطني، إفتُتح اللقاء بكلمة ترحيبية ألقاها كريدي، جاء فيها: ” إن التراث الثقافي عنصر هام للذاتية الثقافية للمجتمعات والجماعات والأفراد، وللتماسك الاجتماعي، وان تدميره المتعمد تترتب عليه، من ثم، نتائج ضارة بالكرامة البشرية وبحقوق الإنسان. إن أحد المبادئ الأساسية الواردة في ديباجة اتفاقية لاهاي لعام 1954 الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية في حالة وقوع نزاع مسلح ينص على “أن الضرر الذي يلحق الممتلكات الثقافية لأي شعب من الشعوب إنما يعتبر ضرراً أصاب التراث الثقافي للإنسانية جمعاء، نظراً لأن كل شعب يسهم بنصيب في ثقافة العالم”. من هنا أهمية هذه الورشة خصوصاً بعد أن عانت منطقتنا العربية من حروب كثيرة”.
وأضاف: “إن ورشة العمل هذه ستمتد على مدى ثلاثة أيام وهي من أولى ورش العمل في العالم التي تنظمها اليونسكو للضباط الإناث العاملات في المجال العسكري . ستتعرّف المشارِكات فيها إلى عملية حماية الممتلكات الثقافية خلال الأعمال العدائيّة وأثناء الإحتلال الحربيّ . وستتمكّن المشارِكات، الآتِيات من خلفيّات مختلفة من فهم كيف يمكنهنّ الإسهام في حماية الممتلكات الثقافيّة من مواقعهنّ الإستراتيجيّة المختلفة.”
الهمامي
بدوره قال مدير مكتب اليونسكو الدكتور حمد الهمامي : ” تشكّل حماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلّح اليوم رهاناً في السياق الدولي، وبخاصةٍ على ضوء النزاعات العديدة التي يشهدها العالم . ولا تعني حماية هذه الممتلكات الدول وحدها، بل تعني أيضاً المجتمع الدولي برمّته وتشكّل اليوم إحدى أهم التحديات التي يتوجّب علينا أن نواجهها معاً”.
وأضاف: ” لقد أمسَى تدمير الممتلكات الثقافية أثناء النّزاعات المسلّحة شائعاً للغاية في السنوات الأخيرة، مع حدوث انتهاكات فظيعة ومتكرّرة للقواعد القانونية الدوليّة القائمة الّتي تهدف إلى حماية التراث الثقافي للبشرية جمعاء. وتُسلّط هذه الجرائم الضّوء على الحاجة الملحّة للتشجيع على تنفيذ إتفاقية لاهاي للعام 1954 بشأن حماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلّح وبروتوكولَيها وضمان هذا التنفيذ، إلى جانب النظام الدّوليّ الشامل في ما يتعلّق بحماية الممتلكات الثقافيّة.”
وأشار الهمامي الى أنّه: ” وفقاً للمادّة 7 من إتفاقية لاهاي للعام 1954، يقع على عاتق الدّول الأطراف في هذه المعاهدة واجب التحفيز على روحيّة احترام الثقافة والممتلكات الثقافية للشعوب جميعاً لدى أفراد قوّاتها المسلّحة. وطبقاً للمادّة 30 من البروتوكول الثاني لإتفاقية لاهاي لعام 1954، يتعيّن على الدّول الأطراف أن تضع برامج تدريبية وتثقيفيّة للقوّات العسكريّة في وقت السّلم بشأن حماية الممتلكات الثقافية وأن تنفّذها بالتّعاون مع اليونسكو والمنظمات الحكوميّة وغير الحكوميّة ذات الصلة. وعليه تساعد اليونسكو، بالتّعاون مع شركائها، الحكومات على تنظيم هذه الأنشطة “.
وختم: “مع أخذ كل ما تقدم بعين الاعتبار، وتذكيراً بأنّ تحقيق المساواة بين الجنسين يمثّل أولويّة عالميّة لليونسكو، قمنا بتنظيم ورشة العمل هذه لضّباط إناث عاملات في المجال العسكري في كل من لبنان، والمملكة الأردنية الهاشمية وجمهورية العراق هادفين الى تعزيز معرفة الأفراد الإناث في القوّات المسلّحة بشأن حماية الممتلكات الثقافيّة، فضلاً عن الإسهام في تطوير مسيرتهنّ المهنيّة.”
الصفدي
ثمّ تحدّثت الوزيرة الصفدي، فقالت “أنْ تُهْدَمَ مدينةٌ، ليس لها من أصالةِ التاريخ شيءٌ، فإنّ إعادةَ بنائِها لا يَعُوقُها عائق، ولكنْ أن يُقضى على مَعْلَمٍ أثريِ تاريخي، فذلكَ إعدامٌ له، ولا حياةَ له بعدَ ذلك! لا بلْ تموتُ أجيالٌ من البشر، تتناسلُ منها أجيال.. لكنْ ماذا عن تدميرِ مَعْلَمٍ أثريِ، يرقى إلى آلافِ السنين؟ يموتُ وليسَ مِنْ بديل! ومما يُعزِّزُ من دورِ المعالمِ الأثريةِ أن خطابَ الحجر قد يكونُ أكثرَ إفصاحاً وديمومةً من خطابِ البشر. فهو يأخذُ بيدِنا إلى مراحلَ من التاريخِ لا يُمكنُ تغييبُها.. هو الحافظُ لها، يُنبئُنا عن حضاراتٍ عَبَرَتْ، وعن أجيالٍ مرّتْ من هُناك، وعن حكايا ومواقِعَ ومعاركَ وأحداث… كُلُّ أولئك بلسانٍ أكثرَ بلاغةً وتعبيراً من لغةِ البشر! بل هو يتكلَّمُ لغاتِ البشرِ جميعَها!”
وأضافت: ” كانَ للحروبِ المتنقّلةِ التي يشهدُها العالم، والتي ازدادتْ وتيرتُهَا، لا سيما في العالمِ العربي والإسلامي، على يدِ المجموعاتِ التكفيريةِ أن تُسفِرَ عن تدميرِ قسمٍ كبيرٍ من تُراثِ الإنسانية الذي يعودُ إلى آلاف السنين، بحُجَجٍ وذرائعَ دينية، والدينُ من ذلك بَرَاء!”
وأردفت: ” وإذْ نثمِّنُ عالياً أعمالَ هذه الورشة، فلِكَونِها الأولى من نوعها، محلياً وعلى المستوى الدَوْلي. فهي تندرجُ في إطارِ عملِ اليونسكو على توفيرِ التدريبِ المناسب للقواتِ المسلّحة، في مجالِ حمايةِ الممتلكات الثقافية. ناهيكَ عن أنها تُؤشِّرُ على واحدٍ من منطلقاتِ اليونسكو، لجهةِ المساواةِ بين الجنسين، بما يُعزِّزُ من معرفةِ الإناث العاملات في القواتِ المسلّحة، ومن قدراتهنَ، بما يعودُ إلى حمايةِ هذه الممتلكاتْ.”
وختمت الوزيرة الصفدي: “يسُرّنا ويُسعِدُنا، ونحن نرى الضباطَ من الإناثِ، في القواتِ المسلّحة، من العراقِ والأردن الشقيقين، وكذلكَ من لبنان، وهُنّ يتدرّبنَ، كما الرجال، على حمايةِ الممتلكاتِ الثقافية في بلادِهِنْ. وبهذا يُعطيًنَ أمثولةً بليغةً عن دورِ المرأةِ في المجتمع، وأنها الجناح الآخرُ مع الرجل، وليست ضِلعاً من أضلاعه! شكرًا أيتها الضابطات الحارسات لتاريخِنا وحضارتِنا وهُويَّتِنا الثقافية، في هذه المنطقةِ من العالم!”


