إعداد عاطف البعلبكي
عدسة nextlb
نادرة هي القلاع والحصون التي بقيت في الخدمة الفعلية في العالم لعقود طويلة من السنين ، وقلعة شقيف أرنون إحداها وهي الإستثناء ، وتعتبر القلعة من أطول المواقع في العالم إستخداماً كموقع عسكري، منذ اكتمال بنائها في القرن الحادي عشر الميلادي وحتى عام 2000 تاريخ الاندحار الإسرائيلي منها ، رفع الصليبيون أبنيتها وأبراجها ، ورممها الأمير فخر الدين المعني الثاني ليستخدمها كحصن عسكري ، وتُعرف في المراجع التاريخية باسم قلعة بوفور Beaufort أي الحصن الجميل .
هي من أروع القلاع التي بناها الصليبيون في أعلى منحدر صخري شاهق يقع على ارتفاع 700متر عن سطح البحر وتشرف على مجرى نهر الليطاني ، هندستها فريدة تكاد تكون امتدادا لقمة هذا “الشقيف” العملاق الذي ينتصب كسد منيع مشرف على وادي الليطاني أحد المعابر الإلزامية للوصول الى الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة. وتقول المراجع أن بناءها قد تم في عام 1135 لتكون بمثابة حارس للممر الجنوبي الذي يربط شاطئ صيدا وصور بالبقاع والشام ، وأطلق عليها أحد الرحّالة العرب اسم شقيف أرنون نسبة لبلدة أرنون التي تقع في أسفلها الشمالي الغربي.
الموقع الإستراتيجي
تقع القلعة بالقرب من بلدة أرنون الجنوبية التي تبعد مسافة 62 كلم عن بيروت ، وتنتصب على مرتفع شاهق يجعل منها مطَلاً يكشف المناطق المحيطة بها ، تشرف على نهر الليطاني وسهل مرجعيون ومنطقة النبطية ، وتطلّ على مرتفعات جبل الشيخ في سورية و من الشمال تطل على فلسطين المحتلة ، وتتألف بنيتها من عدة طوابق، إضافة إلى بعض الأبراج المحيطة بها. على أبراجها وأسوارها مرت جيوش عديدة حتى عام 1982 حيث استهدفها طيران العدو الصهيوني مدمراً أبراجها التي تحصنت فيها آليات من منظمة التحرير الفلسطينية ، وهاجمها بغارات متتالية حتى تمكن من احتلالها لتعود فتدفع ضريبة الموقع الإستراتيجي في عام 2000 عام التحرير ، ثم تعود لتتلقى ضربات الحقد والإنتقام في عام 2006 وحرب عناقيد الغضب الصهيونية .
شكلّت القلعة رغم تطور سلاحي الجو والبر للعدو الإسرائيلي على لبنان في عام 1982، عقدة مستعصية إذ لم يتمكن الجيش الإسرائيلي من دخولها إلا بعد فترة طويلة ومقاومة شرسة من الفصائل الفلسطينية التي كانت قد اتخذت منها مركزا عسكرياً متقدماً على تخوم فلسطين المحتلة .
تخريب القلعة خلال الإحتلال
وقعت معركة الشقيف بين جيش الاحتلال الإسرائيلي ومنظمة التحرير الفلسطينية في 6 حزيران يونيو من عام 1982 داخل القلعة ، وكانت واحدة من أولى المعارك التي شهدتها حرب لبنان 1982 ونتج عنها احتلال الجيش الإسرائيلي لها .
والجدير بالذكر أن العدو الإسرائيلي قام قبيل انسحابه من لبنان في عام 1982 وفي عدوان تموز 2006 بدكّ جدران القلعة عبر غارات جوية مركزة هدفت إلى هدم معالمها وتدميرها انتقاماً. بعد ان استخدمها كمركز عسكري . وتداعت جدرانها وتشققت بسبب تحرّك الآليات العسكرية داخل حرم القلعة. أضف إلى ذلك التغيير في شكلها الهندسي، فقد دمرت الغارات والقصف المدفعي البرج الرئيسي والجدران الخارجية خلال سنين الاحتلال. ولكن يبقى ردم الخندق المحيط بتلة شقيف أرنون من أكثر عمليات التشويه التي عرفها الموقع. فالخندق الذي حفره الصليبيون، والذي يهدف إلى تأمين مركز دفاع عن القلعة، ردمه الإسرائيليون أولاً بالإسمنت، ثم شيّدوا تحصينات في داخله. وقبل الإنسحاب كان جيش الإحتلال الإسرائيلي ينوي تفجير المنشآت داخل الخندق ما كان سيؤدي حتماً إلى تدمير الموقع، لكن التوسط من خلال اليونسكو أوصل إلى تغيير في طرق التفجير، وأدى بالطبع إلى زيادة التصدّع في الجدران .
معلم سياحي حضاري
تشكّل القلعة مكاناً سياحياً وجمالياً يقصده اللبنانيون والزوار العرب والأجانب للتمتع بالمناظر الطبيعية واللوحات الخضراء المحيطة بها من سهول وجبال وهضاب، وصولاً إلى بحيرة طبريا في سهل الحولة الفلسطيني عند صفاء الجو، وغرباً باتجاه البحر المتوسط، فالجولان السوري المحتل شرقاً.
وفي أواخر آب أغسطس 2010 تم وضع حجر الأساس لمشروع ترميم وتأهيل القلعة بمنحة من دولة الكويت ومساهمة لبنانية من خلال وزارة الثقافة ومجلس الإنماء والإعمار. وهدف المشروع إلى إعادة كشف معالم القلعة من جهة وترميمها من جهة أخرى.
وفي مطلع كانون الثاني يناير 2015 أقيمت احتفالية بإنتهاء ترميم القلعة وإضاءتها بالتعاون ما بين كل من الصندوق الكويتي للتنمية الإقتصادية العربية ، ومجلس الإنماء والإعمار ووزارة الثقافة اللبنانية واتحاد بلديات الشقيف وبلدية أرنون، بحيث غدت مكاناً سياحياً تاريخياً يقصده الجميع لطبيعتة الخلابة، فضلاً عن زيارة مكان تاريخي ضارب في القدم ومجسّداً لماض تليد.
المصدر : موسوعة ويكيبيديا وجريدة الحياة