إكرام صعب
أمسية ثقافية تراثية عمادها اللغة العربية حملت معها الحضور الى عالم “ألف ليلة وليلة “بحلته الإسبانية الجديدة .
أحتفالية ثقافية أكدت بمضمونها وحضورها وأهدافها أهمية حقبة التواصل بين الحضارتين العربية والإسبانية في بلاد الأندلس جمعت الحضور حول رواية الف ليلة وليلة بنسختها الإسبانية من خلال ترجمتها على أيدي ضيوف الأمسية الاستاذ المحاضر في جامعة غرناطة الإسبانية البروفسور سلفادور بينيا و البروفسور ميغال كنيادا .
حدث أكد ان العربية بمضمونها العريق يمكنها ان تغزو العالم من خلال ترجمتها الى اللغات الحية .
الإحتفالية التي دعا اليها النادي الثقافي العربي إنعقدت على شكل ندوة تحت عنوان “مرصد اللغات العربية وأخواتها في رحاب النادي “.
والمرصد على ما جاء في الدعوة هو “العين المتنبّهة لكل ما يجري بين اللغة والناس، يتوقف عنده ويسجله، ويبوبه، ويضعه في خدمة الجميع”.
وللمناسبة غصت قاعة مركز النادي في منطقة الحمرا بالحضور تقدمهم الرئيس فؤاد السنيورة والوزير غطاس خوري ممثلا الرئيس سعد الحريري ، ورئيس النادي الثقافي العربي فادي تميم وإميل جعجع ممثلا وزير الإعلام ، والسفير الإسباني في لبنان خوسي ماريا فرّيه ودبلوماسيون من مختلف السفارات العربية والأجنبية ، والمديرة العامة لمؤسسة رفيق الحريري سلوى السنيورة بعاصيري ونواب ووجوه وشخصيات ثقافية وإعلامية واجتماعية وتربوية .
إفتتحت الندوة بكلمة النادي ألقتها رئيسة اللجنة الثقافية في النادي نرمين الخنسا فرحبت بالحضور وتمنت النجاح للمرصد ، وشددت على دور النادي منذ تأسيسه في عام 1944 في مجالات الثقافة على تنوعها وشريكة المرصد في مشاريعه ، المديرة العامة لمؤسسة رفيق الحريري سلوى السنيورة بعاصيري التي لخصت شراكة المؤسسة في أنشطة المرصد مشيرة الى الشريك الثالث وهو السفارة الإسبانية في بيروت، وشددت على أهمية تعدد اللغات الذي لا ينتقص من أهمية العربية ودورها الرائد قالت فيها ” في رحاب النادي الثقافي العربي، واحة ثقافية عريقة، نلتقي مؤكدين على ما أسهم به النادي لعقود ممتدة في تعزيز الحالة الثقافية في لبنان كما في العالم العربي، منتهجاً في سبيل ذلك مسارات عدة ومتعاوناً من أجل ذلك مع مرجعيات متنوعة، إنسجاماً مع قناعة النادي الثقافي العربي الراسخة بأن الثقافة مرآة للناس وأحوالهم، وبأنها مؤشر لما يمكن أن تؤول إليه أمورهم تطوراً أم انحساراً، وتماهياً مع وعي النادي العميق بأن أي انشغال ثقافي لا يمكن أن يؤتي ثماره إلا إذا واكب المستجد وحاكى التطورات وأرسى جسور التواصل والتفاعل مع كل المعنيين والمهتمين.
وتابعت “على خلفية كهذه كان من الطبيعي أن يتوجه مرصد اللغات العربية وأخواتها والذي أنشأته جامعة القديس يوسف في حرمها الجامعي، وتتعاون في تحقيق رسالته وغاياته مع مؤسسة رفيق الحريري والسفارة الاسبانية في لبنان، إلى النادي الثقافي العربي طلباً للتعاون، كما كان من الطبيعي في المقابل أن يلبي النادي الثقافي العربي نداء التعاون لجهة إسهامه في تنفيذ أحد مشاريع المرصد وهو بعنوان :”وضع اللغة العربية في لبنان في السنوات الثلاث الأخيرة”. فاللغة مركزية في الحالة الثقافية وهي، أي اللغة، وبحسب تعبير الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر، “الإطار الذي يحدد المفاهيم الثقافية والسياسية والاجتماعية “.
وأضافت “هذا الترابط العضوي بين اللغة والثقافة هو ما يضفي على مرصد اللغات العربية وأخواتها أهمية بالغة سيما في هذه الحقبة بالذات والتي تشهد تحولات ثقافية متداخلة ومتتالية لا تقف عند حدود عالمنا العربي فقط وفي إطار لغته العربية، بل تطال كل ركن من عالمنا المعولم الذي استطاعت التقانات الحديثة أن تحوله الى منصة بذبذبات كثيفة المصدر والتأثير.