داوود
وفي كلمة له قال الوزير داوود: ” يرزح العالم بأسره، والمنطقة العربية تحديداً تحت كاهل الصراعات والأزمات المتنقلة، طالت شظاياها البشر والحجر على حد سواء، فباتت مسألة حماية التراث الثقافي أثناء هذه الحروب من الأولويات التي سعى المجتمع الدولي إلى وضع الإطار القانوني لها وبلورتها ضمن إتفاقيات ومعاهدات دولية، فكان لبنان من أوائل الدول التي انضوت تحت مظلة هذه المعاهدات. وفي هذا الإطار، وبعد أن صدقّ لبنان على إتفاقية لاهاي لعام 1954 وبروتوكولها الأول في العام 1960، عمل على إستكمال كافة الإجراءات القانونية الآيلة إلى التصديق على البروتوكول الثاني لها، فنظمت وزارة الثقافة وبالتعاون مع كل من منظمة الأونيسكو ومكتبها الإقليمي في بيروت، ومنظمة الدرع الأزرق ورشات تدريب ومؤتمرات لتحفيز كافة شرائح المجتمع اللبناني من قوات مسلحة، ومجتمع مدني وصولاً إلى الطلاب في المدارس والجامعات والبلديات، على أهمية الإلتزام بالحفاظ على التراث الثقافي المادي وغير المادي لاسيما في أوقات النزاع المسلح. ويسرني، أن أعلن وبكل فخر، أن مجلس النواب قد أقر في جلسته العامة الأخيرة “قانون الإجازة للحكومة اللبنانية الإنضمام إلى البروتوكول الثاني لإتفاقية لاهاي”، الأمر الذي يشكل خطوة إيجابية وانتصاراً للتراث الثقافي”.
وأضاف: ” نلتقي اليوم لإطلاق ورشة عمل مميّزة ومثمرة حول تطبيق إتفاقية لاهاي لعام 1954 وبروتوكوليها . وفي هذا السياق، لا بدّ من التأكيد على أن حماية التراث الثقافي والممتلكات الثقافية المنقولة وغير المنقولة، لا تستقيم إلا من خلال التدريب والتوعية وإتاحة الفرص أمام الجميع للإلمام بكافة النصوص القانونية في هذا الشأن، وهو أحد الأهداف التي تصبو إليه ورشة العمل هذه. أما أكثر ما لفت انتباهي وأثني عليه، هو الجمهور المميّز الذي تتوجه إليه هذه الورشة ، إذ تنحصر المشاركة فيها بالإناث فقط، وهذه الخطوة تسهم بشكل فعال بتعزيز الهدف الخامس من خطة التنمية المستدامة 2030، المدرج تحت عنوان “تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين كل النساء والفتيات”.
وختم: ” تتطلع وزارة الثقافة بإستمرار إلى التعاون مع كافة المنظمات والجمعيات الدولية منها والمحلية، وتنتهج سياسة الإنفتاح على كل المبادرات الإيجابية التي تساهم في تعزيز القطاع الثقافي”.يشارك في ورشة العمل نحو 40 امرأة من الضبّاط العسكريّات والمستشارات القانونيّات المدنيّات والضباط والمخطِّطات للأهداف العسكريّة من كل من لبنان والعراق والأردن.
وستتمكّن المشارِكات من الإفادة من حوار بنّاء وتبادل مع الزّميلات والمتحدّثين، ممّا يشجّع على مستوى متقَدِّم من فهم القضايا على كِلا المستويَين النظريّ والعمليّ. وستتمكّن المشارِكات، الآتِيات من خلفيّات مختلفة من فهم كيف يمكنهنّ الإسهام في حماية الممتلكات الثقافيّة من مواقعهنّ الإستراتيجيّة المختلفة.

لمشاركة الرابط: