خسر لبنان والصحافة وصحيفة النهار علماً كبيراً من أعلام الفكر والصحافة والثقافة. ترجّل إلياس الديري عن صهوة الجواد، تاركاً إرثاً لامعاً ملؤه الجرأة والحق والحرية.
رحل “زيّان”، الاسم الذي ذيّل مقالات إلياس الديري لسنوات، وشهد للإقدام ومواجهة الأخطار من أجل الكلمة والمهنة. وقد نعى فادي الديري، نجل الراحل، الفقيد الكبير، كاتباً: “ناديت بالله رجعوا ما تلفّتوا صوبي. الله يرحمك يا أبي، إلياس جرجيس الديري، صانع الرؤساء. المسيح قام، حقاً قام”.
كان الديري محلّلاً سياسياً بارعاً، ومطارداً للخبر وأسراره حدّ التأثير في المشهد السياسي، وتشهد كتاباته على رجاحة فكره المتنوّر الذي نظّر طويلاً للحداثة والتغيير والعروبة الحضارية ومناهضة الطائفية. ترأس تحرير مجلة “النهار العربي والدولي” التي أصدرها الشهيد جبران تويني في باريس، وهو عضو نقابة محرّري الصحافة اللبنانية وعضو نادي القصّة منذ العام 1960.
إلياس الديري بعد انفجار المرفأ، لم يعد كما قبله. ما جرى في بيروته أسقط جسده الذي كان يعاند العجز والمرض في الأشهر الأخيرة. وفي كلّ هذا المسار، بقي القلم هاجسه وضالّته. ولم يضعفه شيء قدر الابتعاد عن الكتابة التي عشقها.
عن “النهار العربي والدولي”، قال الراحل يوماً: “اشتدّت وطأة الحرب على لبنان، وانفرز الناس، وانقسمت المدينة بين غربية وشرقية، ودخل الجيش السوري الأراضي اللبنانية. كان الكثيرون في أسرة جريدة “النهار” يقطنون فندق “الكافالييه” في شارع الحمراء. وكنت والوزير مروان حمادة نتحاور مع الأستاذ غسان تويني حول ضرورة إيجاد حائط نلقي عليه ظهرنا (كجريدة)، في حال حدوث الأسوأ، وتمحورت الفكرة حول تأسيس مجلة ترافق الجريدة من باريس”.
وأضاف مستذكراً الرحلة الناجحة: “بما أنّ الحرب كانت في ذروة غضبها، كان الجميع على يقين من أن الأسوأ في طريقه إلى البلد، ولا سيما أنّه تم انتهاك الحريات الصحافية، وانتشرت الميليشيات في كل مكان. ولكن غسان تويني لم يقتنع كلياً بالفكرة التي كان يصرّ عليها الديري وحمادة. ولكن احتلال الجيش السوري مكاتب “النهار” في الحمراء، وطرده للموظفين، ومكوثه فيها فترة طويلة، دفع تويني إلى الموافقة على الفكرة التي نضجت مع الوقت. كانت مؤسسات صحافية أخرى قد سبقتنا إلى باريس، منها مجلة “المستقبل” التي أسّسها الزميل الراحل نبيل خوري”.
فإذا بالديري وحمادة وبعض المسؤولين الإداريين يتوجّهون إلى باريس حيث استأجر لهم المسؤول المالي في “النهار” سامي تويني غرفة في شارع باسانو، تحوّلت مكتباً جديداً لهم. تأسّست المجلة بسرعة، وصار اسمها “النهار العربي والدولي”. “وكانت في حلّتها الأخيرة بحجم الـtabloid (الصحيفة المصغّرة)، لا مجلّة ولا جريدة”، وفق الديري.
في رثاء فقيد الصحافة، كتب الرئيس سعد الحريري على “إكس”: “لطالما كان عمود زيّان، بأناقته وبما يتضمّن، زينة إضافية لصفحات صحيفة النهار. رحم الله الياس الديري وعزائي لعائلته ولزملائه في النهار”.
المصدر: “النهار”