لذا لم يكن مستغرباً أن يتوسع اهتمام المرصد ليشمل أخوات العربية من لغات أخرى، نراها موجودة في الثقافة العربية تماماً كما نرى الثقافة العربية حاضرة في ثقافات عالمية عدة من طريق اللغة. ولا نذكر جديداً بالقول أن الثقافتين العربية والاسبانية، كما الثقافتين العربية والفرنسية، قد تلاقحتا على مر العصور في استعارات متبادلة طالت المئات من الكلمات وأسهمت في إثراء كل منها. ولا عجب أننا عندما نتكلم بأي من اللغات الثلاث إنما نتكلم في الواقع بأكثر من لغة.
لا نغفل حكماً عن الإنشغالات العديدة التي تهجس بها مجتمعات اليوم ومن بينها مجتمعنا العربي، وفي مقدمها الأمن والهجرة والبطالة والفقر والأمية والبيئة وسواها. ولكننا إذا أمعنا النظر نجد أن الهم الثقافي ومسالة الهوية والإنفتاح على الثقافات الاخرى تبقى مجتمعة محورية في انشغالاتنا وتتطلب مزيداً من الرصد طريقاً الى إحداث تغيير ما يعكس نفسه ايجاباً على سائر الانشغالات.
وختمت “والرصد والحالة هذه وإن كان عملية تقنية متقدمة تستوجب معايير موضوعية ومواصفات مهنية، فهو في آن ثقافة وعي بما يجري حولنا وإدراك عميق بأنه لايمكن إحداث تغيير في واقع ما قبل رصد مكوناته وتفسير أبعاده وتحليل تأثيراته. ونأمل في رصدنا اللغة العربية أن ننجح في دراسة واقعها ومدى تأثيرها وتأثرها بالمناخ المعرفي والإجتماعي والثقافي في محيطها المباشر وعبر احتكاك الثقافة العربية بالثقافات الاخرى، وأن ننجح أيضاً في تحقيق قيمة مضافة تخدم في الإفراج عن إمكانات لغتنا العربية وتصب في تعزيز حضورها المعرفي والثقافي المأمول.”
أما مدير البيت العربي في مدريد بدرو مارتينز آفيال فتوقف عند أهمية العربية في إسبانيا والدور الذي يؤديه البيت العربي متمنياً النجاح للمرصد ومبدياً الإستعداد للتعاون ،فيما شدد سفير إسبانيا في لبنان خوسي ماريا فرّيه على استمرار تعاون السفارة مع مؤسسة الحريري وجامعة القديس يوسف كما كانت الحال في عهد أسلافه لا سيما منهم السفيرة الراحلة ميلا غروس . وبارك وزير الثقافة د. غطاس خوري مثل هذه المشاريع المميزة التي تذكر بإنفتاح لبنان على اللغات والثقافات وهو ثروة لبنان الحقيقية.
وبدوره تحدث رئيس جامعة القديس يوسف البروفسور سليم دكاش اليسوعي فأثنى بداية على أنشطة النادي وعلى دعمه لمشاريع المرصد واستقباله له، كما ذكّر بشراكة المرصد ومؤسسة رفيق الحريري والسفارة الاسبانية، وشدد على خروج الجامعة الى المجتمع والآخرين متوقفاً عند علاقة الآباء اليسوعيين بالعربية وتوسع بكتاب “غرائب اللغة العربية” للأب رفائيل نخلة اليسوعي، وما تضمنه من كنوز العربية. ورأى أن تعدد اللغات لا يحول دون الإهتمام بالعربية مذكراً بأهمية العربية واهتمام الغرب بها ممثلاً على ذلك بدور البيت العربي في مدريد، ومعهد العالم العربي في باريس. وختم بقول مأثور جاء فيه “وأنا من كان يحسب أن لغتي هي أبهى اللغات وأدقها أدركت أن لسائر اللغات عليها أكثر من يد بيضاء”.
وللمناسبة منح وزير الثقافة ، البروفسور سلفادور بينيا درع وزارة الثقافة تقديراً لجهوده التي أثمرت نقل كتاب الف ليلة وليلة الى الإسبانية .
وانتقلت الندوة بعد ذلك الى الحوار حول “الف ليلة وليلة بحلته الإسبانية”. فكانت سلسلة من الأسئلة وجهها مدير المرصد البروفسور هنري عويس الى كل من سلفادور بينيا وميغال كنيادا حول علاقتهما بالعربية ومدى العلاقة القائمة بينها وبين الإسبانية وتحديدهما للثنائية اللغوية التي كرسا عملهما الجامعي لها.
وجدير بالذكر أن الندوة بدأت بالوقوف دقيقة صمت لراحة نفس سفيرة إسبانيا السابقة ميلا غروس التي أحبت لبنان وساهمت فيه بالمشاريع والأنشطة الثقافية.
[email protected]