تقدم المحامي مجد بطرس حرب بإخبار الى النائب العام التمييزي غسان عويدات، موضوعه :، “تمنع كل من فخامة رئيس الجمهورية ميشال عون ودولة رئيس مجلس الوزراء حسان دياب عن ممارسة واجباتهما والتسبب بوفاة مئات الأشخاص وبإصابة آلاف المواطنين وبتدمير نصف العاصمة بيروت” .
وجاء في الإخبار:
بتاريخ 4/8/2020 وفي تمام الساعة السادسة وسبع دقائق، هز إنفجار ضخم العاصمة بيروت، ما أدى إلى تدمير المدينة وإلى سقوط أكثر من 200 ضحية وإصابة أكثر من4000 جريح، ولا يزال البحث جار عن المفقودين.
رغم اختلاف الروايات حول أسباب الانفجار، بقي من المسلم به أن سبب هذا الإنفجار كان وجود 2755,5 طن من نيترات الأمونيوم مخزناً في العنبر رقم 12 من مرفأ بيروت.
باشرت الجهات المختصة بالتحقيقات وكشفت أسماء المسؤولين المباشرين وغير المباشرين عن الكارثة.
نشرت وسائل الإعلام أسماء مشتبه بهم خضعوا للتحقيق أمام القضاء المختص، الذي استدعى مسؤولين إداريين وأمنيين، وقد صدرت قرارات مختلفة بحقهم، كما وقد وردت معلومات عن التوجه إلى الإستماع إلى الوزراء المعنيين في الملف.
ولقد تبين، في التحقيقات القضائية وفي الإعلام، أن كلا من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء قد أبلغا خطياً بوجود خطر كبير وداهم نتيجة وجود نيترات الأمونيوم في العنبر رقم 12، وذلك لإتخاذ التدابير التي تحول دون بقائها في المرفأ و إنفجارها.
كما تبين أن كلا منهما لم يتخذ أي تدبير للحؤول دون حصول الإنفجار، الذي دمر نصف العاصمة، وقتل المئات، وشرّد مئات الآلاف من الناس.
ولما كان فخامة رئيس الجمهورية قد أكّد، في عدة خطابات، أن لا أحد فوق القانون، وقد قال بتاريخ 18/3/2019 “إنني أول متهم بالدولة ” واضعا نفسه بتصرف القضاء، كما أكد بيان صادر عن المديرية العامة لرئاسة الجمهورية على أن “الرئيس حريص على أن يأخذ التحقيق العدلي في تفجير المرفأ مداه الكامل”.
ولما كان دولة رئيس مجلس الوزراء المستقيل الدكتور حسان دياب قد شدد للشعب المفجوع بأن “لا خيمة فوق رأس احد” وذلك في أول خطاب له بعد الإنفجار.
بناء على مواقف رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، التي تضع الجميع تحت سقف القانون، وبعد ما تبين أن التحقيقات لم تطل حتى الساعة كل المعنيين، أتينا نضع بتصرف رئاستكم الكريمة المعطيات التالية:
أولا: في ما يتعلق بأفعال رئيس الجمهورية:
لما كانت واجبات رئيس الجمهورية الدستورية، نتيجة حلفه اليمين بإحترام الدستور وقوانين الأمة وبالحفاظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه، (المادة 50 دستور)، تفرض عليه القيام بكل ما يلزم لحماية الوطن والمواطنين من أي خطر.
ولما كان لرئيس الجمهورية ، في حادثة الإنفجار، الصلاحية والإمكانية للوفاء بقسمه، إما ” بدعوة مجلس الوزراء إستثنائياً كلما رأى ذلك ضرورياً…” ( المادة /53/ دستور) أو دعوة المجلس الأعلى للدفاع للإجتماع ساعة يشاء بإعتباره رئيسه.
ولما كان رئيس الجمهورية ضابطاً سابقاً، وبالتالي ضليعاً بالأمن والتدابير الوقائية المفترض إتخاذها لتفادي إنفجار مواد قابلة للتفجير، وهو من كان قائداً للجيش، ومن خضع لدورات عسكرية في لبنان وخارجه في كل من فرنسا والولايات المتحدة.
ولما كان يفترض به، بوصفه رئيسا للجمهورية ومسؤولاً عن مصير البلاد والعباد، أن يدعو بسرعة مطلقة مجلس الوزراء سندا للبند 12 من المادة 53 من الدستور عندما أبلغ بوجود هذه الكمية الضخمة من نيترات الأمونيوم في العنبر رقم 12 من المرفأ، وعرض الأمر المتعلق بالخطر الداهم الذي يهدد العاصمة وأهلها نتيجة وجود هذه الكمية الهائلة من المواد القابلة للإنفجار وتدمير عاصمة دولته ، وبالتالي ممارسة الصلاحية المنصوص عليها في البند رقم 11 من المادة المذكورة أعلاه التي أعطته حق عرض أي أمر طارئ من خارج جدول الأعمال على مجلس الوزراء.
ولما كان مجلس الوزراء قد عقد جلستين بعد تبلغ الرئيس الكتاب الذكور آنفا (في 21 و28 تموز) حيث كان بإمكان الرئيس عون عرض هذا الأمر البالغ الخطورة على المجلس لإتخاذ التدابير الآيلة لتفادي الإنفجار.
ولما كان إحجام رئيس الجمهورية عن تحمل مسؤولياته بعدم دعوة الحكومة وفقا لما سبق بيانه، وإحاطة الوزراء المختصين (وزير الأشغال ووزير المالية، ووزير الداخلية والدفاع) علما بالمعلومات التي بلغته وعرض الأمر على المجلس الأعلى للدفاع، ومتابعته بشكل جدي، بغية اتخاذ تدابير عملية وعدم الإكتفاء بإحالة عادية لكتاب يعلم فيه مسؤولين بالأمر فقط، ليس من شأنه رفع المسؤولية عنه.
ولما كان من البديهي أن يرتقب الرئيس حدوث الفاجعة نظراً لخبرته العسكرية السابقة، وبسبب لفت نظره من قبل الأجهزة الأمنية لخطورة الوضع، وتواصله الدائم مع الأجهزة المختصة، ولا سيما مدير عام الجمارك (الذي كان يجتمع به بشكل دوري حسب ما ورد على لسان مدير المكتب الإعلامي في القصر)، والإكتفاء بإعلام مستشاره العسكري كما يقول.
ولما كان تلكؤ رئيس الجمهورية هذا يشكل فعلاً جرمياً ينطبق على نص المادة 191 من قانون العقوبات اللبناني، التي تنص على ما حرفيته:
” تكون الجريمة غير مقصودة، سواء لم يتوقع الفاعل نتيجة فعله
أو عدم فعله المخطئين، وكان باستطاعته أو من واجبه، أن يتوقعها،
وسواء توقعها فحسب أن بإمكانه إجتنابها.”
ولما كان فعل رئيس الجمهورية، بإمتناعه عن إتخاذ أي تدبير لحماية حياة المواطنين وأملاكهم، وبالتالي مخالفة قسمه بالحفاظ على سلامة أراضي الوطن اللبناني وأبنائه، يشكّل خطأ نجم عنه حصول الإنفجار، يشكل الفعل الضار الناتج عن إهمال رئيس الجمهورية وقلّة إحترازه وعدم مراعاته أنظمة السلامة العامة، ما ينطبق أيضاً على أحكام المادة 190 من قانون العقوبات اللبناني التي تنص على ما حرفيته:
يكون الخطأ إذا نجم الفعل الضار عن الإهمال أو قلّة الاحتراز أوعدم مراعاة الشرائع والأنظمة.”
ولما كان رئيس الجمهورية يتمتع بحصانة خاصة لصيقة بشخصه، تمنع مقاضاته ومحاكمته وإتهامه عند ارتكابه جرماً جزائياً أمام القضاء الجزائي العادي، وتفرض إتهامه ومحاكمته، أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، إلا أن هذه الحصانة لا تمنع ملاحقته ومحاكمته، عند خرقه الدستور وفي حال الخيانة العظمى، كما لا تمنع ملاحقته ومحاكمته عند ارتكابه جرماً عادياً، كسائر المواطنين، بحيث تبقى أفعاله خاضعة للقوانين العامة.
ولما كان لا يمكن إتهامه إلا من قبل مجلس النواب بموجب قرار يصدره بغالبية ثلثي أعضائه على أن يحاكم أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء .
ولما كانت التحقيقات في الحادثة تجري بإشراف النيابة العامة التمييزية، ويفترض أن تشمل كل المسؤولين عن الحادثة، مهما علا شأنهم، وذلك تنفيذاً للمبدأ الذي أعلن رئيس الجمهورية التزامه به، من أن ” لا أحد فوق القانون “، ومن ” أن الرئيس حريص على أن يأخذ التحقيق العدلي في تفجير المرفأ مداه الكامل”.
ولما كانت الوقائع الحسية والمستندات والبيانات الرسمية ودردشة رئيس الجمهورية مع الإعلاميين قد أكدت ثبوت مسؤولية رئيس الجمهورية عن الإنفجار نتيجة عدم فعل ما يفرضه عليه قسمه وموقعه ومسؤولياته عن الشعب اللبناني، وأنه لو مارس صلاحياته الدستورية والقانونية، ودعا مجلس الوزراء إلى الإنعقاد إستثنائياً و مجلس الدفاع الأعلى لعرض خطورة الواقع، لكانت البلاد قد تجنبت الإنفجار، ولكان الكثير ممن فقدناهم لا يزالون أحياء، ولما كانت بيروت تعرضت للتدمير الذي حصل…
ولما كان زعم رئيس الجمهورية أنه لا يتمتع بصلاحيات تسمح له بإعطاء التوجيهات غير صحيح، لأنه يتمتع بصلاحية تحريك مجلس الوزراء ومجلس الدفاع الأعلى، أو على الأقل، لفت نظر الوزراء المختصين إلى وجوب إتخاذ التدابير المستعجلة لتفادي حصول الإنفجار، وهو لم يقم بأي من هذه الخطوات، وامتنع عن ممارسة صلاحياته الدستورية، ما أدّى إلى وقوع الكارثة، ما يرتّب عليه مسؤوليات شخصية تجاه الضحايا والمتضررين يفترض أن يحاسب عليها.
ولما كان قانون العقوبات اللبناني قد نصّ على وجوب إنزال العقوبات ” بمن تسبب بموت أحد عن “إهمال أو قلّة إحتراز أو عدم مراعاة القوانين والأنظمة عوقب بالحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات.”
المادة 564 عقوبات
ولما كان من واجب النيابة العامة التمييزية، عند ثبوت ترتب مسؤولية جزائية على أحد المشمولين بالمادة 60 دستور، أن يبلّغ مجلس النواب بالأمر لإتخاذ الموقف المناسب منه، إما بالإتهام والإحالة على المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، أو بعدم توفر الأكثرية المطلوبة للإتهام، أو بحفظ التحقيق ورفض الإتهام.
ولما كان إهمال الرئيس لواجباته يعرضه للملاحقة المدنية والجزائية للتعويض على المتضررين من أمواله الخاصة، فيقتضي عدم التقاعس في إتخاذ الإجراءات الآيلة لملاحقة المسؤولين عن هذه الفاجعة لإلزام المرتكبين أو المهملين لواجباتهم بالتعويض على المتضررين من أموالهم الخاصة
ثانيا: في أن أفعال رئيس مجلس الوزراء تشكل جرماً جزائياً يعاقب عليه القانون:
لما كان رئيس مجلس الوزراء الدكتور حسّان دياب يعتبر مسؤولاً عن تنفيذ السياسة العامة التي يضعها مجلس الوزراء ويرئس مجلس الوزراء، ويكون نائباً لرئيس المجلس الأعلى للدفاع، وهو الذي يدعو مجلس الوزراء للإجتماع ويضع جدول أعماله، ويتابع أعمال الإدارات والمؤسسات العامة، ويعطي التوجيهات لضمان حسن سير العمل، ويعقد جلسات عمل مع الجهات المعنية في الدولة بحضور الوزير المختص.
ولما كان رئيس مجلس الوزراء، وبعد إبلاغه عن وجود مواد متفجرة وخطرة قابلة للإنفجار في العنبر رقم 12 من مرفأ بيروت، لم يدع مجلس الوزراء للإنعقاد إستثنائياً، كحد لم يضع هذا الأمر الخطير على جدول أعمال مجلس الوزراء الذي انعقد مرتين بعد إبلاغه وقبل حصول الإنفجار، كما لم يبادر إلى مراجعة المسؤولين ودعوة المسؤولين الإداريين والأمنيين بحضور الوزراء المختصين، وإعطائهم توجيهاته للتخلص من كمية نيترات الأمونيوم بسرعة، ما أدّى إلى بقائها في المرفأ وإلى انفجارها وتدمير مدينة بيروت وقتل مئات المواطنين وإصابة الآلاف وتشريد الآلاف من المواطنين.
ولما كان فعله هذا ينطبق أيضاً على أحكام المواد 190 و191 و564 من قانون العقوبات اللبناني، ويعرّضه للملاحقة الجزائية والمدنية للتعويض على المتضررين من أمواله الخاصة.
ولما كنت أتبنى رأي نادي القضاة القانوني بوجوب محاكمة رئيس الحكومة أمام المحاكم العادية، وليس أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، كما ذهبت إليه الهيئة العامة لمحكمة التمييز في قرارها الصادر عام الـ 2000، إلا أنني، وتفاديا للجدل القانوني القائم والمستمر منذ سنوات، إحتراما مني لروح الضحايا ولفظاعة الجريمة، أطالب بأن تشمل التحقيقات شخص رئيس الحكومة المستقيل، وألا يقتصر على الوزراء المختصين والمسؤولين الإداريين والأمنيين.
لهذه الأسباب
أودعكم هذا الإخبار، طالبا إجراء المقتضى القانوني لتحقيق العدالة ولكي نؤكد أن لا أحد فوق القانون، وأن كل مرتكب، أيا كان شأنه أو مقامه خاضع لأحكامه”.
المصدر : وطنية