كتبت محمد ابراهيم
على وقع “سبت المشانق” و”يوم الحساب” كانت تظاهرات “تسونامي” تملأ شوارع وسط بيروت، المنكوب بفعل “كارثة المرفأ”. تظاهرات ضدّ الفساد وضدّ كلّ من تسبب بقتل اللبنانيين. وقد خرج رئيس الوزراء حسان دياب بكلمة إلى اللبنانيين والمتظاهرين من السراي الكبير، حملت بين سطورها “بوادر” ومؤشرات تسوية كبرى يتم عقدها على نار حامية في الملف اللبناني. تسوية قطباها الولايات المتحدة وحزب الله، بعد تطوّرات شهدها لبنان تدلّ عليها. وقد بدا طرح دياب انتخابات نيابية مبكرة أولى ثمار التسوية، التي حاول دياب امتصاص غضب اللبنانيين بها.
وبعد أقلّ من ساعة تمّ الإعلان عن زيارة سيقوم بها وكيل الخارجية الأميركية ديفيد هيل، إلى بيروت، في تأكيد جديد على بوادر التسوية واحتمالاتها المتزايدة.
فمنذ السّابع عشر من تشرين الأوّل، واستقالة حكومة الرئيس سعد الحريري وتفاقم الأزمة الإقتصادية والمالية، أبلغت الولايات المتحدة من يعنيهم الأمر بشروط عديدة مقابل أي مساعدة للبنان، خصوصًا مليارات “سيدر”، أو الموافقة على طلب مساعدة صندوق النّقد الدّولي.
تشكيل حكومة دياب كان جواب رفضٍ لهذه الشّروط أرسله حزب الله. ولائحة الشّروط الأميركية كانت ضمّت مجموعة مطالب بدت تعجيزية في حينه. وفضّل حزب الله أن يخوض لعبة “كسب الوقت” بانتظار إجراء الإنتخابات الأميركية، قبل تقديم تنازلات في لبنان لإدارة راحلة. ما لم يكن في حسبان حزب الله أنّ لبنان لا يُسمح له بـ”تقطيع الوقت” مثل إيران، وذلك لاعتبارات عديدة أبرزها صغر حجمه والاختلافات السياسية الواسعة داخله، وأسباب اجتماعية وصلت بعض شظاياها إلى حدود بيئة الحزب.
لائحة الشّروط الأميركية المذكورة كانت تضم: تشكيل حكومة من الإختصاصيين المستقلين تلتزم بتطبيق القرارات الدولية وفي مقدمتها 1559 وشقيقه الـ1701، وإنهاء ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، والقيام بإصلاحات جدية ومحاربة الفساد وفي مقدمها وقف التهريب عبر الحدود والمطار والمرفأ، وإجراء انتخابات نيابية مبكرة على أساس قانون جديد غير القانون الحالي، وعودة حزب الله من “معارك المنطقة”، وعدم تطبيع أي علاقة مع النّظام السّوري، والتوقّف عن “المتاجرة” بملف النازحين السوريين وعدم الضغط عليهم للعودة إلى سوريا قبل الحلّ الدولي للأزمة السّورية، والإفراج عن عامر الفاخوري وطبعًا “ضمان أمن إسرائيل”.
بعد انفجار المرفأ، خرج كلام عن أنّ قنوات التواصل بين الحزب وواشنطن تعمل بشكل “نشيط”، وقد لوحظت مؤشّرات عدّة لهذا “النّشاط”، كان أبرزها الآتي:
– بوادر تغيير الحكومة بعيد استقالة وزير الخارجية ناصيف حتّي، الذي يقال إنّ علاقات وطيدة تجمعه بالفرنسيين والأوروبيين، والمؤشّر الأهم هو كلام رئيسها حسان دياب عن “أنّ الحل في لبنان لا يكون إلا بإجراء إنتخابات نيابية مبكرة سأتقدم باقتراحها يوم غد الإثنين في مجلس الوزراء”، وأنّه يتحمل “مسؤولية الحكومة لمدة شهرين حتى تصل الأحزاب السياسية لاتفاق”. وكلامه جاء على وقع الشارع المنتفض والمواجهات في وسط بيروت التي شهدت اقتحامًا لعدد من الوزارات هي الخارجية والطاقة والإقتصاد والبيئة، رافقها بيان من سفارة واشنطن في بيروت دعم الحقّ بالتظاهر لـ”الشعب اللبناني الذي عانى كثيرًا ويستحق أن يكون لديه قادة يستمعون إليه”.
– زيارة ديفيد هيل الآتي بحسب معلومات خاصّة بـ”أساس” لحسم ملف ترسيم الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة، وذلك بعد يومين من كلام رئيس مجلس النواب نبيه برّي عبر جريدة “النّهار” عن قرب الانتهاء من هذا الملف العالق. ويأتي هيل لمتابعة الشّروط الأميركية السابقة، ومنها الانتخابات النيابية المُبكرة التي استبق دياب وصوله بإعلان تبنّيه لها. كما أنّ هيل، وخلال زيارته الأخيرة بعيد اندلاع الأزمة اللبنانية، كان قد بدأ بالبحث مع المسؤولين بعودة حزب الله إلى لبنان وتفكيك برنامج الصّواريخ الدقيقة وضمان أمن إسرائيل بمقابل “غض نظر” أميركي عن سلاحه بالكامل، وذلك بحسب معلومات خاصة بـ”أساس”. ويُعتبر ديفيد هيل من رجالات التسويات والدبلوماسية الناعمة في الولايات المتحدة الأميركية. كما أنّ زيارة وكيل الخارجية الأميركية إلى لبنان سبقها قبل أسابيع بحسب معلومات خاصّة بـ”أساس” إخطار من واشنطن لمسؤولين لبنانيين رفيعي المستوى بالتحضّر لزيارة قريبة لمساعد وزير الخارجية لشؤون الشّرق الأدنى ديفيد شينكر. وشينكر معروف بصلابة مواقفه وتفضيله أسلوبَ المواجهة. لكنّ استبدال زيارة شينكر بـ”هيل” تُعطي مؤشرًا أميركيًا ناعمًا لمحاولة حلّ الأزمة اللبنانية، خصوصاً أنّ حزب الله أعطى مؤشرات تنازل عديدة للولايات المتحدة بدأت بالإفراج عن عامر الفاخوري ولن تنتهي بترسيم الحدود وبدء الكلام عن تغيير حكومي.
– وصول أحد المسؤولين الأميركيين من برنامج الولايات المتحدة للمساعدات USAID، كما أفادت مصادر الخارجية الأميركية لـ”أساس”. في ما يبدو أنّه قرار بتقديم مساعدات كبيرة.
– تبقى زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت: فكلام ماكرون عن “سلاح الحزب” كان لافتًا، خصوصًا حين أجاب أنّ “الحزب مُنتخب من قبل الشّعب اللبناني” وقدّم الكلام عن الإصلاحات ومحاربة الفساد وتجنّب عن ذكر أي كلام مباشر عن “السّلاح”.
– الاتصال بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره اللبناني ميشال عون: يقول مراقبون إنّ ترامب كان يمكن أن يحصر التعازي ببرقية أو باتصال من نائبه أو وزير الخارجية، إلّا أنّ الإتصال المباشر يحمل دلالة أخرى، خصوصًا أنّه حصل بعيد إتصال بين ترامب وماكرون.
– مشاركة ترامب بشكل شخصي في مؤتمر دعم لبنان وإعادة إعمار بيروت الذي يُعقد اليوم الأحد تحمل من الدلالات الكثير، خصوصًا أنّ إدارة ترامب كانت تعتمد سياسة “العزل” تجاه لبنان، ما يشير بلا شك إلى كسر هذه العزلة، ولكن لن يكون الكسر دون مقابل قُدّم أو سيُقدّم…
– تراجع حدة الكلام عن التوجة شرقًا: بل وغيابها في الآونة الأخيرة، حيث إنّ هذه الدعوات لم تلقَ أي تجاوب، خصوصًا أنّ التجارب التي مرّ بها لبنان في أزمة كورونا والأزمة الإقتصادية ومؤخرًا “كارثة مرفأ بيروت” لم يشهد اللبنانيون شيئاً من مساعدات الشرق يُعوّل عليه للذهاب باتجاهه.
مع كلّ هذه المؤشرات، يبقى الحذر قائمًا من أنّ أي خلط للأوراق في طريق التسوية قد يعيد الأمور إلى نقطة الصّفر، ويرفع من منسوب الخنق الإقتصادي الذي أعلنت فرنسا أنّها لا تؤيّده لأنّه يزيد من نفوذ حزب الله في لبنان. وعندها يعود لبنان إلى دوامة الانهيارات.
المصدر اساس ميديا