الإنتماء في زمن البلديات..”غريزة هوية ونساء على الهامش “

من أجواء الانتخابات البلدية، تنبعث أسئلة قديمة بثوب جديد: ما هو الإنتماء؟ وكيف تُعيد البلديات، في لحظة انتخابية، صياغة العلاقة بين المواطن ومحيطه؟
في القرى والبلدات اللبنانية، لا تشبه الانتخابات البلدية غيرها من الاستحقاقات. هي ليست فقط عملية ديمقراطية تُفرز مجلسًا محليًا، بل مشهد حيّ لانبعاث الغرائز الاجتماعية، وتظهير الهويات الكامنة. الانتماء هنا ليس مجرد شعور بالولاء للدولة أو الحي،أو القرية بل هو شبكة معقدة من الروابط العائلية والطائفية والمصلحية.
عشائر وعائلات: الولاء الأول؟
في مناطق كثيرة، لا تُقاس قوة المرشح ببرنامجه أو رؤيته، بل بحجم العائلة التي تقف خلفه، وعدد الأصوات التي تضمنها. تنقلب الانتخابات إلى سباق بين أبناء العمومة، تتداخل فيه الحساسيات القديمة والنكايات اليومية، حتى يبدو المشهد أقرب إلى “تصفية حسابات” منه إلى عملية اختيار.
لكن هذا الولاء العائلي، الذي لطالما شُرعن باسم “التقاليد”، بدأ يواجه موجة رفض، لا سيما من الجيل الشاب وبعض المبادرات المدنية التي تدعو إلى إنشاء روابط محلية جديدة، قائمة على الكفاءة والمصلحة العامة لا على النَسب والانتماء العائلي الضيق.
نساء على الهامش؟
تظهر فجوة لافتة في مسألة الانتماء بين الجنسين. فهناك من يكونون مسجّلين في قيد بلدة ما دون أن يشعروا بأي انتماء حقيقي إليها،او يعرفوا عن كثب من أفكار المرشح وماضيه أو حاضره! وهذه الظاهرة تُصيب  النساء خصوصًا، اللواتي يُقيَّدن في سجلات بلدات أزواجهن بعد الزواج، من دون أن يكون لهن ارتباط فعلي بالمكان، ولا بالشخص أو تأثير في قراراته السياسية. هكذا يُقصى نصف المجتمع عن الشعور بالملكية والمشاركة الفعلية في “بلديته”.
السياسة الحزبية تدخل الحي
إلى جانب العصبيات العائلية، تلقي التحالفات السياسية الحزبية بثقلها على المجالس البلدية. فالأحزاب، وإن ادّعت أنها تسهّل العملية الانتخابية أو تنظّم العمل البلدي، غالبًا ما تُفرغه من محتواه المحلي، وتحوله إلى ساحة نفوذ إضافية ضمن لعبة السلطة الكبرى. وفي كثير من الأحيان، تُفرض التحالفات من فوق، من دون مراعاة الحاجات الفعلية للناس في الأسفل.
الانتماء لا يُفرض… بل يُبنى
ما تفرزه الانتخابات البلدية أحيانًا لا يعكس المصلحة العامة، بل موازين قوى محلية. وقد يُقصى الأكفأ لصالح “الأقرب”، حتى وإن كان ذلك على حساب التنمية. فتتحول الإنتماءات من قوة دفع إلى قيد يعيق التطور، ومن وسيلة للتماسك إلى أداة للفرز والتقسيم.
لكن الأمل موجود…
في كل دورة بلدية، تبرز محاولات شبابية مستقلة تحاول كسر هذه القوالب، وإعادة تعريف الانتماء كعلاقة مسؤولة مع المكان. انتماء لا يقوم على العصبية أو الولاء الأعمى، بل على الالتزام الصادق بالبيئة المحلية وخدماتها وإنسانها.
الإنتماء ليس قدرًا نهائيًا، بل خيارٌ يمكن توسيعه وتعميقه. والبلديات، إن خرجت من عباءة الغرائز، قد تصبح بوابة حقيقية لبناء حس مواطني جامع، لا عائقًا جديدًا يُضاف إلى انقساماتنا
مقالات للكاتبة إكرام صعب [email protected]

لمشاركة الرابط: