الشاهد الذهبي على الطائف لـ”مستقبل ويب”: حصّة رئيس الجمهورية في الحكومة مخالفة للدستور وتُبطل رئاسته

وسط الغبار الكثيف الذي يحجب الرؤيا عن أحكام الدستور، وعصف الإجتهادات ‏و”المعايير” اللادستورية التي تحاصر مسيرة تشكيل الحكومة منذ أكثر من سبعة ‏شهور، لا بدّ من العودة الى “الشاهد الذهبي”على الطائف، ‏الذي واكبه لحظة بلحظة في مرحلتي المخاض والولادة، تماماً كما واكب الإنقلابات ‏المتعاقبة عليه، نصاً وروحاً، منذ العام 1990 حتى اليوم. ‏
رغم ابتعاده القسري عن شاشة الأحداث اليومية، وغضبه الدفين ممّا آلت إليه ‏أحوال البلاد والعباد، بقي رئيس مجلس النواب الأسبق حسين الحسيني الناطق ‏الشرعي الأبرز بإسم الدستور، والمدقّق “الجنائي” الأهمّ بأحكامه التي تعلو فوق كل اجتهاد ‏أو معيار ، يرفع الصوت حيناً، ويُحذّر من الخروج على النص حيناً آخر ، ‏ويعود في كل الأحيان الى “وثيقة الوفاق الوطني” مادةً مادة، كما لو أنها برتبة ‏إنجيل أو قرآن. ‏
لم يترك “السيّد” شاردة أو واردة دستورية تتّصل بمسار تشكيل الحكومة إلاّ ‏وقاربها إنطلاقاً من الدستور نفسه، بعيداً عن القيل والقال أو الثرثرات غير ‏المطابقة لمواصفات الطائف. فنّد بالتفصيل ، في حوار دام ثلاث ساعات، “البدع” ‏التي حلّت مكان “الكتاب”، وفي مقدّمها ما يُسمّى “حصّة” رئيس الجمهورية في ‏الحكومة العتيدة.‏
الموارنة ليسوا بحاجة لبكركي ثانية في القصر
“لا شيء إسمه حصّة لرئيس الجمهورية في الدستور، لا في الحكومة ولا في ‏غيرها”، يقول السيّد حسين، لأن الموارنة “ليسوا في حاجة الى بكركي ثانية في ‏القصر الجمهوري ولا السنّة بحاجة الى دار فتوى في السراي الحكومي ولا الشيعة ‏بحاجة الى مجلس شيعي أعلى في ساحة النجمة ، رئيس الجمهورية حسب المادة ‏‏49 من الدستور هو “رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن يسهر على احترام ‏الدستور.. ” وهذه وظيفة تمنح رئيس الجمهورية دور المحافظة على النظام والكيان ‏وتضعه في موقع سامِ فوق السلطات والصلاحيات”.‏
يستغرب الحسيني كيف أن بعضهم لم يتوقّف بالإهتمام المطلوب أمام “منح رئيس ‏الجمهورية في الطائف صفة “رئيس الدولة”، بعد أن كانت هذه الصفة محصورة ‏بالمفوّض السامي الفرنسي قبل الإستقلال. ومعنى ذلك أن رئيس الدولة هو رئيس ‏كل السلطات و كل اللبنانيين وبالتالي لا يمكن أن يكون طرفاً من خلال حصّة هنا ‏أو هناك بل رئيساً للجميع موالاة ومعارضة”.‏
“حصّة للرئيس” تتيح إبطال رئاسته
أما الأكثر غرابة، حسب السيّد ، فهو مطالبة رئيس الجمهورية بما يُسمّى “الثلث ‏المعطّل” الذي لم يرِدْ في الدستور لا نصّاً ولا روحاً: “إن الركيزة الأولى التي ‏يِقوم عليها تشكيل الحكومات في الأنظمة الديمقراطية البرلمانية هي التضامن ‏الوزاري، وبالتالي فإن أي وزير لا يلتزم بقرار الأكثرية الموصوفة ينبغي أن ‏يغادر الحكومة، فكيف يسعى بعضهم وجهاراً إلى التعطيل داخل الحكومة ؟.‏
يتابع رئيس مجلس النواب الأسبق: ” إن إشارة الدستور إلى وجوب “الإتفاق” بين ‏رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف لا تعني ضمان حصة لرئيس الجمهورية في ‏الحكومة وإنما إضطلاعه بالدور الذي حدّده له الدستور، أي التأكّد من مراعاة ‏التشكيلة الحكومية لثوابت الحفاظ على الكيان والإستقلال والنظام العام. كما أن ‏وظيفة رئيس الجمهورية أن يحول – إزاء أي تشكيلة حكومية – دون تمكين أي ‏شخص أو فئة أو حزب أو طائفة من امتلاك الأكثرية المقررّة أو الأقلّية المعطّلة ‏‏(انسجاماً مع مبدأ التضامن الوزاري) فكيف يطالب هو نفسه بنسبة معطّلة في ‏الحكومة؟ وبناء على ذلك يمكن إبطال رئاسة رئيس الجمهورية في حال حصوله ‏على “حصّة” في الحكومة، لأنه حسب أحكام الدستور لا تبعة على رئيس البلاد ‏وهو مُعفى من كل مسؤولية، وبمجرّد حصوله على حصّة يكون قد ألغى الدستور ‏الذي أعفاه أساساً من المسؤولية”.‏
