خاص – nextlb
السؤال الملح الذي يطرح نفسه في عز معمعة إنتشار وباء الكورونا والتهم الموجهة الى الصينيين وتسببهم بالوباء للبشرية ، وأقول “التهم” يعني أنها غير مثبتة وغير علمية لحينه وهي ترجع انتشار الفيروس الى أكل الشعب الصيني للزواحف والطيور والخفاش والكلاب والحشرات ، وكل ما يتحرك ويطير ويدب على أربع أو على إثنتين لا فرق أو يزحف أو يسبح .
الكاتب والقاص والروائي أحمد الكراني وقع في نفس التساؤل الذي وقعنا فيه نحن وأجرى دراسة موسعة تاريخية فند فيها تاريخ وعادات “الشعوب الصينية” في أكل : ” كل الكائنات الحية التي تمشي فوق الأرض أو تطير في الجو أو تعوم في الماء، وهذا الأمر يشمل الحيوانات والنباتات والحشرات، كل شيء حرفياً”.
وفي خلاصة الدراسة أن مجاعات عدة وكوارث أصابت الشعب أو الشعوب الصينية منذ ما قبل ولادة السيد المسيح وشح الطعام وتضاعف عدد السكان مرات عدة وانتشرت الأوبئة ، فإضطروا مرغمين الى أكل الزواحف والحشرات ، وصولاً الى “لعنة ماو تسي تونغ ” الذي خرب بنظرياته الخنفشارية التوازن الطبيعي للبيئة بشكل مخيف فقد قضى على طيور الدوري بحجة أكلها لمحاصيل الأرز والقمح ، فكثرت الحشرات والأوبئة وقتلت الملاريا الشعب الصيني ، كما أن قتل كل ما يطير في سماء الصين أخلى الساحة لموجات هستيرية من الجراد أكلت الأخضر واليابس وانتشرت الحشرات والفئران والجراذين والأفاعي ، فأجبر الناس على اصطيادها على أن يدفع لهم ثمنها ولكنه لم يف بوعده لهم ليضطروا بعد سيل من المجاعات الى أكل الفئران والجراذين والأفاعي التي كانوا يجمعونها …هذا هو ملخص الدراسة التي نشرها الروائي أحمد الكراني على موقع “عربي بوست” .
وإذا أردت عزيزي القارىء التوسع بالمعلومات ، تابع القصة في الدراسة التاريخية (المختصرة) للكاتب الكراني الذي نشرها على موقع “عربي بوست” وقد جرى تلخيصها بسبب طولها على الشكل التالي :
لماذا يأكل الصينيون بتلك الطريقة؟
تمثل العادات الغذائية الغريبة للشعب الصيني لغزاً محيراً للعالم أجمع، ومؤكد أنك قد سألت نفسك لماذا يأكل الصينيون بتلك الطريقة؟! خاصة بعد ظهور فيروس كورونا المستجد، وتفشيه كوباء عالمي أصاب وقتل مئات الآﻻف من سكان العالم، ولك أن تتخيل أن الصينيين يأكلون كل الكائنات الحية التي تمشي فوق الأرض أو تطير في الجو أو تعوم في الماء، وهذا الأمر يشمل الحيوانات والنباتات والحشرات، كل شيء حرفياً.
السبب المباشر في خلق تلك الثقافة والعادات هو المجاعات، وبداياتها الموثقة لحالات أكل شاذة عن طبيعة البشر كانت في عام 108 قبل الميلاد، واستمر تزايدها بنسب متفاوتة، لكن بشكل مضطرد حتى عام 1911، تلك الفترة وقعت فيها 1828 مجاعة، وفي أماكن متفرقة من الصين، أي بمعدل مجاعة كل سنة تقريباً، ورغم أن أغلب تلك المجاعات كانت صغيرة ومحلية ، فإن حدوثها المتتابع خلّف أزمة كبيرة جداً في الموارد الغذائية، ومن هنا بدأ الشعب الصيني في لإعتماد على أي شيء يصلح للأكل.
ومنذ عام 1851 ، كانت حياة الفلاحين الصينيين على هامش اهتمام الحكومات والأنظمة المتعاقبة، فإنتشر الجوع بين أفراد المجتمع الصيني بشكل كبير، وتم تسجيل حالات موت جماعي في مناطق متفرقة لعدم توفر الغذاء، فأكلوا الحشرات حية، وغدوا مطاردين للقطط وللكلاب لقتلها وأكلها .
وتضاعفت أعداد السكان بإستمرار، ومع الفقر المنتشر بالتوازي مع الخلل القاسي في اقتصاديات الأسر نشأت حالة من الإعتماد على كل ما تقدمه الطبيعة، ومع التنوع البيئي في حياتهم العادية تزايد اعتمادهم على الكائنات التي تعيش في أرضهم، وفي نهايات الحرب اليابانية في الأربعينيات أصبح المطبخ الصيني يضم كل الحيوانات البرية بشكل شبه أساسي .
وفي فترة ما قبل عام 1949 ، كان الفلاحون الصينيون هم أصحاب الأرض المزروعة، يقومون بزراعة جيوب صغيرة من تلك الأراضي بالمحاصيل لكن بدأ “ماو تسي تونغ” في فرض سياساته الإشتراكية على البلد، واعتماد نظام احتكاري كي تسيطر الدولة على الزراعة، بغرض تمويل التصنيع، وبالطبع لاقت تلك القوانين رفضاً قاطعاً من الفلاحين، وبالتالي لجأ للحيلة فإقترح أن يشتغل الفلاحون تحت سيطرة الحزب الشيوعي الصيني.
وبحلول عام 1958 ، كانت الملكية الخاصة بالفلاحين قد أُلغيت بشكل تام، وأُجبرت كل العائلات في مختلف أرجاء الصين على العمل في زراعة تديرها البلديات المحلية
وفي الفترة الممتدة من 1958 إلى 1962 ، هذا كان هذا الإجراء عامل ضغط وفرض مزيداً من المعاناة على الشعب الصيني، المقيد في أعمال السخرة في أرضه
وأصدر “ماو” قانون “الآفات الأربع” للقضاء على الفئران، والذباب، والبعوض، وطيور الدوري، وتم الترويج للحملة على أنها حملة نظافة من قبل ماو تسي تونغ، الذي حدّد الحاجة لإبادة البعوض ﻷنه ينقل الملاريا التي تقتل المواطنين ، وكانت البداية بقتل عصافير الدوري لأنها “تأكل حبوب البذور وتقوم بسرقة الثمار”، تم حشد الشعب الصيني لقتل الطيور، وتسبب بإنقراضها في الصين.
وعند بداية أبريل/نيسان من عام 1960 ، أدرك قادة الحزب الكارثة التي حلت على بلادهم، لأنه بدلاً من ارتفاع محصول الأرز بعد الحملة فقد إنخفض ﻷقل من الثلث، وهنا كانت المصيبة التي اقترفوها بأياديهم، ﻷن الحقيقة أن طيور الدوري كما كانت تأكل الحبوب فقد كانت تأكل كمية كبيرة من الحشرات، فلما انقرضت العصافير زادت الحشرات وأكلت المحاصيل الزراعية.
وهنا أمر “ماو” بإنهاء حملة القضاء على عصافير الدوري، واستبدالها ببق الفراش، في حملة “الآفات اﻷربع”، وبحلول هذا الوقت كان الأوان قد فات، واندفعت جيوش الجراد من دون أن يقابلها أي عدو، ﻷن عصافير الدوري كانت قد انقرضت بدورها ، ومن هنا تسبب الخلل البيئي في ظهور المجاعة الصينية الكبرى من سنة 1958 حتى سنة 1962.
ولم تحقق المرحلة الأولى من التنظيم الجماعي أي نجاح، ورغم كل ذلك لم يعترف أحد من السياسيين بالمجاعة الكبرى ، التي بدأت تظهر في عام 1956 ، ولم يجد الشعب الصيني لقمة لسد جوعه ، وهنا عاد الصينيون لعاداتهم القديمة في أكل جميع الكائنات الحية، وأكلوا الكلاب والقطط والفئران والسحالي والثعابين والخفافيش والحشرات، والحيوانات النافقة، ورغم كل هذه الكائنات والحيوانات التي أكلوها فقد مات حوالي 20 مليون إنسان، رغم أن هناك تقارير دولية قالت إن العدد وصل لـ40 مليون .
وقام الصينيون بمكافحة الجراد فصنعوا مصائد ﻻصقة للقضاء عليه ولكنه اجتاح المحاصيل بعد انقراض طيور الدوري ، وجاع الصينيون ، وتحولت الفئران التي يصطادونها ويسلمونها للبلديات – من أجل حملة اﻵفات – الى وجبات ، وتفننوا في طرق طبخها وأكلها، ولم يبق هناك حرج من أكلها ، وقد تمسك الصينيون بالعادات الشاذة تلك في الطعام رغم كل الأمراض التي تُسببها .
وتختم الدراسة بالتنويه ” أن الأجيال الجديدة بدأت في التقليل من الأكلات الشاذة تلك، وأصبح هناك سلوك إجتماعي عام لرفضها ونبذها، رغم تمسك الصينيين المعمرين بأكلها، ولكن الشباب المنفتح على العالم رفضها، ومنع تلك الأطباق من المطاعم العامة، ولكن في المناسبات كالأفراح مثلاً ما زالت موجودة ، لأنها أصبحت تراثاً يحاولون التمسك به قدر الإمكان، وأنشئت مصانع لتفريخ الحشرات المتنوعة، واستيراد الحيوانات الأليفة من بلاد العالم النامي لتربيتها في مزارع خاصة، ثم القيام بقتلها في مسالخ خاصة وعامة، لكنها اقتصرت على أطباق يومية في بعض الأماكن والقرى، وليس في عموم أنحاء الصين “.