كثيرٌ من المشاريع والقرارات تتعثر في منتصف الطريق؛
لا لأنها ضعيفة، ولا لأن أصحابها يفتقرون إلى الكفاءة،
بل لأنها وُضعت ببساطة في البيئة الخطأ.
كم من منتجٍ استثنائي لم يحقق أي مبيعات،
وكم من فكرة مبتكرة لم يلتفت إليها أحد،
ليس لعيبٍ فيها، بل لأنها طُرحت في سوق لا يرى قيمتها،
أو في وقت غير مناسب،
أو أمام جمهور لم ينضج بعد لاستقبالها.
فالنجاح ليس «فكرة جيدة» فقط،
بل توقيت ومكان وبيئة وفهم دقيق للسوق.
قد تبتكر تطبيقًا ذكيًا في مدينة لا تزال تفضّل الورق،
وتطرح منتجًا فاخرًا في سوق يبحث عن الأرخص،
وتقدّم خدمة متقدمة لبيئة لم تُدرك حاجتها إليها بعد.
هذا لا يجعل الفكرة فاشلة…
بل يعني أنك بحاجة لتغيير الاتجاه، لا لدفن الحلم.
فالأرض الخصبة هي نصف النجاح.
الحاشية الفاسدة… الخطر الذي يقتل المشاريع من الداخل
ليس الفشل دائمًا نتيجة فكرة غير مناسبة أو سوق غير مواتٍ؛
أحيانًا يأتي الخطر من داخل المشروع نفسه.
كم من مشروعٍ واعدٍ سقط
لا لأنه اختار السوق الخطأ،
بل لأنه أحاط نفسه بـ أشخاص غير أمناء:
يُخفون الحقائق، يجمّلون الأخطاء،
ويقدّمون الولاء للأفراد بدلًا من المصلحة العامة.
الحاشية الفاسدة أخطر من المنافسين.
المنافس يجبرك على التطوّر،
أما الفاسدون فيخدّرونك بمديحهم
بينما ينخرون أساس المشروع من الداخل.
هم الصوت الذي يحجب عنك الحقيقة،
والحاجز الذي يفصلك عن الواقع،
والسبب الذي يجعل القائد يظن أنه يصعد… بينما هو في الحقيقة يسقط.
اختر في دائرتك من يقول لك ما يجب أن تسمعه،
لا ما تحب أن تسمعه.
فالنقد الصادق أثمن من ألف مُصفّق.
النسخ بدل الإبداع… مقبرة الأفكار
من أخطر ما يصيب المشاريع — اقتصاديًا أو اجتماعيًا أو سياسيًا — هو النسخ:
نسخ تجربة ناجحة دون فهم سياقها،
نسخ نموذجٍ رائج دون دراسة بيئته،
أو تقليد مبادرة جميلة دون الحاجة إليها.
كم من مؤسسة اعتقدت أن نجاح مشروع لدى منافسها يعني نجاحه لديها،
فاكتشفت أنها نسخت القالب ولم تنسخ الروح.
وكم من مبادرة اجتماعية تعثّرت لأنها لم تُبنَ على احتياج حقيقي،
بل على تقليد لمبادرات جرى تداولها في أماكن أخرى.
وحتى في السياسة، سقطت نماذج كاملة
لأنها استنسخت تجارب لم تنبع من هوية المجتمع وخصوصيته.
فالابتكار ليس رفاهية… بل شرط للبقاء.
ومن لا يبتكر، سيظل يدور في فلك غيره مهما كانت نيته الإصلاح.
لا تستسلم، ولا تكرّر، ولا تتسرّع في الحكم على فكرتك.
قد تكون فكرتك الصغيرة، الأصيلة، الواقعية،
أكثر قيمة من ألف مشروع ضخم مستنسخ.
ازرع ما يناسب أرضك،
وابتكر ما يعكس هويتك،
واختَر أهل الأمانة لا أهل المجاملة.
وعندها… ستزدهر فكرتك حقًا، وتُثمر في الوقت المناسب.
نزيه حمد
رئيس مجموعة نزيه اللبنانية الخليجية للصناعة والتجارة