6 ضربات موجعة للطائف
هذه” المعايير” غير الدستورية الممتدّة من مطالبة الرئيس بحصّة في الحكومة الى ‏ما يسمّى “حقوق المسيحيين”، مروراً بالتمييز بين الميثاق والدستور رغم أن الأول ‏”أصبح جزءاً من الثاني (مقدّمة الدستور)”، يُدرجها الرئيس الحسيني في مسار بياني ‏من الضربات المتلاحقة التي استهدفت”الوفاق الوطني” دشّنها ميشال عون في 1988 ثمّ توّجها هو ‏نفسه في 2021 :
“الضربة الأولى :قادها الجنرال عون العام 1988 ضد فكرة تلازم الوفاق الوطني مع ‏انتخاب رئيس للجمهورية، عندما اجتمع مع الدكتور سمير جعجع في اليرزة أثناء ‏انعقاد القمة اللبنانية – السورية في دمشق بين الرئيسين أمين الجميل وحافظ الأسد ، ‏لم يُجهض لقاء اليرزة انتخاب مخايل الضاهر رئيساً وحسب ، وإنما أطاح أيضاً ‏اجتماعاً موسّعاً كان يفترض أن يشارك فيه مع الرئيسين الجميل والأسد الرئيس ‏الراحل سليمان فرنجية والرئيس سليم الحصّ وأنا، وقد توجّهنا بالفعل نحن الثلاثة ‏الى سوريا، وكان يفترض أن ننضم الى اجتماع القمة بعد وقت من انطلاقها لكي ‏نصيغ معاً وفاقاً وطنياً مواكباً لأي رئيس يتم انتخابه ، لكن اتصال سيمون قسيس (مدير ‏المخابرات آنذاك) بالرئيس الجميل خلال القمّة وإبلاغه عن اجتماع اليرزة أطاح ‏الإجتماع والتوافق معاً . وقد توّج هذا الإنقلاب بإغتيال الرئيس رينيه معوّض ‏الذي لا يُعوّض، والذي كان بمثابة ضربة موجعة للطائف. ‏
الضربة الثانية: مقاطعة المسيحيين لإنتخابات 1992 (وبطلها ميشال عون )التي ‏أضعفت الإعتدال المسيحي والإسلامي معاً ومنحت جرعة قوّة للميليشيات. ‏
الضربة الثالثة: القرار 1559 وقانون محاسبة سوريا وبطلهما عون أيضاً.‏
الضربة الرابعة: إغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي دفع ثمن القرار 1559، وشكّل ‏اغتياله ضربة قاسية للبنان وأحيا الفرز الطائفي والمذهبي. ‏
الضربة الخامسة: “الحلف الرباعي” الذي أشعر المسيحيين أنهم خارج القرار ‏الوطني، ممّا رجّح كفّة “تسونامي” عون وهمّش المسيحيين الآخرين ولزّم الطوائف ‏للميليشيات. وهنا لا بد من الإشارة الى خطيئة “تيار المستقبل” في المشاركة في ‏هذا الحلف، بوصفه التيار السياسي الوحيد المنفتح على كل الطوائف، وصاحب ‏القدرة على التوافق والتحالف مع الجميع علاوة على أنه الوحيد الذي يضمّ في ‏صفوف كتلته البرلمانية نواباً من كل الطوائف.‏
الضربة السادسة: “الحلف الخماسي” في مؤتمر الدوحة الذي ضمّ عون الى الحلف ‏الرباعي وأطاح الدستور. ‏
هذا المسار يُثبت بالوقائع أن نقطة ارتكاز الإنقلاب المستدام على الدستور ‏هو ميشال عون – الجنرال ثم الرئيس – الذي يتميّز عن الآخرين، كما يختم السيّد، ‏بأنه “عدوّ معلن” للطائف، وإلاّ كان من واجبه بوصفه رئيساً للجمهورية “أن يحيل ‏جبران باسيل الى النيابة العامة وأن يزجّه في السجن بتهمة الخيانة العظمى عندما ‏وصف الدستور بـ”النتن”. فرئيس الجمهورية هو الوحيد الذي يحلف اليمين على ‏الدستور وعلى الإخلاص له واحترامه، ما يشبه الحَلَف بالله العظيم”.
المصدر : مستقبل ويب

لمشاركة الرابط: