(بالفيديو) جولة ل “nextlb “في خان الخياطين_طرابلس :هل ألغت التكنولوجيا والمصانع الحديثة ما لم تَمحُه القذائف ؟

الفيحاء_ إكرام صعب
عندما تزور خان الخياطين بعد عشرات السنين من الغياب ، تستيقظ في ذاكرتك صور ومشاهد لخياطي ذلك الزمن الجميل ، وأصوات آلات الخياطة ، وضربات عصا المنجد ، ولحاف سرير العروس ، والفرشات المصنوعة من القطن والصوف لبيوت الطرابلسيين ويشاركهم أفراحهم ومناسباتهم ، إختلف المنظر اليوم وبقي في السوق إثنان منهما فقط من أصل أربع وعشرين ، من ذلك الماضي السعيد ، يقتصر عملهما الحالي على عمليات تقصير للألبسة الجاهزة المباعة في المحلات التي تحولت الى بيع الملابس الجاهزة الأجنبية المنشأ ،ما يثلج الصدر ان كل أصوات المدافع وأزيز الرصاص لم تسطع ان تنال منه ، بينما نجحت التكنولوجيا في إضعاف دوره.
شكل خان الخياطين منذ القدم مكاناً مميزاً في مدينة طرابلس شمال لبنان ، سوق كبير مسقوف واكب تاريخ طرابلس منذ قرون عدة ، كان متخصصاً بخياطة الأزياء الطرابلسية والوطنية والعربية، يتميز هذا الخان عن تصاميم الخانات الأخرى، بشارعه الطويل المسقوف، وتتوزع على جانبيه الدكاكين التي تعنى بكل ما يتعلق بمهنة الخياطة تقليداً وتراثاً.


وعلى الرغم من أن آثار طرابلس، نالت قسطاً كبيراً من البحث العلمي، إلا أنه لا يوجد أية وثيقة تاريخية تحدد تاريخ بناء هذا الخان، لكن وبحسب مديرية الآثار، وعدد من المؤرخين الطرابلسيين، يعود بناؤه الى القرون الوسطى ، وقد وجد عند المدخل الغربي للخان آثار تعود إلى العصر البيزنطي، أو ما يعرف بالعصور القديمة، أي أكثر من ألف سنة تقريباً. وفيما تذكر الروايات، عن بعض المؤرخين الصليبيين أن “طرابلس عندما سقطت في أيدي الصليبيين، كان فيها أكثر من أربعة آلاف عامل يعملون فقط في حياكة النسيج الذي يستخرجونه من دود القز، التي اشتهرت المدينة في صناعته”.

ومع دخول المماليك الى طرابلس، في القرن الرابع عشر ميلادياً، حرصوا على إيجاد خان خاص للخياطين في المدينة بهدف الحفاظ على الصناعة، لما وجدوا في مهنة الخياطة وصناعة النسيج، من أهمية على الصعيد التجاري والإقتصادي، وأرادوا، أن يكون خان الخياطين مكاناً لممارسة مهنة الخياطة والتجارة، فتركزت أعمال الخياطة وعرض الأقمشة والألبسة العربية في الطابق الأرضي، بينما كان الطابق العلوي يستخدم كفندق للنزلاء.
صمم خان الخياطين ليستوعب أكبر عدد عدد ممكن من التجار والزوار، فأنشئ له مدخلان رئيسيان لهما بابان من الخشب، وتعلوه قناطر بيضاء اللون، ولا تزال الأبواب الخشبية تزين كل محلاته وحوانيته، التي تصطف بطريقة منتظمة داخل ممر طويل من الحجر الأثري. وهو لا يزال حتى اليوم يجمع بين حرفة الخياطة، وبيع الأقمشة والملابس العربية القديمة كالشراويل والطرابيش والزنانير، ونظراً لجودة أنواع الأقمشة والألبسة المميزة التي نادراً ما تجدها خارج هذا الخان، أصبح يحتل مركزاً ممتازاً ورئيسياً في جولات السائحين والباحثين الذين يتوافدون الى طرابلس للتعرف إلى تاريخها وتراثها وحضارتها.
في الوقت نفسه، يأسف أحد أصحاب المحلات في الخان، على عدم الحفاظ على هذه المهنة وتوريثها للأبناء ، بالرغم أنها لم تعد كالسابق، ولا تؤمن سبل العيش الكريم ، بحسب حسان الحموي الذي روى ل “nextlb ” :” كيف واكب خان الخياطين مختلف الأحداث والأزمنة، وهو اليوم كما العديد من خانات طرابلس فقد الكثير من خصوصيته، التي شهدت دخول التكنولوجيا الحديثة، وبعض الصناعات التي أفقدته ميزته القديمة”.يشرح الحموي بالفيديو عن كيفية صنع عباءات من وبر الجمل

ويتابع الحموي:”لخان الخياطين فضل كبير في شهرة طرابلس العربية والعالمية، فهو شكل عامل جذب لمختلف التجار العرب والأوروبيين الذين كانوا يقصدون الخان ويحملون الى بلادهم الأقمشة والألبسة العربية التقليدية، مما ساهم في إزدهار هذه المهنة التي إستمرت منذ ذاك التاريخ حتى السبعينيات من القرن الماضي، ومن ثم بدأت هذه المهنة بالتراجع، مقابل المصانع المعدة لبيع الألبسة الجاهزة والمستوردة، ما أدى الى تراجع عملنا بشكل كبير، لذلك نلجأ الى صنع ألبسة ذات طابع تراثي ، لبيعها الى جانب عملنا في الخياطة لكي نستطيع أن نكسب لقمة العيش لنا ولعائلاتنا”.
بقي هذا الكنز الاثري، شاهداً على معظم تفاصيل الحياة اليومية لأهالي مدينة طرابلس، ومعلماً من معالمها الأثرية والتراثية، ولكن يخشى عليه اليوم من الإندثار، أكثر من أي وقت مضى. حيث باتت التكنولوجيا والمصانع الحديثة أقوى من القذائف الصاروخية التي أدت الى تصدع عقوده وجدرانه ، ورغم مبادرة بلدية طرابلس لإعادة تأهيله، عبر هبات محلية ودولية..
يبقى هذا السوق صورة جميلة في قلب كل من زاره سابقا وحديثاً ، ولكنه بحاجة الى دعم على مختلف المستويات لتسويق منتجاته وتشجيع العاملين فيه بما يضمن استمرار السوق كقيمة تراثية ووطنية.
[email protected]
عدسة nextlb

لمشاركة الرابط: